بحث عن الازمة |
ما هي الأزمة ؟
مقدمة عن الازمة :
في عصرنا الحاضر باتت حاجتنا لدراسة الأزمات وطرق التعامل معها على أسس إدارية صحيحة اكبر حيث أضحت مفردة الأزمة الازمة أساسية في كل مناحي الحياة فلا تخلو نشرة أخبار ولا مقالة في صحيفة ولا ندوة ولا أحاديث العامة من تلك الكلمة خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية التي هزت العالم بأسره.
كما أن الأزمات وسبل إدارتها تكتسب أهميتها من الآثار الفادحة التي تترتب عليها، لذا كان لابد لنا من الوقوف على هذا المفهوم والتعرف إلى معانيه ودلالته؛ لننطلق من خلال ذلك إلى دراسة أعمق وأدق لمفهوم الأزمة والتعرف إلى خصائصها ومراحل تطورها وتصنيفاتها.
فأي أزمة من الأزمات تنطوي على بذور النجاح وجذور الفشل في آن واحد، وليست إدارة الأزمات إلا السعي نحو الوقوف على غرس وحصاد النجاح الممكن وتتبلور الإدارة الناجحة للمواقف المتأزمة في الإقرار بوجود مثل هذا الموقف واتخاذ الإجراءات المناسبة لمداواة الموقف الحالي. (رونالد، 2004 ،51 )
إن إدارة الأزمات هي إدارة الحاضر والمستقبل، وهي أداة علمية رشيدة، تبنى على العلم والمعرفة وتعمل على حماية ووقاية الكيان الإداري والارتقاء بأدائه، والمحافظة على سلامة تشغيل القوى المكونة لهذا الكيان، ومعالجة أي قصور أو خلل يصيب أحد قطاعات هذا الكيان، أو معالجة أي سبب قد يكون من شأنه إحداث بوادر أزمة مستقبلية. (الخضيري، 93:1990 )
مفهوم الأزمة :
إن التعرف الجيد على مفهوم الأزمة يساعد في فهمها والفهم الجيد للأزمة يرسم صورة واضحة عنها، مما يمكن من الغور في أعماقها وتحليلها، ومن ثم أيجاد الحلول المناسبة لها. ولقد تشابك مفهوم الأزمة مع مفاهيم أخري ذات صلة بها مثل مفهوم الكارثة والمشكلة، مما استوجب تحديد الفوارق بين هذه المفاهيم المتشابكة.
تعريف الأزمة :
عرف الرازي صاحب مختار الصحاح الأزمة لغوية بأنها " الشدة والقحط أو المأزم، المضيق وكل طريق ضيق بين جبلين مأزم ، و موضع حرب مأزم " . ( الرازي، 1967 : 15)
كما ذكر عبد الوهاب أن مفهوم الأزمة نشأ في بدايته في نطاق العلوم الطبية، حيث يرجع إلى المصطلح اليوناني " كرينو" ويعني نقطة تحول "Turning point" وهي لحظة مرضية محددة للمريض يتحول فيها إلى الأسوأ أو الأحسن خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا. (عبد الوهاب، 2003 : 19 )
كما ذكر (Steven R. Van Hook ) أن كلمة الأزمة جاءت من الكلمة اليونانية ( krisis ) التي تعني ( قرار ) وهي اللحظة التي مررنا بها جميعا حيث كان من المفروض علينا ونحن واقعين تحت الضغط أن نقرر مجموعة من الإجراءات، أن نسير باتجاه اليمين أو باتجاه اليسار الفرار أو القتال. (VanHook، نسخة إلكترونية، ۲۰۱۰)
أما في اللغة الصينية فتستخدم الأزمة في كلمتين هما ( Wet _ Ji ) تعبر الأولي ( Wet ) عن الخطر والثانية ( Ji ) عن الفرصة التي يمكن استثمارها، من خلال تحويل الأزمة وما تنطوي عليه من مخاطر إلى فرص لإعادة الظروف لوضعها الطبيعي، وإيجاد الحلول البناءة. (الطيب، 1995 : 55 )
أما عن مفهوم الأزمة الاصطلاحي :
فلقد ذكر الضويحي أن مفهوم الأزمة يعد واحدا من المفاهيم التي يصعب تحديدها، وتكمن الصعوبة في تحديد مفهوم الأزمة في شمولية طبيعتها واتساع نطاق استعمالها لتشمل مختلف صور العلاقات الإنسانية السلبية عادة في كافة مجالات التعامل وعلى قدر مستوياته، وعادة ما ترتبط الأزمة بالإحساس بالخطر والتوتر وأهمية عنصر الوقت اللازم لاتخاذ قرارات وإجراءات المواجهة. ( الضويحي، 2004 : ۲۹)
