المجتمع المدني ( الدولة المدنية )
بحث عن الدولة المدنية |
بحث عن الدولة المدنية ( المجتمع المدني ) :
مقدمة عن المجتمع المدني :
أصبح مصطلح المجتمع المدني ملازمة لمفهوم الدولة العصرية الحديثة، ويلاحظ أن هذا المصطلح صار شائعة في الخطاب السياسي خلال العقود الأخيرة، وقد حل مكان مصطلح المجتمع الفاضل في الفلسفة السياسية في التاريخ الحديث.
إن مصطلح المجتمع المدني رغم انتشاره وشيوعه قد أضحى من أكثر المصطلحات إثارة للجدل؛ من حيث أصوله، والمعنى الذي يرمي إليه.
فبعض المفكرين يرجعه إلى الكاتب الماركسي أنطونيو جرامسكي ( A . Gramsci)، وبعضهم الآخر يرجعه إلى الفيلسوف الألماني المثالي هيجل (Hegel) .
ومن المثير للاهتمام أن جرامسكي لم يكن واضحا في تحديده لمفهوم المجتمع المدني، فهو أحيانا يعتبره نقيضة للدولة، وفي حالة صراع معها، وفي أحيانا أخرى يعرف الدولة بأنها عبارة عن المجتمع السياسي والمجتمع المدني.
وفي موضع آخر يصف الدولة بأنها عملية موازنة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، ونجده في ملاحظات أخرى يقول بأن المجتمع المدني والدولة هي وحدة واحدة . (207 :1987 ,Gramsci)
وفيما يلي وقفة للتعرف-وبشكل تفصيلي- على مفهوم الدولة المدنية ، ومقوماتها .
مفهوم الدولة المدنية :
مفهوم المدنية :
الدولة المدنية في الفكر الإسلامي المعاصر :
إن الدولة المدنية في الإسلام هي دولة القانون ؛ وبالتالي فهي ليست دولة رئيس الوزراء، ولا دولة رئيس الجمهورية، أو الملك، وتؤكد على الطبيعة الموضوعية لتلك الدولة التي تؤسس على قاعدة الفصل بين السلطات الثلاث، بمعناه الحقيقي، وليس الاعتباري، والفصل هو المكون الرئيس لطبيعتها المادية، وثقافتها المجتمعية.
فهناك أسس وأركان للدولة المدنية في الإسلام ، وهي تتمثل في ستة بنود كما يلي :
1. بشرية الحاكم وعدم قداسته.
2. الشعب مصدر السلطات.
3. حرية إبداء الرأي (الشورى أو الديمقراطية).
4. الفصل بين السلطات.
5. التمثيل النيابي للشعب.
6. حق المواطنة.
الدولة المدنية في الفكر الغربي :
إن مصطلح الدولة المدنية لم يتحدد دفعة واحدة، ولكنه مر بفترات تاريخية طويلة، شارك في تحديده مفكرون وفلاسفة كثيرون، حتى أجمعوا على تعريفه، وتعيين حدوده، وركائزه، وفيما يلي أقدم عرضا مختصرا لرؤية الفلاسفة والمفكرين للدولة المدنية على مدى العصور المختلفة.
ويتمثل مفهوم الدولة المدنية عند ( ميكافيللي ) في كتاب ( الأمير ) بإرسائه لمعنيين اثنين :
المعنى الأول:
نزع المطلق الديني والقيمي عن تصرفات السياسي، مع تأكيده على أهمية الدين کنسق للعبادة؛ لحفظ السلام والأمن الإنساني في المجتمع.
المعنى الثاني:
توضيح آلية اختيار الأمير عبر الإرادة الشعبية، أو باختيار طبقة النبلاء، وتسمية ذلك بالإمارة المدنية، في حين أوضح توماس (هوبز) أن معالم الدولة المدنية التي يدعو لها هي أن يصبح قانون الدولة هو القانون المطلق الذي يفرضه الملك فرضة واستبداد مطلقا، فالدولة عنده هي المرجعية النهائية.
ويعتبر (جون لوك) من آخر المنظرين الفلاسفة للدولة المدنية، وتعد رؤيته للمفهوم هي الأكثر شيوعا لدى المتحدثين في هذه القضية، والصورة المتكاملة للدولة المدنية المشهورة من العقير القائم بين الأفراد والحكومات بالأغلبية، والحفاظ على مبدأ فصل السلطات، وحق الشعوب على الثورات لا تجدها إلا عند (جون لوك).
فهو من وسع مداركه، ويؤكد أن مهام الحاكم المدني تقتصر على إدارة شؤون الدولة، وبناء على ذلك؛ فإن سلطة الحاكم لا تمتد إلى تأسيس أي بنود تتعلق بالإيمان، أو بأشكال العبادة استنادا إلى قوة القوانين .(حورية، 1999: 214)
وقد ظل مفهوم الدولة المدنية يتطور شيئا فشيئا، وصولا إلى العصر الحديث، فوجدنا ثمة تعريفات أخرى للدولة المدنية، تتعاطى مع تطورات مفهوم الدولة القومية.
