الثقافة التنظيمية |
بحث حول الثقافة التنظيمية :
مقدمة عن الثقافة التنظيمية :
لقد شهدت بداية الثمانييات تطورا ملحوظا بموضوع ثقافة المنظمات على المستوى النظري، وكذلك البحوث والتطبيق، فعلى المستوى النظري استحوذت العملية الثقافية أهمية كبرى في دراسة ثقافة المنظمة .
وعلى مستوى البحوث؛ فقد تم نشر العديد من الدراسات النظرية والتجريبية حول ثقافة المنظمة وتم نشر أعداد خاصة في بعض الدوريات العلمية لنشر البحوث ذات العلاقة بثقافة المنظمات.
إن مجال الثقافة من المجالات الحديثة التي دخلت إلى كتب العلوم الإدارية، فهي تعد عنصرا هامة في تكوين منظمات الأعمال، وتقوم بدور حيوي في تجسيد وتطوير الفكر الإداري الحديث داخل المنظمة ( العميان، 2002: 311)
وبما أن مفهوم الثقافة التنظيمية يمثل تحديا كبيرا لأي تنظيم، سيتم في هذا الفصل مناقشة الثقافة التنظيمية ماهيتها وعناصرها وأنواعها ووظائفها وتكوينها وتأثيرها على الأفراد وعلى المنظمة.
تعريف الثقافة :
يعد مفهوم الثقافة من أكثر المفاهيم التي حظيت بالعديد من التعريفات التي اختلفت فيما بينها، وذلك وفقا لاختلاف توجهات العلماء والباحثين الذين انكبوا على دراسة مفهوم ومعنى الثقافة.(دعيس، 1997: 6)
فبالرغم من شيوع استعمال لفظ الثقافة في أحاديثنا وما يحتله من مساحة عريضة في وسائل الإعلام، فضلا عن استعماله في اللغة الأكاديمية، فإنه قد جرت معالجة هذا المفهوم بسطحية شديدة في الفهم، فمجموعة المعارف والعلوم هي أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ أو المستمع عند ذكر كلمة "ثقافة" .
كما ساد الاعتقاد بأن الثقافة ما هي إلا حكر على جماعة من الناس دون غيرهم، حيث يطلق عليهم لفظ (الطبقة المثقفة)، بينما في واقع الأمر تمثل المعارف والعلوم جزء يسيرة من ثقافة الناس والمجتمع، وحول هذا القصور في فهم الثقافة يشير مالك أنه قد جرى العرف، إذا ما أريد الحديث حول الثقافة أن تقتصر مشكلتها على قضية الأفكار فقط(مالك، 2006: 13)
وقد عرف تايلور 1911 الثقافة، بأنها ذلك الكل المعتقد الذي يشمل المعرفة والعقيدة والأخلاق والقانون، وأية قدرات يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع. في حين يعرفها لينتون Linton بأنها مجموعة السلوكيات التي يتعلمها البشر في أي مجتمع من الكبار، الذين تنتقل منهم إلى الصغار.
كما يعرفها قاموس راندوم Random بأنها طرق أو أنماط الحياة التي يتم بناؤها وتطويرها من قبل جماعة من الناس، ويتم توارثها من جيل إلى جيل (السكارنة، 2009: 355)
ومن خلال الاطلاع على تعريفات الثقافة التي تناولها المفكرون العرب والأجانب، يمكن القول إن أبرز المفاهيم الشائعة للثقافة بمعناها العام، التي عكستها تلك التعريفات، كما يذكر (سميع، 2009: 67)، تتمثل في تراث الأمة المنقول جيلا بعد جيل، أفكار الأمة ومفاهيمها ولغتها وعاداتها وتقاليدها، نظرية في السلوك أكثر من كونها نظرية في المعرفة، طريقة الحياة التي يعيشها الناس وفقا للفكر الذي يدينون به جوانب الحياة المادية والفكرية.
عناصر الثقافة التنظيمية :
تشتمل الثقافة على عناصر ثلاثة أساسية :
1. الأفكار والقيم والمبادئ التي تتبلور لدى الأفراد.
2. الخبرة التي يكتسبها الأفراد نتيجة تفاعلهم المستمر مع البيئة التي تحيط بهم، سواء أكانت بيئة داخلية أم خارجية.
3.القدرات والمهارات الفنية التي يكتسبها الفرد في حياته.
تعريف الثقافة التنظيمية :
لاقت الثقافة التنظيمية قدرا كبيرا من المعالجة النظرية والتطبيقية منذ أن أدخلها (Pettigrew) إلى نظرية التنظيم عام 1979م، وأصبح موضوع الثقافة التنظيمية واحدة من أهم المواضيع في علم التنظيم . (خطاب، وأخرون 2000: 55)
حيث ارتبط هذا المفهوم بمبادرات التغيير الناجحة وبرضا الموظفين وولائهم وبمجمل أداء المنظمة، وقد سعى الباحثون والممارسون كلاهما إلى تحديد هذا المفهوم المهم وتفسيره.
ولكن لسوء الحظ استمر مفهوم الثقافة التنظيمية مفهوما مراوغا، ففي حين يوجد اتفاق كبير على وجود هذه الظاهرة وعلى أهميتها، إلا أن تعريفها وتحديد مفهومها وأبعادها وتمييزها عن غيرها من المفاهيم، مثل المناخ التنظيمي، بات موضع مناظرات كثيرة (1 :2006 ,Vicki).
وسنفوم بتناول المفهوم العام للثقافة التنظيمية من خلال البعد التاريخي للمفهوم وإشكالية تعريفه، كما يلي :
(1) البعد التاريخي للمفهوم :
تستمد جذور مفهوم الثقافة التنظيمية من الكتابات المبكرة في إدارة الأعمال، خاصة دراسات هاورثون التي أجراها إلتون مايو بين عامي 1924، 1933، التي كونت ما بات يعرف بمدرسة العلاقات الإنسانية في الإدارة، التي لها الفضل في إدخال كل ما هو إنساني واجتماعي إلى دراسة العمل (64 :2005 ,Wright).
إلا أن الكتابة المنظمة عن مفهوم الثقافة التنظيمية لم تبرز بشكل واضح إلا عام 1979 مع (Pettigrew)، في مقالة بعنوان On Cultures Studying Organizational، التي شرح فيها بعض المفاهيم عن جوانب الحياة التنظيمية ذات الطابع التعبيري والثقافي، المستخدمة على نطاق واسع في علمي الاجتماع والأنثربولوجي، الذي يحمل معه الكثير من المعارف والمعتقدات، والقيم والفنون، والعادات والتقاليد والأعراف، التي توارثها من جيل إلى جيل (ديري، 2011: 321).