ومن التعريفات الهامة التي ذكرت لبيان مفهوم الأزمة تعريف الشعلان للأزمة بأنها حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قرارا ينتج عنه مواقف جديدة سلبية كانت أو ايجابية تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة. ( الشعلان، 2002 : ۲6)
أما فنك ( Fink ) فعرف الأزمة بأنه " نقطة تحول في حياة المنظمة نحو الأسوأ أو الأفضل، فهي حالة من عدم الاستقرار يحدث فيها تغيير حاسم في سير العمل في المنظمة، قد يؤدي إلى نتائج مرغوب فيها، أو نتائج غير مرغوب فيها. ( Fink ، 1986 : ۱۰)
كما ذكر محمد أن أحد التعريفات الهامة للأزمة تعريف J.D.Ford بأنها عبارة عن موقف يتصف بصفتين أساسيتين هما: ( محمد، 2004 : ۱۰)
أ - التهديد الخطير للمصالح والأهداف الجوهرية التي يسعى المدير إلى تحقيقها ويشمل هذا التهديد حجم وقيمة الخسارة المحتملة، و كلما زاد حجم الخسارة واحتمال تحقيقها كلما زاد التهديد.
ب ضغط الوقت، بمعنى أن الوقت المتاح أمام المدير للقيام بالبحث واتخاذ القرار قبل وقوع الخسائر المحتملة أو تصاعدها وقت ضئيل جدا.
أما البزاز فخلص للقول بأن الأزمة عموما تعني الوقت غير المستقر أو الخطير المتعلق بشؤون الفرد أو الجماعة أو المجتمعات، ويكون لنتائجها وإفرازاتها تأثيرات حاسمة على تلك الأطراف سواء كان ذلك باتجاه الأسوأ أو الأحسن. ( البزاز، 2001: 13)
كما عرف هلال الأزمة بأنها نتيجة نهائية لتراكم مجموعة من التأثيرات أو حدوث خلل مفاجئ يؤثر على المقومات الرئيسية للنظام وتشكل تهديد صريح وواضح لبقاء المنظمة أو النظام نفسه. ( هلال، 1996: 9)
أما السيد فخلص إلى تعريف الأزمة بأنها " موقف خارج عن السيطرة وتحول فجائي عن السلوك المعتاد يؤدي إلى خلل وتهديد للمصالح، يؤثر على النظام العام للمجتمع، وأن مواجهة هذا الموقف يتطلب اتخاذ قرار محدد وسريع في ظل محدودية المعلومات والمفاجأة وضيق الوقت المقترن بالتهديد ". ( السيد، 2000 : ۲۷)
ومن خلال هذه التعريفات السابقة يمكننا القول بأن الأزمة هي حالة تهديد مفاجئة تتعرض لها المنظمة، تهدد وجودها والوقت المتاح للتعامل مع هذه الحالة ضيق جدا، ورغم التهديد الذي تحمله الأزمة، فإنها إذا أديرت بالشكل المناسب يمكن أن تتحول إلي فرصة للاتجاه بالمنظمة للأحسن.
التفريق بين الأزمة والمفاهيم ذات الصلة
يتشابك مفهوم الأزمة مع مفاهيم أخري مثل الكارثة، الصدمة، المشكلة، الحادث وكثيرا ما يلتبس الأمر بين هذه المفاهيم ومفهوم الأزمة بسبب وجود خصائص مشتركة بينهم تؤدي لهذا الخلط، لذلك في هذا المقام سيعمل الباحث على توضيح هذه المفاهيم و إبراز الفوارق فيما بينها وبين الأزمة:
أ - الكارثة Disaster
هي أكثر المفاهيم التصاقا بالأزمة ولقد عرفت ( محمد، 2004: ۸) الكارثة بأنها :
- حالة مدمرة حدثت فعلا بفعل الطبيعة.
- وهي في العادة غير مسبقة بالإنذار.
- ينجم عنها غالبا أضرار جسيمة سواء كانت هذه الأضرار مادية أو معنية أو بشرية .
ولتوضيح الفوارق بين الكارثة والأزمة ذكر مكاوي النقاط التالية: ( مكاوي، 2005: 55)
- تنطوي الكارثة علي مسار واسع وضحايا أبرياء لا يشترط وجودها في الأزمة.