تعريف الدولة المدنية :
الدولة المدنية هي " الدولة المعتدلة التي يثق فيها المواطنون في غيرهم من المواطنين المختلفين عنهم ، وحيث يوجد أقل قدر من الانقسام السياسي ، وحيث يتعاون القادة السياسيون من أجل الوصول لأرضية مشتركة ، وحيث تناهض البيئة السياسية المواجهات والصدامات العنيفة ، وفي تلك الدولة تجد نظام الحكم أكثر نجاعة وفاعلية ؛ حيث يخلو من ممارسات الغدر ، وتسود فيه مبادئ الأمانة والتعاون من أجل تحقيق الصالح العام " .
مقومات ودعائم الدولة المدنية
ترتكز الدولة المدنية على دعائم رئيسة ، تمثل المقومات الأساسية لقيامها ، وتحقق الالتزام بمبادئ القانون وهي سبع كما يلي :
1. الدستور :
يعد الدستور شرطة محورية لإقامة نظام سياسي يتسم بالشرعية والوجود القانوني للسلطة الحاكمة في المجتمع، ويضع التنظيم وحق التصرف باسم الدولة، وينظم وسائل ممارسة السلطة، ويبين الدستور الطريقة التي يمكن بها اختيار الحاكم، وحدود سلطاته.
وعلى ذلك تكون السلطة التي مصدرها الدستور مقيدة بالضرورة بذلك، كما يحيط الدستور الهيئة الحاكمة بإطار قانوني لا يمكن الخروج عنه، وإلا فقدت صفتها القانونية، وبالتالي تفقد صفتها الشرعية، وبهذا يصبح الدستور هو المعيار في تنظيم تصرفات السلطات التي تنشأ عنه في الدولة السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية)، ومن هنا يعتبر الدستور هو أول مقومات الدولة المدنية . (نصر الدين، 98 :2011 )
2. المواطنة المتساوية :
إن مبدأ المواطنة يعني أن كل المواطنين سواء في الحقوق أو الواجبات، والدعوة أن تكون الوحدة على الولاء القومي والوطني، مع المساواة التامة بين أبناء الوطن الواحد، وعدم التفرقة بينهم على أساس ديني أو طائفي أو جنسي، فمعيار الأفضلية عندهم في المجتمع للكفاءة، والنزاهة، وخدمة المجتمع والوطن . (عبد اللطيف، 1996: 1328)
3. سيادة القانون، وتدرج القواعد القانونية :
لا يمكن تصوير النظام القانوني للدولة المدنية بدون سيادة القانون، وبدون تدرج للقواعد القانونية، فيه والذي يظهر سمو على بعضها بعض القواعد القانونية على بعضها البعض، واستناد بعضها على بعضها الآخر وتبعيتها له.
فالقواعد القانونية ليست في مرتبة متساوية من حيث القوة والقيمة، ففي القمة تأتي القواعد الدستورية، ومن ثم تتلوها التشريعات القانونية العادية، ثم الأنظمة، والتعليمات، والأوامر الصادرة من السلطات الإدارية . (سالم، أحمد، 2011: 42)
4. خضوع السلطة للقانون :
إن خضوع الدولة للقانون مقوم أساسي لقيام الدولة المدنية، فلا يمكن أن تقوم الدولة المدنية إلا به، وبمقتضاه، كما لا يجوز للسلطة أن تتخذ إجراء، أو قرارة إدارية، أو عملا مادية؛ إلا بمقتضى القانون وتنفيذا له، ولا يمكن لها أن تتصرف إلا بالقانون؛ كونها إحدى سلطاته، وإن التزامها بالعمل وفقا لقانون يؤكد وحدة النظام القانوني المقر في الدولة.
وهو ما يطلق عليه مبدأ الشرعية، ويعتبر ذلك السلطة عنصرا من عناصر دولة القانون، ويترتب على هذا أيضا سيادة حكم القانون وسيطرته، وخضوع الإدارة في نشاطها للقانون؛ تطبيقا لمبدأ الشرعية، وتحقيقا العنصر من عناصر الدولة . (نصر، 1994: 33).
5. الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية :
إن الهدف الأساسي من قيام الدولة هو حماية الفرد من تعسف السلطات العامة، واعتدائها على حقوقه، فهو يفترض وجود حقوق للأفراد في مواجهة الدولة، لأن المبدأ ما وجد إلا لضمان تمتع الأفراد بحرياتهم العامة، وحقوقهم الفردية . (حوریه، 1999: 215)
6. التعددية وقبول الآخر :
إن كفالة تعدد الآراء والمصالح وحمايتها داخل المجتمع، والقبول بالآخر؛ أيا كانت عقيدته وديانته؛ على أن يدار هذا التعدد بشكل سلمي؛ من خلال إقرار المجتمع بممارسة الحقوق والحريات السياسية، وكل ذلك في إطار قانوني ويضمن سلامة المجتمع يحمي وأمنه ويصون استقراره . (65 :2010 ,Besley and Robinson)
7. التداول السلمي للسلطة :
وهو المقوم الأخير للدولة المدنية، "ويقصد به وجود آليات لانتقال المنصب السياسي من فري إلى آخر، سواء أكان شاغل المنصب رئيسا للجمهورية، أو للوزراء، في النظم الرئاسية والبرلمانية . (5 :2010 ,Chavura)
تعليقات