الأمن النفسي :
المحتويات :
1. مفهوم الامن النفسي .
2. تعريف الامن النفسي لغويا .
3. تعريف الامن النفسي اصطلاحا .
4. خصائص الامن النفسي .
5 . الابعاد الاساسية للأمن النفسي .
6. العوامل المسببة في انعدام الشعور بالامن النفسي .
7. النظريات السيكولوجية المفسرة للأمن النفسي .
8. اساليب تحقيق الأمن النفسي .
9. حاجة المراهق للأمن النفسي .
مفهوم الأمن النفسي :
يعد الأمن النفسي من أهم الحاجات النفسية التي يجب أن تشبع في السنوات المبكرة من حياة الفرد، كما يستمر أثره مع الفرد في حياته المستقبلية حتى بعد أن يتحقق له أسباب الحب والانتماء، فالشخص الأمن نفسية يكون في حالة توازن و توافق طالما أن المقومات الأساسية لحياته غير معرضة للخطر . ( زهران ، 1989 : 297 )
ان أغلب دوافعنا الأساسية التي تحدث ترافقها عدة انفعالات مميزة، فالحاجة إلى الطعام يقترن بانفعال الجوع الذي يعرض الشخص الى التوتر الانفعالي، ودافع طالب الأمن النفسي والطمأنينة يقترن بانفعال الخوف. (تيم، 1999 : 27 ) .
فغياب القلق والخوف وتبديد مظاهر التهديد والمخاطر على مكونات الشخصية من الداخل والخارج مع الإحساس بالاستقرار الانفعالي والمادي هو الدافع المحرك الإشباع حاجة الأمن النفسي . (الطهراوي، ۹۸۵:۲۰۰۷ )
تعريف الأمن النفسي لغويا :
استخدم لفظ الأمن في اللغة بمعنى الاطمئنان وعلم الخوف، فإنه يقال أمن آمن وأمان وآمنة، اذا اطمأن ولم يخف فهو الأمن، والبلد الأمن أو الأمين الذي اطمأن أهله ويقال أمن فلان على اذا وثق به واطمأن عليه . (فارس، 1979 : 78 )
ولكلمة الأمن أصلان متقاربان في اللغة احداهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب والأخرى التصديق . (بقري ، 2009 : 108 )
وكلمة الأمن وما يشتق منها وردت في القرآن الكريم في مواضع عديدة وذلك بمعنى السلامة والاطمئنان النفسي وانتفاء الخوف على حياة الانسان، أو ما تقوم به حياته من مصالح وأهداف وأسباب ومنها قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام: 82) .
والمعنى: أن الذين آمنوا بالله، ولم يشركوا به، آمنون من عذابه يوم القيامة، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ونحو ذلك قوله سبحانه: { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} (آل عمران : 154)، يعني: أمنا، والأمن بمعنى: أنزل على المؤمنين أمنا بعد الخوف الذي حدث لهم من بطش عدوهم وقلة عددهم وعدتهم .
تعريف الامن النفسي اصطلاحا :
ومن الناحية الاصطلاحية فقد كثر البحث في مفهوم الأمن النفسي وتعددت مصطلحاته، حيث حظي هذا المفهوم للعديد من التسميات مثل الطمأنينة النفسية والانفعالية، الأمن النفسي، التوازن الانفعالي.
ومن التعريفات التي يمكننا تعريف الامن النفسي بها التالي :
تعريف ( 1 ) :
الأمن النفسي هو حالة يحس فيها الفرد بالسلامة والأمن وعدم التخوف، ويكون فيها إشباع الحاجات وإرضاءها مكفولان، وهو اتجاه مركب من تملك النفس بالثقة بالذات والتيقن من أن المرء ينتمي إلى جماعات انسانية لها قيمة (دسوقي، 1990 : 1329).
تعريف ( 2 ) :
يمكن تعريف الامن النفسي بأنه شعور الفرد بالاستقرار والتحرر من الخوف والقلق لتحقيق متطلباته ومساعدته على ادراك قدراته وجعله أكثر تكيفة . ( الجميلي ، 2001 )
تعريف ( 3 ) :
الامن النفسي هو سكون النفس وطمأنينتها عند تعرضها لأزمة تحمل في ثناياها خطرة من الأخطار، كذلك شعور الفرد بالحماية من التعرض للأخطار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة به. ( الصنيع، 1995 : 70 )
خصائص الأمن النفسي :
تتلخص أهم خصائص الأمن النفسي فيما يلي:
(1) يتحدد الأمن النفسي بعملية التنشئة الاجتماعية وحسن أساليبها من تسامح وديمقراطية وتقبل وحب، ويرتبط بالتفاعل الاجتماعي الناجح والخبرات والمواقف الاجتماعية والبيئية المتوافقة .
(2) يؤثر الأمن النفسي تأثيرا كبيرا على التحصيل الدراسي وفي الانجاز والابتكار لدى الشخص.
(3) يرتبط شعور الوالدين بالأمن في شيخوختهم بوجود أولاد يهتمون بهم.
(4) نقص الأمن النفسي يرتبط ارتباطا موجب بالاصرار والتشبث والجمود العقائدي. .