- تسترعي الكارثة اهتمام الرأي العام والحكومة، بما يثير التعاطف مع الضحايا وتقديم المساعدات المادية والفنية للمنظمة، على خلاف الأزمة التي تجعل المنظمة المتعرضة لها مثار انتقادات شعبية ورسمية.
- اهتمام وسائل الإعلام بالكارثة يكون إيجابيا على عكس الأزمة التي يكون اهتمام وسائل الإعلام بها سلبية، والأمر الذي يجعل المنظمة المسئولة عن الأزمة في موضع المسائلة المستمرة والانتقادات الشديدة.
- تقع الكارثة بشكل مفاجئ ويستحيل التنبؤ بها لاتخاذ التدابير لتجنبها، بينما تأتي الأزمة نتيجة تراكمات من الأخطاء والمشكلات حتى تصل إلى درجة الانفجار.
- الهدف الأساسي عند التخطيط للتعامل مع الكارثة هو تحقيق درجة استجابة سريعة وفعالة الظروف الكارثة للحد من أخطارها ومحاولة احتوائها، أما الهدف الأساسي من التخطيط للتعامل مع الأزمة هو حماية سمعة المنظمة من الانهيار و التشويه وفقدان المصداقية، ويتطلب تحقيق هذا الهدف حشد كافة طاقات وموارد المنظمة.
ب- الصدمة Shock
هي أحدي المفاهيم التي تتداخل مع مفهوم الأزمة، وفي محاولتها للتفريق بين الأزمة والصدمة ذكرت محمد أن الصدمة هي حدث ينتج عنه شعور فجائي غير متوقع الحدوث، وهذا الشعور يجمع بين الغضب والذهول والخوف فمن هنا قد تكون الصدمة هي إحدى عوارض الأزمة أو إحدى نتائجها التي تولدت عند انفجارها في شكل فجائي سريع و دون سابق إنذار.
كما قد تكون الصدمة أحد أسباب الأزمات سواء على مستوى الدول أو المشروعات أو الأفراد ويكون التعامل مع الصدمة بأسلوب الامتصاص أو الاستيعاب . ( محمد، 2004: ۹)
ت المشكلة Problem
تعبر المشكلة عن " الباعث " الرئيسي الذي يسبب حالة ما من الحالات غير المرغوب فيها، ومن ثم فالمشكلة قد تكون هي سبب الأزمة التي تمت، ولكنها بالطبع لن تكون الأزمة في حد ذاتها، فالأزمة عادة ما تكون أحد الظواهر المتفجرة عن المشكلة، والتي تأخذ موقفا حادا شديد الصعوبة و التعقيد، غير معروف أو محسوب النتائج ويحتاج التعامل معه إلي قمة السرعة والدقة.
في حين أن المشكلة عادة ما تحتاج إلى جهد منظم للوصول إليها والتعامل معها، فكل أزمة في حد ذاتها مشكلة تواجه متخذ القرار في الكيان الإداري، ولكن بالطبع ليست كل مشكلة أزمة.
ويطلق مصطلح الأزمات على المشكلات الحادة التي يشعر الفرد تجاهها بالانفعال الشديد والضغط الشديد، وأنها باستمرارها تشكل تهديدا لحياته، ولأمنه ولاستقراره، ولأهدافه الأساسية في الحياة. ( الخضيري، 1993: ۱۲)
خصائص الأزمة :
لقد حددت عودة الخصائص الأساسية للأزمات بما يلي: ( عودة، 2008: 14)
أ. المفاجأة العنيفة :
عند انفجارها و استحواذها على اهتمام جميع الأفراد والمؤسسات المتصلة بها أو المحيطين بها (بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ) ( سورة الأنبياء : 40 )
ب. التعقيد والتشابك والتداخل والتعدد:
في عناصرها وعواملها وأسبابها وقوي المصالح المؤيدة والمعارضة لها.