ولم يتوقع (Pettigrew) ولا مدرسة العلاقات الإنسانية في الإدارة أن يحدث هذا الانفجار المعرفي في الاهتمام بحقل الثقافة التنظيمية، الذي بدأ في أوائل الثمانينات واستمر حتى الآن، سواء على المستوى الأكاديمي أو التطبيقي.
ويمكن القول إن تلك الكتابات التي بدأت تظهر في أوائل الثمانييات، بشكل منظم حول موضوع الثقافة التنظيمية، تعد من أهم الكتابات حول الموضوع. كما أنها تعد الأساس الذي تم من خلاله بناء هيكل وملامح وأبعاد ظاهرة الثقافة التنظيمية.
وسنذكر بشكل موجز أهم المؤلفين وأعمالهم في مجال الثقافة التنظيمية :
بيتر و ووترمان Peter and Waterman:
يمثل كتابهما الصادر عام 1982م أهم محاولات نقل خطاب الثقافة التنظيمية من السياق إلى التطبيق العملي، ويعد كتابهما البحث عن التميز) (In Search Of Excellent) أكثر كتب الإدارة تأثيرا في زماننا هذا وأكثرها شعبية.
كما أثار الانتباه نحو كتب الإدارة والتنظيم، وقد اجرى المؤلفان دراسة على (43) شركة أداء في الولايات المتحدة، مثل: جنرال إلكتريك، وبروكتل اند قامبل، وثري إم، وغيرها، ومقارنتها بأداء المنظمات اليابانية، وتمثلت أطروحة الكتاب في سيطرة الثقافة وتماسكها( ,Martin (2000: 17-22
إدجارد سكين Edgarde Schien:
يعد ( Edgarde Schien ) من أبرز الباحثين في حقل دراسات الثقافة التنظيمية على مستوى العالم .
وقد أسهم سكين في كتابه الثقافة التنظيمية والقيادة عام 1985م بإيضاح المستويات الثلاثة الأساسية التي تتجلى فيها الثقافة، وهي (15 :2004 ,Schein):
- المستوى المادي، وهي الهياكل والبني والعمليات التنظيمية.
- مستوى القيم، وتتضمن الاستراتيجيات والأهداف والفلسفات.
- مستوى الافتراضات الأساسية، وهي أعمق ما يكون في الثقافة، وتكمن في المعتقدات المسلم بها دون وعي، والتصورات والأفكار والمشاعر.
كما يؤكد Schien على أن القادة هم من يبدع وينمي الثقافة التنظيمية، كما يرى أن ثقافة المنظمة من أهم الوظائف الحاسمة للقيادة.
وقد وجد مفهوم الثقافة التنظيمية، وبالأخص في العقدين الآخرين، قبولا عامة من قبل الباحثين والمجلات المتخصصة، وبخاصة في أمريكا وبريطانيا واليابان .
وقد صدرت مؤخرا دورية متخصصة بعنوانculture Communication and Conflict Journal of Organizational، وكذلك دورية Issues in Organizational Culture Journal of Psychological كما أفردت العديد من الدوريات أعدادا خاصة ناقشت فيها مفاهيم نظرية ثقافة المنظمة من حيث المفهوم ومن حيث أثرها على المفاهيم التنظيمية الأخرى.
تشارلز هاندي Charles Handy:
العالم الإداري الإيرلندي، مؤلف كتاب وکتاب "فهم المؤسسات"، يتحدث أن تجارب المنظمات الناجحة، والتي أصبحت في المراكز الأولى والقوية في مجالات أنشطتها كافة كانت تضمن أفضل برامج تدريبها كيفية التعلم والاستفادة من الفشل والانطلاق منه إلى تصحيح وتعديل الأوضاع إلى الأفضل " العطيات، 2006: 204)
ونوضح هنا أن موضوع الثقافة التنظيمية حيوي ومتجدد ويصعب تعميم نتائجه، التي تم التوصل إليها في بيئة ما، على المنظمات التي تعمل في بيئة مغايرة.
اختلافات التعريف :
تجمع الدراسات والأبحاث على أهمية الثقافة التنظيمية، لما لها من أثر واضح وجلي على مختلف العمليات التنظيمية وعلى سلوك العاملين، كما تجمع تلك الدراسات على أثر الثقافة التنظيمية على سلوك العاملين.
كما تجمع تلك الدراسات على أن الثقافة التنظيمية تعد من المحددات الرئيسية لنجاح المنظمات أو فشلها، إلا أنه، وبرغم ذلك الإجماع، لا يوجد حتى الآن - اتفاق على تعريف مقبول على نطاق واسع الثقافة التنظيمية (430-409 :2007 ,Sandra) .
ولبيان اختلاف وجهات النظر حول مفهوم الثقافة التنظيمية نورد هنا مجموعة من التعريفات:
1- : Schien
يعد تعريف سكين التعريف الأكثر ذكرة في أدبيات الثقافة التنظيمية، الذي أكد فيه أن الثقافة التنظيمية تكمن في أعمق مستوى من الافتراضات والعقائد التي يشترك فيها أعضاء المنظمة، التي تبتكرها وتطورها مجموعة معينة، وتعمل بصورة، لا واعية، وتحدد بصورة تبدو بديهية رؤية المنظمة لذاتها ولبيئتها.