(5) نقص الأمن النفسي يرتبط بالتوتر وبالتالي بالتعرض لأمراض القلب والاضطرابات النفسية. ( الاقرع ، 2005 ، 40 ) ، ( العقيلي ، 2004 ، 210 )
الابعاد الاساسية للأمن النفسي :
يشمل الأمن النفسي على أبعاد أساسية وهي:
(1) الشعور بالتقبل والحب وعلاقات المودة والرحمة مع الآخرين:
لا يستطيع الطفل الشعور بالأمن إلا من خلال التوازن العاطفي الذي يؤمن له في المستقبل وحدته المتكاملة في تقرير السلوك، وفي حرية الاختيار وفي ممارسة علاقاته الاجتماعية السليمة، وتتحدد درجة هذه الوحدة في مظاهرها المتعددة بمستوى العلاقات الأسرية الجارية، فلا شعور بالطمأنينة إلا عندما يكون الطفل في محيط أسري ناضج يحميه ويؤمن حاجاته ويوفر له الحب والمودة .
فيرى لبرستون أن العناصر الأساسية لتحقيق الأمن تكمن في محبة الطفل في تقبله واستقراره، فمحبته من محيطه وبخاصة الأم والأب تسهل له نموه الطبيعي والسليم ليس فقط على الصعيد العاطفي، وانما على الصعيد الجسمي والعقلي والاجتماعي . ( الشريف، 2005 : 28 )
(2) الشعور بالانتماء إلى جماعة والمكانة فيها :
المرء في حاجة إلى أن يشعر بأنه فرد من مجموعة تربطه بهم مصالح مشتركة تدفعه إلى أن يأخذ ويعطي، والى أن يلتمس منهم الحماية والمساعدة، كما أنه في حاجة إلى أن يستطيع أن يمد غيره بهذه الحاجات، وينمو هذا الشعور بالانتماء أيضا للطفل من الشهور الأولى فالألفة التي تحققها داخل الأسرة تنقلب الى ولاء لهذا المجتمع الصغير، ثم تنتقل الحاجة الى الانتماء للجماعات الأخرى التي تجد فيها إشباع حاجته إلى الأمن العاطفي أو الطمأنينة النفسية (قناوي، 2005 : 189-190 )
(3) الشعور بالسلامة والسلام :
والمعنى الذي يشير اليه الشعور بالسلامة والسلام هو خلو جو الأسرة من الخلافات والمشاحنات، حيث أن من أشد الأجواء تأثيرا في ايجاد صعوبات في التكيف وتوفير الطمأنينة والراحة للأبناء وجودهم في جو مليء بالمشاحنات والتوتر . ( الرفاعي، 1987 : 389 )
كما أن الحاجة إلى الأمن النفسي ترتبط اربتاطا وثيقة بغريزة المحافظة على البقاء والسلامة ودرء الأخطار . (زهران، 1989 : 298 )
العوامل المسببة في انعدام الشعور بالأمن النفسي
إن انعدام الشعور بالأمن النفسي قد يكون سبب في حدوث الاضطرابات النفسية، أو قيام الفرد بسلوك عدواني تجاه مصادر إحباط حاجته إلى الأمن وقيامه باتخاذ أنماط سلوكية غير سوية من أجل الحصول على الأمن الذي يفتقر اليه أو الانطواء على النفس أو الرضوخ واللجوء على الاستجداء والتوسل والتملق من أجل المحافظة على أمنه، ويختلف الأشخاص في تأثرهم بانعدام الأمن من شخص إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى. (الأقرع، 2005 : 27 )
حيث أن فقدان الشعور بالأمن والذي ينجم عن المواقف الحياتية الضاغطة والتعرض للحوادث والخبرات الحادة المفاجئة وعدم ثبات الآباء في التعامل مع الأبناء، وإهمال قدراتهم وبالتالي يتوقعون منهم مالا يستطيعون عمله أو يطلبون الكمال .
كما أن النقد المتعدد والمتكرر للأطفال كل ذلك يساعد على وجود القلق، ومما يساعد على عدم الشعور بالأمن والذنب الذي يتولد لدى الأطفال من خلال القيام بسلوكيات قد تخالف القوانين والمعايير الاجتماعية، كما أن للإحباط المستمر الذي يتعرض له الطفل من الوالدين أو المحيطين قد يعرضه للشعور بعدم الأمن . (عبد السلام، 1989 : 127 )
كما يرى بعض علماء النفس أن أساليب معاملة الطفل تلعب دورة على الشعور بالأمن، حيث أن التسلط والسيطرة وحرمان الأبناء من الحنان أو الحماية الزائدة، من أهم مصادر عدم الشعور بالأمن . (حسين، 1987 : 103 )
ومن البحوث التي أكدت أثر خبرات الطفولة على تنمية الطمأنينة ما قام به میوسن ( Mussen،1977) وآخرون، حيث اتضح أن الذين لم يحصلوا على عطف أسري كاف كانوا أقل أمنا وأقل ثقة بالنفس وأكثر قلقا وأقل توافقا من أولئك الذين يحصلون على عطف أسري (عقل، 1997 : 39).