ت . نقص المعلومات:
وعدم وضوح الرؤيا لدى متخذ القرار، ووجود ما يشبه الضباب الكثيف الذي يحول دون رؤية أي الاتجاهات يسلك، وماذا يخفيه له هذا الاتجاه من أخطار مجهولة، سواء في حجمها أو في درجة تحمل الكيان الإداري لها ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ( سورة الحجرات :6 )
ث. سيادة حالة من الخوف :
قد تصل إلى حد الرعب من المجاهيل التي يضمها إطار الأزمة ( ولنبلونكم بشيء من الخوف ) ( سورة البقرة:155)
ج . ضيق الوقت:
فالحدث المفاجئ لا يتيح وقتا كافيا للرد عليه والاستجابة له، وإن الرد عليه يجب أن يكون سريعة للغاية، لما يمثله من تهديد للمصالح القومية، كما أن الاستعداد لا يكون كافيا للمواجهة ( مهنا، 2004 ،247)
ح . التهديد:
وهي الإجراءات والأفعال التي تصدر من فرد أو مجموعة أفراد أو تقدم معين سواء بالإشارة أو القول أو الفعل من أجل الاستجابة لمطالب أو شروط محددة يسعى الطرف الأول لتحقيقها من قبل الطرف الثاني مع التلويح باستخدام القوة عند عدم الاستجابة لهذه المطالب، ومن هنا تبدأ الأزمة.
مراحل الأزمة :
يري الخضيري أن الأزمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية تمر بدورة حياة، مثلها في هذا مثل أي كائن حي، وهذه الدورة تمثل أهمية قصوى في متابعتها والإحاطة بها من جانب متخذ القرار الإداري، فكلما كان متخذ القرار سريع التنبه في الإحاطة ببداية ظهور الأزمة، أو بتكون عواملها كلما كان أقدر على علاجها والتعامل معها.
ويقسم الخضيري مراحل تطور الأزمة إلى خمس مراحل رئيسية هي: ( الخضيري، 1993 : ۷۲)
١ - مرحلة الميلاد
وفي هذه المرحلة تبدأ الأزمة الوليدة في الظهور لأول مرة في شكل (إحساس) مبهم قلق بوجود شيء ما يلوح في الأفق، وينذر بخطر غریب غير محدد المعالم أو الاتجاه أو الحجم أو المدى الذي سيصل إليه.
ويرجع هذا إلى اتساع نطاق المجهول في الأزمة، وغياب كثير من المعلومات حول أسبابها أو المجالات التي ستخضع لها وتتطور إليها أو ستنفجر عندها، وحجم هذا الانفجار.
ومن هنا يكون إدراك متخذ القرار وخبرته ومدى نفاذ بصيرته، هي العوامل الأساسية في التعامل مع الأزمة في مرحلة الميلاد، ويكون محور هذا التعامل هو " تنفيس الأزمة " وإفقادها مرتكزات النمو، ومن ثم تجميدها أو القضاء عليها في هذه المرحلة دون أن تحقق أي خسارة أو دون أن تصل حدتها إلى درجة الصدام العنيف.
وتكون عملية التنفيس في محورها العام كالتالي:
أ- خلق محور اهتمام جديد يغطي على الاهتمام بالأزمة، ويحولها إلى شيء ثانوي لا قيمة له.
ب - معرفة أين تكمن عواملها والتعامل معها بالعلاج الناجح للقضاء على أسباب التوتر الذي انشأ الأزمة.
ت - امتصاص قوة الدفع المحركة للأزمة وتشتيت جهودها في نواح أخرى.
۲ - مرحلة النمو والاتساع
وتنشأ نتيجة لعدم معالجة المرحلة الأولى - الميلاد - في الوقت المناسب.
حيث تأخذ الأزمة في النمو والاتساع من خلال نوعين من المحفزات هما:
- مغذيات ومحفزات ذاتية مستمدة من ذات الأزمة تكونت معها في مرحلة الميلاد.
- مغذيات ومحفزات خارجية استقطبتها الأزمة وتفاعلت معها وبها، وأضافت إليها قوة دفع جديدة، وقدرة على النمو والاتساع.
وفي تلك المرحلة يتعاظم الإحساس بالأزمة ولا يستطيع متخذ القرار أن ينكر وجودها أو يتجاهلها نظرا لوجود ضغط مباشر يزداد ثقله يوما بعد يوم، فضلا عن دخول أطراف جديدة إلى مجال الإحساس بالأزمة، سواء لأن خطرها امتد إليهم، أو لخوفهم من نتائجها أو من أن خطرها سوف يصل إليهم.
وفي هذه المرحلة يكون على متخذ القرار التدخل من أجل إفقاد الأزمة روافدها المحفزة والمقوية لها على النحو التالي:
- تحييد وعزل العناصر الخارجية المدعمة للأزمة، سواء باستقطابها، أو خلق تعارض مصالح بينها وبين استفحال الأزمة.
- تجميد نمو الأزمة بإيقافها عند المستوى الذي وصلت إليه وعدم السماح بتطورها، وذلك عن طريق استقطاب عوامل النمو الذاتي التي حركت الأزمة.