وتمثل هذه الافتراضات والعقائد استجابة للمشكلات التي تواجهها الجماعة مع بيئتها الخارجية ومشاكل البيئة الداخلية، التي تعمل على نحو جيد وموثوق به بما يكفي لاعتبارها صحيحة، ومن ثم يتم تعليمها للأعضاء الجدد باعتبارها الطريقة الصحيحة للفهم والتفكير والإحساس بكل ما يتصل بهذه المشاكل" (17 :2004 ,Schien)
2- :Keyton, 2005
مجموعة أو مجموعات من التحديات المادية والقيم والافتراضات التي تنبثق نتيجة التفاعل التنظيمي بين أعضاء المنظمة"(45 :2005 ,Keyton)
3- الهيجان، 1992
تعبر الثقافة التنظيمية عن قيم الأفراد ذوي النفوذ في سلطة ما، هذه القيم تؤثر بدورها في الجوانب الملموسة في المنظمة وفي سلوك الأفراد، كما تحدد السلوك الذي ينتهجه هؤلاء الأفراد في قراراتهم وإداراتهم لمرؤوسيهم ومنظماتهم"(الهيجان، 1992: 287)
4- :William
مجموعة من المعايير والقيم والمعتقدات والفهم المشترك وقواعد السلوك التي يتشاركها الأفراد، سواء بصورة ملحوظة أو غير ملحوظة، وتؤثر إلى حد بعيد- على عملية صنع القرار ". (William, 2005: 139- 128)
5- :Ashkanasy, et al, 2000
دراسة طرق العمل في المنظمة داخلية " ( Ashkanasy , Et al , 2000 : 133 )
6- القريوتي، 2009:
منظومة المعاني والرموز والمعتقدات والطقوس والممارسات التي تتطور وتستقر مع مرور الزمن، وتصبح سمة خاصة للتنظيم، بحيث تخلق منهجا عاما بين أعضاء التنظيم حول خصائص التنظيم والسلوك المتوقع من الأعضاء فيه"(القربوتي، 2009: 373)
7- العميان، 2002:
هي مجموعة من القيم التي يجلبها أعضاء المنظمة، رؤساء ومرؤوسين، من البيئة الخارجية إلى البيئة الداخلية لتلك المنظمة )العميان، 2002: 311)
8- تشارلز هاندي:
يعرفها بأنها :
" مجموعة من المعتقدات الراسخة حول الكيفية التي يتم بها العمل والطريقة التي وفقها يتم ممارسة السلطة ومكافأة العاملين ومراقبة أدائهم، وما الدرجة الرسمية المطلوبة؟ وإلى أي حد يطلب التخطيط؟ وما مداه الزمني؟ هل ساعات العمل موضوع خلاف؟ هل الرقابة تتم بشكل فردي؟ هل توجد قواعد وإجراءات أم يكتفي بالنتائج؟ وما هي تركيبة المرؤوسين؟ وكيف ينظر إليهم من حيث الامتثال والطاعة وحقهم في الابتكار؟ "(وهيبة، 2012، 35)
ومن التعريفات السابقة يمكن القول إن الطبيعة التشاركية هي العنصر الوحيد الذي تشترك فيه أغلب تعريفات الثقافة التنظيمية، وعدا ذلك فإن أغلب تلك التعريفات تتضمن القيم والمعتقدات والافتراضات الأساسية ومعايير السلوك المشتركة التي تؤثر على الكيفية التي يتفاعل بها المشاركون في المنظمة عند أدائهم لمهامهم.
كما لاحظ الباحث من خلال اطلاعه على عدد من تعريفات الثقافة التنظيمية محاولة بعض الباحثين تصنيف التعريفات المختلفة للثقافة التنظيمية في مجموعات تعكس اتجاه أصحاب تلك التعريفات .
فعلى سبيل المثال حأول (52 :2002 ,Martin) تصنيف تعريفات الثقافة التنظيمية إلى تعريفات فكرية وأخرى مادية، حيث تجعل التعريفات الفكرية محور تركيزها على الجوانب الإدراكية للمعنى أو الفهم من قيم وافتراضات وفلسفات وخبرات الحياة التنظيمية، بينما تركز التعريفات المادية على القصص والدعابات والرموز وأسلوب اللغة الخاصة والترتيبات المادية.
وعلى الرغم من أهمية التصنيفات التي تناولت تعريفات الثقافة التنظيمية، كونها تسهل على القارئ فهم مصطلح الثقافة، فإن الانتقاد الأساسي الذي يمكن أن يوجه إليها هو أن معظم تلك التعريفات يمكن إدراجه تحت أكثر من صنف (إبراهيم، 2006: 55)
ويمكن القول- هنا :
- إن الثقافة التنظيمية قد حظيت بالعديد من التعريفات، التي قد يقترب عددها من عدد من بحثوا فيها، وبالنظر إلى تلك التعريفات يدرك القارئ أنها تدل على المضمون نفسه.
- ويمكن استنتاج الخصائص الرئيسية المتفق عليها التي تشير إلى جوانب المهمة لمفهوم الثقافة التنظيمية كما يلي الثقافة التنظيمية ذات طبيعة تشاركية، تتمثل بصورة أساسية في القيم والمعتقدات والافتراضات ومعايير السلوك التي يجمع عليها جميع أفراد المنظمة.
- الثقافة التنظيمية تتضمن الجانب المعنوي للثقافة الذي يعد المكون الرئيسي للثقافة، والمتمثل في القيم والمعتقدات والافتراضات ومعايير السلوك، والجانب المعنوي الذي يمكن من خلاله فهم بعض جوانب الثقافة التنظيمية، وكذا نقلها، والمتمثل في الرموز والطقوس والقصص والشعارات واللغة الخاصة، وغيرها من الأشكال الثقافية.
- الثقافة التنظيمية تتشكل في الغالب من خلال ثقافة القادة والمديرين، وذلك من حيث توجهاتهم نحو أساليب ونظم العمل وأنماط اتخاذ القرارات وحل المشكلات، ونظرتهم تجاه معايير الإنجاز والتفاعلية، كما أنها محكومة بالثقافة المجتمعية التي تحيط بها.
- الثقافة التنظيمية مكتسبة؛ إذ لا تنتقل من فرد إلى آخر داخل المنظمة بطريقة فطرية أو غريزية، وإنما تكتسب من خلال التعليم والتقليد والمحاكاة والتدريب.
- الثقافة التنظيمية متفردة، فلكل منظمة ثقافتها التي تميزها عن غيرها من المنظمات. الثقافة التنظيمية ثابتة نسبية وذات جذور عميقة، سواء في داخل الفرد أو الجماعة أو المنظمة، ويتطلب التغييرها استراتيجية طويلة المدى.
مما سبق، ومن خلال مراجعة التعريفات المختلفة للثقافة التنظيمية يمكننا ان نعرف الثقافة التنظيمية علي انها :
ذلك الإطار الذي يحكم ويوجه ويفسر سلوك الأفراد في المنظمة، وذلك من خلال مجموعة من القيم والمعتقدات والافتراضات الأساسية والمعايير والأعراف التنظيمية التي يشترك فيها أعضاء المنظمة التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على سلوكيات العاملين وعلى كيفية أدائهم لأعمالهم، وتنشأ متأثرة بالقيم والمعتقدات التي يحملها القادة والمؤسسون.
أثر الثقافة التنظيمية على المنظمة
تشير الدراسات العديدة إلى تأثير الثقافة المنظمة على جوانب وأبعاد عديدة من المنظمة، فهي قوة خفية ذات تأثير متعدد الجوانب؛ إذ تلعب أدوار عديدة في المنظمة، ومن أوضح الأدوار، علاقة ثقافة المنظمة بالهيكل التنظيمي، وفعالية المنظمة، والأداء، والإبداع، والالتزام، وغيرها. كما تشير الدراسات إلى أنه يمكن أن تكون للثقافة نتائج إيجابية ونتائج سلبية (حريم، 2004: 339)
والثقافة التنظيمية نمط من المعتقدات الأساسية والاتجاهات التي تؤثر بقوة على سلوك الأعضاء في المنظمة.