٣ – مرحلة النضج
تعد من أخطر مراحل الأزمة، ومن النادر أن تصل الأزمة إلى مثل هذه المرحلة، وتحدث عندما يكون متخذ القرار الإداري على درجة كبيرة من الجهل والتخلف والاستبداد برأيه وانغلاقه على ذاته أو إحاطة هذه الذات بالقدسية والتأليه، وبحاشية من المنافقين الذين يكيلون له المديح ويصورون له أخطاءه حسنات، وبذلك تصل الأزمة إلى أقصى قوتها وعنفها، وتصبح السيطرة عليها مستحيلة ولا مفر من الصدام العنيف معها .
وهنا قد تكون الأزمة بالغة الشدة، شديدة القوة تطيح بمتخذ القرار وبالمؤسسة أو المشروع الذي يعمل فيه، أو أن يكون متخذ القرار قد استطاع بدهاء تحويل اتجاه الأزمة إلى كبش فداء، وهمي، تتفتت الأزمة عنده، وتنتهي باستقطاب عناصر القوة فيها والسيطرة عليهم بشكل أو بآخر .
4 - مرحلة الانحسار والتقلص
تبدأ الأزمة بالانحسار والتقلص نتيجة للصدام العنيف الذي تم اتخاذه والذي يفقد جزءا هاما من قوتها، على أن هناك بعض الأزمات تتجدد لها قوة دفع أخرى، عندما يفشل الصدام في تحقيق أهدافه وتصبح الأزمات في هذه الحالة كأمواج البحر، موجة تندفع وراء موجة.
5- مرحلة الاختفاء
وتصل الأزمة إلى هذه المرحلة عندما تفقد بشكل شبه كامل قوة الدفع المولدة لها أو العناصرها حيث تتلاشى مظاهرها وينتهي الاهتمام بها والحديث عنها، إلا أنه من الضرورة الاستفادة من الدروس المستفادة منها لتلافي ما قد يحدث مستقبلا من سلبيات.
والحقيقة أن الانحسار للأزمة يكون دافعة للكيان الذي حدثت فيه لإعادة البناء وليس لإعادة التكيف، فالتكيف يصبح أمرا مرفوضة و غير مقبول؛ لأنه سيبقى على آثار ونتائج الأزمة بعد انحسارها، أما إعادة البناء فيتصل أساسا بعلاج هذه الآثار والنتائج ومن ثم استعادة فاعلية الكيان وأدائه وإكسابه مناعة أو خبرة في التعامل مع أسباب ونتائج هذا النوع من الأزمات.
تصنيف الأزمات
تصنف الأزمات طبقا لعدة أسس في شكل مجموعات، لأن التصنيف يفيد في عدة أمور من أهمها: ( الخضيري، 1993 : ۷۱ _ ۸۷)
- تعميق التفكير في الأزمة، ولفت الانتباه إلى بعض القضايا المهمة، التي تخص الأزمة حسب نوعها.
- توضيح المفاهيم الرئيسة المتعلقة بالأزمة، حسب نوعها، التي تعد أداة توصيل الأفكار، مما يساعد على الاتفاق في منطلقات النقاش، والحوار حول الأزمة.
إلا أن التصنيف لا يمنع من وجود تداخل بين هذه المجموعات، ويمكن تصنيف الأزمات وفقا للأسس التالية:
- معدل تكرار الأزمة ( البعد الزمني )
وتصنف الأزمة تبعا لمعدل تكرارها إلى:
1. أزمة متكررة ( دورية)
وهي التي تأخذ طابع التكرار والتوقع أحيانا، وإن كان مدی وحجم وشدة الأزمة لا يمكن توقعها بشكل دقيق وكامل، ويعالج هذا النوع من الأزمات بمعالجة الأسباب التي أدت إلى حدوث الأزمة.
۲. أزمة غير متكررة ( غير دورية )
وهي التي تحدث فجأة دون مقدمات، ولا ترتبط في حدوثها بأسباب متكررة، ومن ثم لا يسهل توقعها، وتكون شديدة التأثير في الغالب. ويعالج هذا النوع من الأزمات بمعالجة النتائج التي أفرزتها الأزمة.
- شدة تأثيرها وعمقها
وتصنف الأزمة من حيث شدة تأثيرها إلى:
1. أزمة ظرفية هامشية محدودة التأثير:
وهي أزمة وليدة الظروف، تحدث عادة دون أن تترك نتائج واضحة، وتنتهي بسرعة التعامل مع أسبابها، لأنها أزمة بدون جذور، وتعالج بتعديل السياسات وأساليب العمل التعليمية المستخدمة.
۲. أزمة جوهرية هيكلية التأثير:
وهي التي تؤثر على كيان المؤسسة بجميع جوانبها المادية والبشرية، وتجاهلها يؤدي إلى إفراز نتائج خطيرة، قد تصل إلى تقويض کيان المؤسسة.
- شمولية الأزمة ( المستوى )
تصنف الأزمة من حيث شموليتها إلى:
1. أزمة جزئية:
وهي التي تحدث على مستوى الوحدات في المدرسة، وبالتالي فإن حجم تأثيرها في الغالب لا يمتد إلى خارج الوحدة. وهذا النوع من الأزمات متنوع و متعدد الأسباب والنتائج نظرا لأن الوحدات بطبيعتها متعددة ومتنوعة.
۲. أزمة شاملة:
وهي التي تحدث على مستوى كيان المؤسسة ككل، ويتأثر بها جميع عناصر العملية التعليمية بالمؤسسة، وهي أزمات شاملة عامة في أسبابها، والنتائج التي أفرزتها.
- موضوع ( مجال الأزمة )
تصنف الأزمة تبعا لموضوعها إلى:
1. أزمة مادي:
وهي التي تدور حول شيء مادي ملموس يمكن التحقق منه ودراسته، والتعامل معه، وقياس مدى توافق أدوات التعامل في إدارة الأزمة، النتائج المترتبة على حدوث الأزمة.
۲. أزمة معنوية:
وهي التي ترتبط بذاتية الأفراد المحيطين بالأزمة، مثل أزمة الثقة والولاء، لذلك يصعب التعامل مع هذا النوع من الأزمات؛ نظرا لأنه غير ملموس، وإنما يتم التعامل معه من خلال إدراكه للمضمون.
3. أزمات مادية ومعنوية:
غالبا ما تضم الأزمة الواحدة النوعين سابقي الذكر. وكما تتباين أنواع الأزمة، تتباين أسباب الأزمة مابين كوارث ربانية تتعلق بالبيئة، وظروف العمل المادية، والقيادة الإدارية المستبدة، وعدم وضوح الأهداف، والخوف الوظيفي، وسوء الفهم، والشائعات.
أسباب الأزمات
اجتهد العديد من الباحثين في تحديد أسباب نشوء الأزمة، فاتفقوا في تحديد عدد من هذا الأسباب وزاد بعضهم على الآخرين في عدد من الأسباب.
ولقد اختارنا ما ذكره آل الشيخ من مسببات للأزمة وهي: ( آل الشيخ، 2008 : ۱۹ - ۲۲)
١. سوء الفهم
وهو يشير إلى خطأ في استقبال وفهم المعلومات المتاحة عن الأزمة، ويرجع ذلك إلي الأسباب التالية:
- قلة المعلومات و إشارات الإنذار عن الأزمة.
- المعلومات سريعة ومتلاحقة ومتغيرة لا يمكن الإلمام بها.
- عدم القدرة على جمع المعلومات.
- تداخل وتشويش في المعلومات وتضاربها.
- عدم القدرة على ربط المعلومات بالأزمة.
۲. سوء التقدير:
ويعني أن المعلومات تعطي لها قيمة وتقدير ومعني مخالف للحقيقة، ومن أسباب سوء التقدير ما يلي:
- المغالاة في قيمة المعلومات الخاصة بالأزمة.
- الثقة الزائدة في النفس.
- الشك في قيمة المعلومات.
- التأثر بشعارات وهمية مثل نحن الأفضل ونحن الأقوى.
- الاستخفاف بالأطراف الأخرى في الأزمة.
- الاستهانة بالأزمة والمعلومات المرتبطة بها.
٣. سوء الإدارة :
ومن أسباب سوء الإدارة ما يلي:
- عدم وجود نظام للتخطيط.
- عدم وجود نظام للمعلومات.
- عدم وجود اهتمام بالأزمات والكوارث.
- عدم احترام العلاقات التنظيمية الموجودة في هيكل التنظيم.
- الصراعات الإدارية بين الأقسام أو المديرين.
- عدم وجود أنظمة للرقابة والمساءلة.
- الاستبداد الإداري.
4. تعارض المصالح والأهداف :
حينما تختلف وجهات النظر أو تختلف المصالح والأهداف ينشأ صراع بين الكيانات والأفراد أو بين المديرين أو بين الأقسام، الأمر قد يؤدي إلي كوارث وأزمات.