وتنتقل الثقافة التنظيمية إلى أعضاء جدد من خلال عمليات التطبيع، كما أنها تبقى وتنتقل من خلال شبكة من المعتقدات والسنن، والاتصالات وأنماط التفاعل، وتدعم عن طريق معايير الجماعة، ونظام المكافآت، والرقابة للمنظمة الحريري، 2011، 54)
والثقافة القوية أكثر تأثيرا على سلوك العاملين، وأكثر ارتباطا بشكل مباشر بدوران العمل، حيث تؤدي إلى انخفاض معدل دوران العمل. إذ إن الثقافة القوية تشير إلى اتفاق عال بين العاملين حول ما تمثله المنظمة، ففي الثقافة القوية يزداد التمسك وبشدة بالقيم الجوهرية للمنظمة، التي تكون مشتركة بشكل كبير بين الأعضاء، وكلما زاد قبول الأعضاء للقيم الجوهرية، وازداد تمسكهم بها، كلما كانت الثقافة أقوى.
وبذلك سيكون لها تأثير أكبر على سلوك أعضائها بسبب الدرجة العالية من المشاركة والشدة، ما يؤدي لخلق مناخ داخلي من السيطرة العالية على السلوك، ويؤدي هذا الإجماع حول الغرض إلى زيادة التماسك والولاء والالتزام الوظيفي، مما يؤدي إلى تقليل ميل العاملين لترك المنظمة (العطية، 2003: (329
ويذكر القريوتي أنه، بشكل أكثر تحديدا، يعبر كل من مفهوم الثقافة التنظيمية والمناخ التنظيمي عن مجموعة الخصائص البيئية الداخلية، التي تتمتع بدرجة من الثبات النسبي، يفهمها العاملون ويدركونها، مما ينعكس على قيمهم واتجاهاتهم وبالتالي سلوكهم .
ومصطلح المناخ التنظيمي أعم وأشمل من مصطلح المناخ الإداري الذي يعتبر جزءا أو بعدا في بحث السلوك التنظيمي، وذلك لتأثيره على الأفراد العاملين؛ إذ قد يؤدي إلى إثارة أو إحباط الدافعية لديهم، فالمناخ التنظيمي متغير وسيط بين المتطلبات الوظيفية على المناخ التنظيمي، سواء كانت متعلقة بنواح اجتماعية، إنسانية أو اقتصادية (القريوتي، 2000: 149)
وتعتمد المنظمات على الوسائل الرسمية لضبط سلوك العاملين، وذلك من خلال تقنين الإجراءات، والتعليمات، وتطوير النماذج، والاهتمام بالوسائل الرسمية في تقنين وضبط سلوك العاملين، إلا أن وجود قيم الثقافة التنظيمية التي تعزز وتؤكد ما تنص عليه التعليمات وتؤكده السياسات أمر في غاية الأهمية.
إذ تعطي الثقافة التنظيمية الدعم التعليمات ذات القيم الإيجابية، فيصبح تصرف الموظف، غير المتفق مع أهداف التنظيم، أمر غير منسجم مع القيم الثقافية السائدة، ويحرص على الالتزام بالعمل، ليس خوفا من التعليمات فقط، ولكن انسجاما مع القيم السائدة ذات الأثر الأكبر على تحديد سلوكه (أبو معيلق، 38 :2012 )
وتعد القوانين والأنظمة والتشريعات من المصادر الرئيسة التي تتحكم في تسيير الإدارة في المنظمات.
ويقصد بها البيئة التنظيمية التي يعمل فيها الفرد، بكل ما فيها من قوانين ولوائح وأنظمة وقيم وتقاليد ومثل تحدد سلوك العاملين فيها، وتوجه مسارهم ما يؤثر على قيم الفرد والتزامه وأسلوب عمله الذي تطبق فيه مبادئ الإدارة داخل التنظيم، وأنماط تقسيم العمل، ونظم الاستراحة والمكافأة، وأشكال الرقابة والعقاب.
واننا يجب أن ندرك أيضا أن هناك تفاعلا خصبة بين البيئة التنظيمية والبيئة الاجتماعية العامة، فاللوائح والقوانين المطبقة في المنظمة تستمد في العادة أو تتأثر على الأقل بالقوانين النافذة في البلاد، وأنماط القيم والسلوك السائدة في المنظمة، وهي عينة ممثلة لأنماط القيم والسلوك الشائعة في المجتمع (بني خالد، 2007: 3)
أهمية الثقافة التنظيمية :
تقوم الثقافة التنظيمية بدور هام في منظمات الأعمال، حيث تزود المنظمة والعاملين فيها بالإحساس بالهوية، وكلما كان من الممكن التعرف إلى الأفكار والقيم التي تسود في المنظمة كلما ارتبط العاملون قوية برسالة المنظمة (جرينبرج و بارون، 2004: 630)
إن الثقافة التنظيمية أحد عناصر هوية المنظمة، وتتمثل في طريقة التفكير وأسلوب أداء العمليات، وتحقيق الانتماء، وضمان البقاء في المنظمة (جواد، 2000: 360)
وتكمن أهمية الثقافة التنظيمية أيضا في أنها توفر إطارة ممتازة للتنظيم وتوجيه للسلوك التنظيمي، بمعنی أن الثقافة التنظيمية تؤثر على العاملين وتشكل أنماط سلوكهم، المطلوبة أن يسلكوها داخل التنظيم الذي يعملون فيه (المدهون، والجزراوي، 1995: 397-398)
ويمكن إيجاز أهمية الثقافة التنظيمية وأثرها على الأفراد والمنظمات كما يلي تعمل الثقافة على جعل سلوك الأفراد ضمن شروطها وخصائصها، كذلك فإن أي اعتداء على أحد بنود الثقافة أو العمل بعكسها سيواجه بالرفض.
وبناء على ذلك فإن للثقافة دورا كبيرا في مقاومة من يهدف إلى تغيير أوضاع الأفراد في المنظمات من وضع إلى آخر(عكاشة، 2008: 25)
تعمل الثقافة التنظيمية على توسيع آفاق ومدارك الأفراد العاملين حول الأحداث التي تحدث في المحيط الذي يعملون فيه، أي أن ثقافة المنظمة تشكل إطارا مرجعية يقوم الأفراد بتفسير الأحداث والأنشطة في ضوئه، وتساعد في التنبؤ بسلوك الأفراد والجماعات، فمن المعروف أن الفرد عندما يواجه موقفة معينة أو مشكلة معينة فإنه يتصرف وفقا لثقافته، أي أنه بدون معرفة الثقافة التي ينتمي إليها الفرد يصعب التنبؤ بسلوكه (العميان، 2005: 313-314)
تعد الثقافة عنصر جذرية يؤثر على قابلية المنظمة للتغيير وقدرتها على مواكبة التطورات الجارية من حولها، فكلما كانت المنظمة وقيمها مرنة ومتطلعة للأفضل كانت أقدر على التغيير وأحرص على الإفادة منه، ومن جهة أخرى كلما كانت القيم تميل إلى الثبات والحرص والتحفظ كلما قلت قدرة المنظمة واستعداداتها للتطوير (أبو هين، 2010: 40)
تحتاج ثقافة المنظمة كأي عنصر آخر في حياة المنظمات إلى جهود واعية تغذيها وتقويها وتحافظ على استقرارها النسبي ورسوخها في أذهان العاملين وضمائرهم واتباعهم في سلوكهم وعلاقاتهم (الرخمي، 2005: 58)
ويؤكد (ديسلر، 2004: 361) أن المؤسسات الناجحة هي التي تكون ثقافتها محققة مصلحة كل من القائد والمستفيد أيضا والمجتمع ككل، وأن المؤسسات الناجحة هي التي تركز قيمها وثقافتها على الإبداع والمشاركة، بالإضافة إلى ذلك هي التي تجعل قيمها قيم العاملين فيها نفسها، وتجعلهم يتبنون الثقافة دون إجبار منهم وإنما رغبة فيها.