ومن أسباب تعارض المصالح والأهداف ما يلي:
- اختلاف في شخصية أطراف الصراع.
- اختلاف في الخلفيات التنظيمية، والثقافية، والنوع والجنسية والدخل.
- انعدام الاحترام المتبادل.
- عدم احترام خطوط السلطة والعلاقات التنظيمية.
- انعدام أدوات التنسيق كالاجتماعات واللقاءات.
- عدم وجود نظام للرقابة والمتابعة على الأداء.
5. الأخطاء البشرية :
وترجع الأخطاء البشرية للأسباب التالية:
- انعدام التدريب.
- انخفاض الدافعية والمعنويات.
- قلة الخبرة في نوعها و سنواتها.
- عدم مناسبة الصفات الشخصية.
- التدهور الصحي.
- التعب والإرهاق.
- عدم التركيز في العمل.
- الإهمال.
6. الإشاعات :
وهي عبارة عن استخدام المعلومات الكاذبة والمضللة وإعلانها في توقيت ومناخ معين يؤدي إلى الأزمة.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الإشاعات ما يلي:
- انعدام الحقائق لدي الناس.
- وجود تخبط لدي المسئولين.
- مناخ به شح في المعلومات.
- وجود أطماع لدي الغير والذين يروجون للإشاعات.
۷. اليأس :
هو الإحباط وعدم الرغبة لدى متخذ القرار في مواجهة المشاكل ويرجع ذلك لأحد الأسباب التالية:
- تدهور في الأنظمة الإدارية .
- الشعور بالظلم .
- انخفاض الدخل والراتب.
- عدم معالجة المنظمة لمشاكلها.
- القمع الإداري.
- الشعور بعدم الرغبة داخل العمل وكراهية العمل.
۸. الرغبة في الابتزاز:
هو تعريض متخذ القرار لضغوط نفسية ومادية وشخصية واستغلال التصرفات الخاطئة التي قام بها متخذ القرار لإجباره على مزيد من التصرفات الأكثر ضررا. يصبح ذلك مرة أخري مصدرا للإجبار والابتزاز.
ومن أسباب ابتزاز بعض الناس للآخرين ما يلي:
- استعراض القوة أمام الآخرين.
- تعارض المصالح.
- الرغبة في صنع الأزمة.
- الرغبة في تدمير الآخرين أو تدمير المنظمات الأخرى.
- ضعف الوازع الديني أو الأخلاقي.
- استسلام البعض للابتزاز.
۹. انعدام الثقة :
وهو عدم الإيمان بالآخرين ويرجع سبب عدم الثقة إلي ما يلي:
- سيادة ظروف عمل سيئة.
- انخفاض الروح المعنوية والدافعية.
- التوجس والخوف من تصرفات النظام.
- استرضاء الرؤساء واللجوء إلى الحيل السياسية.
- عدم كفاءة النظام الإداري.
- الاستبداد والديكتاتورية في العمل الإداري.
۱۰. الأزمات المتعددة :
هو افتعال المشاكل والأزمات التمويه على أزمات أكبر، وهو محاولة لصرف النظر عن أزمة حقيقية بافتعال أزمة جانبية أو وهمية.
ويرجع السبب في افتعال الأزمات إلى ما يلي:
- محاولة التمويه والتغطية على الأزمات الحقيقية.
- محاولة كسب أرضية بصورة غير أخلاقية على حساب الغير.
- انعدام الوازع الديني والأخلاقي.
فوائد الأزمات :
على الرغم من المصاعب والأضرار التي تسببها الأزمات والتي قد تعصف بحياة المنظمة إلا أن الأزمة قد تكون محنة تحمل في طياتها منحة.
حيث أن الأزمات تخلق إلي جانب التحديات فرصا لا تكون متاحة في أي وقت آخر ويعود السبب في أنها تسمح بدرجة من التغيير لا تناظرها درجة أخرى في الأوقات العادية، هو حيث الأزمة تنحي جانبا كل القواعد القديمة.
ولقد تم رصد سبع مزايا محتملة من الممكن أن تصاحب الأزمة أو تنتج عنها وهي كما يلي: (بميك، ۲۰۰4: ۱۰۲-۱۱۹)
أ- ميلاد الأبطال:
يخرج القادة الجدد من وسط دخان وضجيج الأزمة، هذه الحقيقة تنطبق على ميدان القتال، مثلما تنطبق تماما على عالم الأعمال، لذلك فإن الأزمات يمكن أن تخلق القادة، فالأشخاص الموهوبون الذين يحصلون على فرص يحطمون قيود البيروقراطية ويبرهنون على قدراتهم على الإنجاز، وحتى بالنسبة للمدير في الإدارة الوسطى أو الدنيا.
تمثل الأزمة فرصة كبيرة لمباشرة مهام خطيرة والعمل مع أناس جدد وتعلم كيفية التعايش مع الغموض وإحراز نقط كبيرة، إن الأزمة تغير النظام المستقر فتسمح للموهبة بالارتفاع إلى القمة.
ب - تسريع التغيير:
إن الأزمة تضغط الوقت، فما كان من قبل يمضي ببطيء يبدأ الآن في الإسراع ، مع ظهور شبح الفوضى، وينبغي على أولئك الذين يسعون إلى التغيير أن يرحبوا بالأزمة، فرغم أن هناك آثارا جانبية غير مرغوبة لمعظم الأزمات تتسارع هي الأخرى، إلا أنه مجرد ثمن صغير للتقدم .
ت - مواجهة المشكلات :
من طبيعة البشر أن يتحاشوا مواجهة أخطر ما لديهم من مشكلات بممارسة النشاط اليومي المعتاد، ويحدث في أحوال نادرة أن يتضح أن هذا الأسلوب يتسم بالذكاء، ففي بعض الأحيان تزول المتاعب من تلقاء نفسها أو تتغير الظروف وتقل المصاعب بمرور الوقت.
بيد أن التأخير يزيد الأمور سوءا وتعقيدا في معظم الأحيان، وإذا كان المثل القديم يقول " إذا كان لديك شيئا مكسورا أصلحه بسرعة " ، فربما يمكننا أن نضيف له عبارة " لأنك إن لم تفعل سوف تجبرك الأزمة على ذلك ".
ث - إمكانية تغيير الأفراد:
في الأوقات العادية يكون من الصعب إدخال تغييرات هامة على قوة عمل الشركة وصفوف الإدارة بها، دون إثارة القلق والاستياء ومعارضة النقابات العمالية، ومن ثم فإن الأزمة توجد بيئة جيدة للتغيير. إن الأزمة يمكن أن تفرض إجراء تغييرات في الأفراد عندما تحاول الإدارة إيجاد الحلول.
ج – الاستراتيجيات الجديدة :
إن الأزمة تفرض إعادة النظر في الخطط التي تبدو ثوابت لا يمكن التزحزح عنها، فالتهديد الذي يواجه ازدهار الشركة وعلم التأكد والضغوط وفقدان السيطرة كلها أمور تسمح بظهور أفكار جديدة ودراسة اتجاهات جديدة.
وفي مثل هذه الأوقات تبرز الاستراتيجيات الجديدة، فالأزمات لم تجعل التغيير الاستراتيجي ممكن الحدوث فقط وإنما أيضا مرغوبا فيه، إن الأزمة تتيح فرصة رائعة لتمزيق الخطة الإستراتيجية القديمة وصياغة أخرى أفضل.
ح - أنظمة الإنذار المبكر :
يرغب معظم من تحقق لهم النجاة من أزمة ما، في إيجاد طريقة ما لتفادي تكرار التجربة، فنحن نحب أن تكون لنا السيطرة على حياتنا سواء من الناحية الشخصية أو ناحية العمل، غير أن القبض على دفة الأمور يستلزم أن يكون المرء قادرا على التأثير على الأحداث.
ولكي نؤثر على الأحداث نحن بحاجة إلى أن نعرف ما تحمله لنا الأيام في جعبتها، وهذا بدوره يستلزم منا إقامة أنظمة للإنذار مبكر تستشعر علم الأداء إن كان موجودا وترسل إشارات للتحذير من الخطر قبل أن تبدأ الأزمة بوقت طويل.
خ - مزايا تنافسية جديدة :
إن الشركة التي تنجو من أزمة ما عادة ما تجعلها التجربة أكثر ذكاء وأصلب عودا، وتميل محنة الأزمة إلى خلق روح التضامن بين الناجين، فقد واجهوا عدوا مشتركا وتعلموا أن يرعى كل منهم الآخر، إنهم يعرفون كيف يتصرفون في مواجهة المحنة وكيف يخرجون منها منتصرين، وقد رأوا قيمة الاجتهاد في العمل وقيمة العمل بذكاء، وصاروا يعرفون أن لا شيء أهم لتحقيق النجاح في مجال الأعمال من قائد قوي يسانده فريق مخلص.
تعليقات