ومما سبق يمكن إجمال أهمية الثقافة التنظيمية في منحها للمنظمة والعاملين فيها هوية مميزة تنظم العمل وتحافظ على ثبات مبادئها من التغيير، وتعمل على توجيه السلوك والعلاقات الداخلية بين العاملين، من أجل توجيهها في سبيل خدمة الهدف العام للمؤسسة.
وظائف الثقافة التنظيمية :
لقد حظي موضوع الثقافة التنظيمية في الأونة الأخيرة اهتمام كلا من منظري الإدارة الاستراتيجية، والسلوك التنظيمي، وإدارة الموارد البشرية؛ باعتبارها أحد العوامل الأساسية المحددة لنجاح وتفوق منظمات الأعمال، خاصة في الوقت الحالي الذي تتميز فيه بيئة الأعمال بتغيرات سريعة من شأنها التأثير على أداء المنظمات وتحقيق أهدافها.
فالمنظمات التي تمتلك ثقافة قوية تمكن أعضاءها من الالتزام والانضباط والإبداع والتحديث، والمشاركة في اتخاذ القرارات؛ ما يدفعهم إلى تحقيق أداء فردي. ( الحسيني، 2000: 58)
وتمثل ثقافة المنظمة المحرك الأساسي لنجاح أي منظمة، فهي تلعب دورا كبيرا في تماسك الأفراد والحفاظ على هوية الجماعة؛ ذلك لأنها أداة فاعلة في توجيه سلوك العاملين ومساعدتهم على أداء أعمالهم بصورة أفضل، اعتمادا على القوانين واللوائح غير الرسمية التي تعد مرشدة لكيفية التصرف في مختلف المواقف، فهي تؤدي وظائف مهمة.
حيث تتلخص وظائف الثقافة التنظيمية في وظائف عديدة أساسية مهمة، حددها بعض الكتاب على النحو التالي :
1- تعطي أفراد المنظمة هوية تنظيمية حيث إن مشاركة العاملين المعايير والقيم والمدركات نفسها يمنحهم الشعور بالتوحد؛ ما يساعد على تطوير الإحساس بغرض مشترك (أبو هين، 2010: 51)
2- تشجيع الالتزام برسالة المنظمة؛ ذلك أن تفكير الناس عادة ينحصر حول ما يؤثر عليهم شخصية، إلا إذا شعروا بالانتماء القوي للمنظمة بفعل الثقافة العامة المسيطرة، وعند ذلك يشعرون أن اهتمامات المنظمة التي ينتمون إليها أكبر من اهتماماتهم الشخصية، ويعني ذلك أن الثقافة تذكرهم بأن منظمتهم هي أهم شئ بالنسبة لهم (الشمري، 2013: 17)
3-تشكل السلوك من خلال مساعدة الأفراد على فهم ما يدور حولهم، فثقافة المنظمة توفر مصدرا للمعاني المشتركة التي تفسر لماذا تحدث الأشياء على نحو ما (حريم، 2010: 260 261)
4-تسهل الثقافة التنظيمية للعاملين بالمنظمة الالتزام الجماعي؛ حيث إن الهدف المشترك يشجع الالتزام القوي من جانب من يقبلون هذه الثقافة (العتيبي، 2012: 25)
5- الثقافة التنظيمية ترسم الحدود بين التنظيم وسواه، وتزيد الانتماء والولاء له، وتعزز الثبات والتماسك التنظيمي، فالثقافة التنظيمية وظيفة رقابية وتوجيهية للموقف والسلوك (الصيرفي، 2006: 261)
6-توفير الدعم والمساندة للقيم التنظيمية التي تؤمن بها الإدارة العليا، وتوفر أداة رقابية للإدارة، تستطيع، من خلالها، تشكيل السلوك التنظيمي بالشكل الذي تريده (القريوتي، 2000: 150)
وحدد دافت (2001.Daft) وظيفتين رئيسيتين للثقافة التنظيمية، هما :
- إحداث التكامل والنسق الداخلي
- التكيف الخارجي مع البيئة (عبد اللطيف، وجودة، 2010: 124)
ان أهمية وظائف الثقافة التنظيمية تكمن في أنها توفر إطارا مرجعية لتنظيم وتوجيه السلوك التنظيمي، بمعنى أن الثقافة التنظيمية تؤثر على سلوك جميع الأفراد في المنظمة، سواء كانوا مديرين أو أفرادا، وتصوغ علاقتهم وتفاعلاتهم وأساليب اتخاذ قراراتهم، وبالتالي فهي التي تبلور الجو العام في المنظمة، كما أنها هي التي تحدد هويتها .
مصادر الثقافة التنظيمية
يلاحظ أن المنظمات التي تعمل في مجتمع واحد غالبا ما يكون بينها قاسم مشترك في بعض العناصر الثقافية، كما أنها تتشابه في خصائصها الثقافية مع المنظمات التي تعمل معها في النشاط أو القطاع نفسه، ومع ذلك فهي تمتاز وتنفرد بمجموعة من الصفات الثقافية التي تميزها عن باقي المنظمات الأخرى.
ويمكن إرجاع ذلك إلى وجود ثلاثة مصادر أساسية تتشكل من خلالها الثقافة التنظيمية، كما يلي:
- الثقافة الوطنية :
تشير الثقافة الوطنية إلى مجموعة القيم والمعتقدات وأنماط السلوك السائدة في المجتمع، وتعد الثقافة الوطنية من أهم المصادر التي تؤثر على بناء وتشكيل ثقافة المنظمة، حيث إن الفرد الذي ينضم إلى المنظمة يأتي محم" ومشبعة بقيم ومعتقدات المجتمع الذي ينتمي إليه ( Rafieli & Worline , 2000 : 71-84 )
وبالرغم من أهمية الثقافة الوطنية، من حيث أثرها على قيم الثقافة التنظيمية، فإن مستوى ذلك الأثر ودرجته باتت موضع نقاش بين الباحثين.
حيث يرى البعض أن الثقافة الوطنية، بما تحويه من قيم ومعتقدات، تلعب دورا كبيرا في تشكيل ثقافة المنظمة.
حيث إن النظام الإداري لأي بلد هو نظام متكامل يصعب فصله عن الهوية الثقافية للأمة، كما أنها تعد المصدر الأكثر تأثيرا على سلوكيات العاملين، وذلك لما تتمتع به من الاستقرار والثبات، وتشدد تلك الدراسات على ضرورة فهم الثقافة الوطنية حتى يتسنى فهم الثقافة التنظيمية ( soeters & Sheruder , 1998 : 28 ) .
ويرى البعض الآخر أن كل منظمة تستطيع أن تكور وتشكل ثقافة تنظيمية بعيدة عن تأثير الثقافة الوطنية، وأن القادة والمؤسسين بإمكانهم أن ينشئوا ثقافة تنظيمية تفوق الثقافة الوطنية من حيث قوة تأثيرها على سلوك العاملين (48-41 : 2001 ,Schein)
بينما يرى فريق ثالث أن درجة ثأثير الثقافة الوطنية على ثقافة المنظمة تعتمد على مدى قوة وتماسك الثقافة الوطنية وعلى مدى تقديرها للقيم المرتبطة بالعمل .
ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن النجاح الذي حققته المنظمات اليابانية يعود بالدرجة الأولى إلى ثقافة المجتمع الياباني التي تقدر وتتبنى مجموعة من القيم المرتبطة بالعمل، وتتمثل تلك القيم في العمل بانسجام ووئام والاستغراق في العمل والرقابة الذاتية والمسئولية الذاتية والعمل الجماعي (231-207 :2003 ,Dipak)
- القادة والمؤسسون:
يلعب القادة والمؤسسون دورا محورية في توطيد أركان مجموعة من القيم والمعتقدات التي تقوم عليها الثقافة التنظيمية (103-81 :2006 ,Kavanagh) .
وغالبا ما يمتلك هؤلاء القادة شخصية ديناميكية وقيمة مسيطرة قوية، ورؤية واضحة لما ستكون عليه المنظمة في المستقبل وكيفية تحقيق تلك الرؤية، ونظرا لتواجدهم في المنظمة منذ البداية فإنهم يحرصون عند اختيار كبار العاملين على انتقاء المتوافقين معهم في القيم والمعتقدات وطريقة التفكير.
وبذلك تنتقل قيم ومعتقدات واتجاهات القادة وكبار العاملين إلى العاملين الجدد بالمنظمة، وينتج عن ذلك قبول وجهات نظرهم، وتتحقق لهم شرعية القبول الممنوحة من أفراد المنظمة (جرينبرج ، وبارون، 2004: 639)
ونظرا لأهمية القيادة في تشكيل ثقافة المنظمة والتأثير عليها فقد أكد (سكين) أن القيادة تلعب الدور الأول والأخير في تشكيل ثقافة التنظيم، فهي من يؤسس ويغير وأحيانا يقوض ثقافة التنظيم، وإن شخصية القادة، إن لم تكن هي الثقافة التنظيمية نفسها، فهي جزء لا يتجزأ منها (3 :2004 ,Schein)
- ثقافة الصناعة:
تتأثر الثقافة التنظيمية بثقافة الصناعة التي تعمل المنظمة تحت ظلها، حيث تتشابه المنظمات التي تعمل داخل النشاط نفسه أو الصناعة في بعض القيم الثقافية السائدة، ومع مرور الوقت يتكون نمط معين داخل الصناعة، يتكون من خلاله ثقافة مميزة تعرف بثقافة النشاط أو ثقافة الصناعة، ويكون لها تأثير مميز على العديد من الصفات الثقافية، مثل: تصميم المباني والمكاتب والزي الرسمي، وغيرها، إلا أن أهم الخصائص المرتبطة بثقافة الصناعة هي الأنماط الثقافية المرتبطة بخاصيتي التكنولوجيا والنمو ( Deepa , 2006 : 97 ) .
مما سبق يمكن القول إن الثقافة الوطنية تعد المصدر الرئيسي للثقافة التنظيمية، فالمنظمة تعيش في نظام مفتوح والثقافة الوطنية تحاصرها من كل جانب، ولا يمكن أن تشكل ثقافة المنظمة بمعزل عنها .
كما ذهب البعض، أن القادة والمؤسسين يساهموا في إرساء معظم القيم الثقافية في المنظمة، إلا أن المساهمة الحقيقية لهم تكمن في نجاحهم في تغيير القيم والمعتقدات السلبية لدى العاملين، التي يعود مصدرها إلى الثقافة الوطنية، أما ثقافة الصناعة فإن تأثيرها على قيم ومعتقدات الثقافة التنظيمية محدود، وأكثر ما يتضح تأثيرها في بعض الأشكال الثقافية، مثل: الممارسات الرسمية، والرموز، والاحتفالات.
خصائص الثقافة التنظيمية :
المنظمات مثل الناس، متشابهة ومختلفة في الوقت نفسه، وكل منها متميزة عن الأخرى .
وتقوم كل منظمة بتطوير ثقافتها الخاصة بها من خلال تاريخها وفلسفتها وأنماط اتصالاتها ونظم العمل وإجراءاتها وعملياتها في القيادة واتخاذ القرارات، وقصصها وحكاياتها، وقيمها واعتقادها.
وحيث إن المنظمة تتأثر بالثقافة السائدة في المجتمع، فإن ذلك يجعل المنظمات المختلفة التي تعمل في البيئة الاجتماعية نفسها تتشابه أيضا في بعض جوانب وأبعاد ثقافتها.
ولو أخذنا منظمتين تعملان في البيئة الاجتماعية نفسها نجد أن ثقافتهما ليستا مختلفتين أو متطابقتين تماما، ومع مرور الزمن يصبح لكل منظمة ثقافتها التي يدركها العاملون فيها والجمهور الخارجي(حريم، 2003: 29)
ومن ناحية أخرى لا توجد في أي مجتمع ثقافة واحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لثقافة المنظمة، إذ نجد أن هناك ثقافة سائدة مهيمنة وهي مجموعة قيم رئيسية يشترك فيها غالبية أعضاء المنظمة .
وهناك ثقافات فرعية لوحدات أو مجموعات وظيفية. وقد يعتقد البعض أن الثقافات الفرعية في المنظمة يمكن أن تضعف المنظمة إذا كانت تتعارض مع الثقافة المهيمنة والأهداف العامة للمنظمة، ولكن الواقع عکس ذلك، فالكثير من الثقافات الفرعية يتكون لمساعدة مجموعة معينة من العاملين على مواجهة مشكلات يومية محددة تواجه المجموعة ( العميان، 2008: 36)
إلا أن اختلاف الثقافات الفرعية عن الرئيسية يؤثر سلبا على التنظيم، بحيث يتعذر ضبط أي سلوك، ما يفقد التنظيم هويته، وقد يؤدي هذا الاختلاف إلى ظهور "الشللية وتعدد الولاءات وتقديم المصالح الخاصة على العامة (القريوتي، 2008: 36).
وبالرغم من التباين الكامل بين الثقافات، يمكن القول إن هناك مجموعة من الخصائص الثقافية المشتركة بينها .
وفيما يلي عرض موجز لأهم خصائص الثقافة التنظيمية، كما حددها روبينز 1990 المشار إليه في (عباس، 2005: 17) في النقاط التالية:
1- المبادرة الفردية : ما يتمتع به الموظفون من حرية ومسؤولية ذاتية عن العمل، وحرية تصرف.
2- قبول المخاطرة : أن يكونوا مبدعين، ولديهم روح المبادرة.
3- التكامل: تشجيع الوحدات المختلفة في التنظيم على العمل بشكل منسق.
4- دعم الإدارة : المتمثل بتوفير الاتصالات الواضحة والمساعدة والمؤازرة للعاملين.
5- الرقابة : المتمثلة بالإجراءات والتعليمات وإحكام الإشراف الدقيق على العاملين أو الرقابة الذاتية.
6-الهوية : مدى الولاء للمنظمة بدل الولاءات التنظيمية الفرعية.
7-نظم العوائد : طبيعة أنظمة الحوافز، والمكافآت، فيما إذا كانت تقوم على أساس الأداء، أو على معايير الأقدمية والواسطة والمحسوبية.
8-التسامح مع النزاع : درجة تحمل الاختلاف، والسماح بسماع وجهات النظر المختلفة.
9-أنماط الاتصال : وفيما إذا كانت قاصرة على القنوات الرسمية التي يحددها نمط التسلسل الرئاسي، أو تأخذ نمطة شبكية يسمح بتبادل المعلومات في الاتجاهات كلها.
كما أن هناك مجموعة خصائص ترتبط بثقافة المنظمة، وهذه الخصائص ليست شاملة ولكنها تساعد على توضيح طبيعة ثقافة المنظمة .
وهي كما يراها ( طه، 2006: 22 23) انتظام أو اتساق سلوكيات ظاهرة ممثلة في اللغة والمفردات والطقوس.
معايير تنعكس في أشياء، مثل حجم العمل الواجب إنجازه، ودرجة التعاون بين الإدارة والعاملين.
قيم متحكمة تتبناها المنظمة وتتوقع من الأعضاء أن يشاركوها في ذلك، مثل: تحقق جودة عالية، والغياب القليل، والكفاءة العالية. فلسفة تتمثل في الاعتقادات بشأن كيفية التعامل مع العاملين والعملاء.
قواعد تملي ما هي سلوكيات العامل المقبولة وغير المقبولة.
المناخ التنظيمي، هو الجو العام للمنظمة الذي ينعكس في طريقة تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، وكيف يتصرف العاملون مع العملاء.
انواع الثقافة التنظيمية :
أشار علماء الإدارة إلى أنه توجد أنواع متعددة من الثقافات التنظيمية، فهي تختلف من قطاع إلى آخر ومن منظمة إلى أخرى. ولعل من أبرز هذه الأنواع تلك التي قدمها العالم تشارلز هاندي.
حيث قسمها إلى أربعة أنواع وهي (عبد اللطيف، وآخرون، 2010: 7)
1- ثقافة القوة تتركز القوة في أشخاص محددين هم الذين يتخذون القرارات ويعملون على إيجاد مواقف يجب على الآخرين تنفيذها.
2- ثقافة النظم والأدوار يتردد غالبا بأنها البيروقراطية في شكلها الحقيقي، ويحتل التفاعل مكانه بين التخصصات الوظيفية من خلال الوصف الوظيفي والإجراءات والقواعد والنظم، يعد الوصف الوظيفي أكثر أهمية من المهارات والقدرات للمنتمين لهذه الثقافة، كما أن الأداء الذي يتعدى إدراك الدور ليس مقبولا ولا يتم التشجيع عليه، وهذه الثقافة تتلاءم مع المنظمات التي تتسم بالاستقرار وليس بالتغيير الدائم .
3- ثقافة الإنجاز تعد هذه الثقافة من الخصائص التي تتسم بها المنظمات التي تكون مهتمة جدا بنشاطات البحوث والتطوير، إذ تكون هذه المنظمات أكثر ديناميكية، كما أنها تكون معرضة باستمرار للتغيير، وتضطر إلى إيجاد فرق وظيفية مؤقتة لمواجهة احتياجاتها المستقبلية.
4- ثقافة التعاطف الإنساني يركز هذا النوع من الثقافات على التعاطف والعلاقات والخدمة، وتتميز بأن الناس يتعاطفون مع بعضهم في العمل، ويعطي الناس وقتهم للآخرين؛ فهم يهتمون بغيرهم، ويشعر الناس أن المنظمة تعاملهم على أنهم كائنات حية، يقدر الناس بعضهم البعض ويقدرون إنجازات الآخرين، ويشعر الناس بالانتماء، ويشعرون بالحب والتعاطف مع من يعملون معهم، ويحبون قضاء الوقت مع بعضهم البعض حتى خارج العمل (الهواري، 2002: 297)
وقسم Ellen Wallach عام 1983 أنواع الثقافة إلى:
أولا: الثقافة البيروقراطية Bureaucratic Culture:
في هذه الثقافة تتحدد السلطات والمسؤوليات، فالعمل موزع ومنظم وهناك تناسق بين الوحدات المختلفة ويأخذ تسلسل السلطة وانتقال المعلومات شكلا هرمية، وتعتمد هذه الثقافة على الرقابة والقوة، وهذا النوع من الثقافة يناسب الشركات التي توجد في بيئة مستقرة وتستطيع أن تحقق الربح (عكاشة، 2008: 21)
ثانيا: الثقافة الإبداعية
هذا النوع من الثقافة ديناميكي ويعمل على استقطاب الناس الإداريين والطموحين، في هذه البيئة التي تسودها الثقافة الإبداعية، ويشجع الموظفين على المخاطر والتحدي، ويتسم أفرادها بحب المخاطرة في اتخاذ القرارات، ومواجهة التحديات. وتتميز هذه الثقافة بالتعاون والصراحة والاحترام المتبادل بين العاملين (Hodgetts& Krock, 2000:450)
ثالثا: ثقافات التعاطف الإنساني
يركز هذا النوع من الثقافات على العلاقات الاجتماعية الطيبة، وأجواء العمل الودية، ويسود المنظمة جو من التعاون، والعلاقات الاجتماعية، والتشجيع، والعدل والإنصاف والأمان، والثقة المتبادلة. ( عكاشة، 2008: 22)
رابعا: ثقافة العمليات Operational Culture:
وفيها يتم التركيز على طريقة العمل وليس على النتائج التي يتم تحقيقها، فيسود الحذر بين أعضاء التنظيم ويعمل الكل على حماية أنفسهم، وبالتالي تقل الرغبة في تحمل المخاطرة، والفرد الناجح هو الذي يكون أكثر تنظيمة ودقة في وقته الذي يولي اهتماما أكبر للتفاصيل في أداء عمله (العاجز، 2011: 22)
خامسا: ثقافة المساندة :Supported
وتتميز بالصداقة والمساعدة فيما بين العاملين فيسود جو الأسرة المتعاونة، وتعمل المنظمة على خلق جو من الثقة والمساواة والتعاون، ويكون التركيز على الجانب الإنساني في هذه البيئة (العاجز، 2011: 21)
ومن خلال العرض السابق لأنواع الثقافة التنظيمية فإنه يجب على المؤسسات اتباعها وجعلها من الثقافات التي تتميز بها حتى تصل إلى مستوى المؤسسات المتميزة والمتطورة.
تكوين الثقافة التنظيمية :
يوجد في المنظمات عدد كبير من العاملين يتقاسمو الاتجاهات والقيم والتطلعات نفسها، وهناك عدد من العوامل تساهم في تحقيق هذا الوضع، وبالتالي تشترك مع بعضها في تكوين الثقافة التنظيمية.
ويضيف (ديري، 2011: 311) كل الإدارات في مختلف أنواع المنظمات، وفي مختلف المجتمعات تسعى من أجل أن يكون مناخ العمل فيها إيجابية ومساعدة على تحقيق أهداف المنظمة، بأقل الجهود والتكاليف والمال والوقت، وهذا لا يتم من فراغ، بل لا بد لهذه الإدارات أن تكون مناخة تنظيمية جيدة من خلال تعديل وتطوير الهياكل التنظيمية، بحيث يمكن معها تحقيق أهداف المنظمة والعاملين في آن واحد.
وفي الوقت نفسه يمكن لهذه الإدارة أن تكون جوا يجعل لكل الوظائف التي يقوم بها العاملون، مهما صغرت هذه الوظيفة أو كبرت، معنی و تأثيرا في عملية تحقيق الأهداف، وكذلك على هذه الإدارة أن تعدل من سياستها المتعلقة باتخاذ القرارات بما يتلاءم مع مختلف الظروف البيئية الداخلية والخارجية.
ويتحدث (603 :1998 ,Robbina) بأن تكوين الثقافة التنظيمية قد يبدأ بإحدى الطرق التالية:
- تبدأ الثقافة التنظيمية أول ما تبدأ من المؤسسين، حيث إنه يكون لهم هدف محدد أو رؤية معينة يسعون التحقيقها وما يجب أن تكون عليه المنظمة.
- عادات وتقاليد موجودة في المنظمة الحالية ومدى نجاح تلك العادات في تحقيق هدف المنظمة المنشود، فإذا كانت ناجحة وفاعلة يتم الحفاظ عليها وتطويرها بين العاملين.
ومن العوامل التي تساهم في تشكيل الثقافة التنظيمية:
- منشئ الشركة Company Founder:
قد تعزى ثقافة المنظمة، ولو جزئية، إلى الأشخاص الذين أنشؤوا الشركة، وغالبا ما يظهر بين هؤلاء الناس شخصية ديناميكية، وقيم مسيطرة قوية، ورؤية واضحة لما ستكون عليه الشركة في المستقبل، وكيفية الوصول إلى ذلك (جرينبرج، وبارون، 2004: 637).
- التأثر بالبيئة الخارجية Experience with the Environment :
تنمو ثقافة المنظمة متأثرة بخبرة المنظمة مع البيئة الخارجية، فعلى كل منظمة أن تجد لها مكانة مناسبة في الصناعة التي تعمل بها أو السوق الذي تتعامل فيه، وتعمل المنظمة على تحقيق ذلك في أيامها الأولى، ومن هنا فإن بعض القيم والممارسات قد يكون لها تأثير جيد على المنظمة بالمقارنة مع القيم والممارسات الأخرى (جرينبرج، وبارون، 638 :2004 )
- الاتصال بالعاملين الآخرين Contact with Other:
تتأثر الثقافة التنظيمية باتصال مجموعات العاملين في بعضهما البعض، وإلى حد كبير، فإن الثقافة تقوم على الفهم المشترك للظروف والأحداث التي يواجهها العاملون بالمنظمة، وباختصار فإن الثقافة التنظيمية تقوم على أن العاملين يعطون معنى مماثلا للأحداث والأنشطة التي توجد بالشركة (جرينبرج، وبارون، 2004: 638)
ويرى العطية، 2003، 333) أن خلق الثقافات يتم بثلاث طرق يستخدم المؤسسون العاملين الذين يفكرون ويشعرون بطريقتهم نفسها ويعملون على الاحتفاظ بهم في المنظمة، وينشئون هؤلاء العاملين على التفكير والشعور بطريقتهم نفسها.
لأن السلوك الشخصي للمؤسسين يكون نموذجا للدور الذي يشجع العاملين على التوحد معهم، وبذلك يدخلون معتقداتهم وقيمهم وافتراضاتهم في المنظمة، وحينما تنجح المنظمة تصبح رؤية المؤسسين المحدد الأساسي الذي أدى لتحقيق ذلك النجاح، وبذلك تتموضع الشخصية الكلية للمؤسس في الثقافة التنظيمية.
وهناك أربعة أساليب يمكن للإدارة التدخل والتأثير من خلالها في تكوين وتطوير المنظمة وإدامتها ونقلها، وقد لخصها الكاتبان Shichman & Gross المشار إليهما في (حریم، 2004: 335) في كلمة (Home) .
ويمكن توضيحهما على النحو التالي:
- بناء إحساس بالتاريخ (History) وذلك بسرد تفاصيل عن التاريخ وحكايات الأطفال.
- إيجاد شعور بالتوحد (Oneness) من خلال القيادة، ودمج الأدوار وإيصال المعايير والقيم.
- تطوير الإحساس بالعضوية والانتماء (Membership) وذلك عن طريق نظم العوائد، والتخطيط الوظيفي والاستقرار الوظيفي، والاختبار، والتعيين، وتطبيع الموظفين الجدد، والتدريب، والتطوير.
- زيادة التبادل بين الأعضاء (Exchange) وذلك من خلال عقد ورش العمل والمشاركة في اتخاذ القرارات والتنسيق بين الجماعات. وإذا ما أخذنا الحرف الأول من كل وسيلة (باللغة الإنجليزية ) تكونت كلمة (Home)، على اعتبار أن الثقافة القوية للمنظمة تشبه العائلة التي تعمل بصورة (Home ) المنظمة، العمر التنظيمي، التقنية التنظيمية، التنشئة الاجتماعية، التغيير التنظيمي، والبيئة الخارجية.
تعليقات