كما اظهرت نتائج بعض الدراسات إلى وجود ارتباط قوي بين اساءة المعاملة الوالدية والاهمال والاكتئاب لديهن، والفروق دالة في متوسط درجات الطمأنينة بين اللواتي يتعرضن للاساءة واللاتي لم يتعرضن لها.
ان هناك عوامل أخرى تؤثر في الأمن النفسي وتعمل على نموها، مثل دور الوراثة، فذكر (كاتل Kattel 1966) في دراسته المعتمدة على التحليل العاملي أن القلق وهو أحد محكات الأمن النفسي يرجع 35% منه الى الوراثة، وأن للبيئة الأثر الأكبر، كما أشارت دراسات أخرى الى أن الظروف البيئة السيئة الدور الرئيسي في تنمية سمة القلق العالي وبالتالي انعدام الأمن .
ان الحرمان من الأمن يختلف تأثيره على الصحة النفسية من شخص الآخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى، فإذا حدث الحرمان في مرحلة الرشد ، فإن تأثيره السيئ قد يكون مؤقتا يزول بزوال أسبابه وتوفر الأمن، وقد لا يؤثر على الصحة النفسية اذا استطاع الشخص تغيير مطالب أمنه ولم يشعر بقلق الحرمان .
أما إذا حدث الحرمان من الأمن في الطفولة المبكرة خاصة، فإنه يعيق النمو النفسي ويؤثر تأثيرا سيئا على الصحة النفسية في كل مراحل العمر، لأن انعدام الأمن يعني تهديد خطير لإشباع حاجات الطفل الضرورية حيث لا يقوى على اشباعها، فيشعر بالقلق لتنمو لديه سمات عدم التوافق والشعور بالذنب والعدوانية. (الأقرع،2005 : 39)
نستنتج مما سبق أنه ثمة عوامل كثيرة لها علاقة وأثر كبيرين في الشعور بالأمن وفقدانه أو انعدامه، فهناك العوامل المحيطة بالطفل كالأساليب الوالدية والوسط الاجتماعي والثقافي للوالدين، كما أن العوامل السياسية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي تلعب دورا كبيرة ومؤثرة في عدم تحقيق الأمن،.
كما يدخل انخفاض الوازع الديني أيضا في ذلك التأثير، فهذا كله مرتبط كما سلف بإشباع الحاجات المتنوعة والمتعددة المرتبطة بالفرد في محيطه الأسري والاجتماعي، وهذه العوامل دخل الفرد في صراع وتناقض مع نفسه وبيئته ما ينفعه للتخلص من القلق الدائم الذي يهدده ويحبطه ازاء إشباع حاجة الأمن وبالتالي اشباع الحاجات الأخرى.
النظريات السيكولوجية المفسرة للأمن النفسي :
لقد اهتم العديد من علماء النفس بدراسة دوافع السلوك الإنساني التي من بينها دافع الأمن، ومن أشهر هؤلاء العالم النفسي الأمريكي ابراهام ماسلو Maslow الذي قسم دوافع السلوك الإنساني إلى خمسة دوافع جعلها تنتظم في شكل هرمي قاعدته الأساسية هي الحاجات الفسيولوجية تليها مباشرة الحاجة إلى الأمن، ثم الحاجة الى الحب، وآخرها الحاجة الى تحقيق الذات.
1. نظرية ماسلو للحاجات الإنسانية
Maslow's theory of needs
ويعتبر أبراهام ماسلو Maslow من أوائل من تعرضوا لمفهوم الأمن النفسي عن طريق البحوث الاكلينيكية، حيث عرف الأمن أو الطمأنينة النفسية بأنها: شعور الفرد بأنه محبوب ومتقبل من الآخرين وله مكان بينهم يدرك أن بيئته صديقة ودوره غير محبط يشعر فيها ندرة الخطر والتهديد والقلق. ( العنزي، 2005: 66).
ويرى ماسلو Maslow أن الانسان يولد وهو محفز لتحقيق احتياجات أساسية رتبها في شكل هرمي تمثل قاعدته الحاجات الفسيولوجية الأساسية، مرورا باحتياجات الأمن والسلامة ثم حاجة الانتماء والتقبل من الجماعة، حيث تتدرج تلك الحاجات ارتفاعا حتى تصل إلى قمة الهرم وصولا لتحقيق الذات ولا يمكن الانتقال الى حاجة أعلى قبل إشباع الحاجة التي أدنى منها فهي تتحقق تدريجية، ليصل إلى أسمى مراحل الاكتفاء الذاتي والسلام مع نفسه . (الدليم وآخرون، 1993 : 7) و (الخضري، 2003 : 33)
ان ماسلو صنف مجموعة من الأعراض في ثلاث زملات تعد أساسا لعدم الأمن النفسي وهي:
١- شعور الفرد بالرفض وبأنه شخص غير محبوب وأن الآخرين يعاملونه بقسوة واحتقار.
2- شعور الفرد بأن العالم يمثل تهديدا وخوف وقلقا .
3- شعور الفرد بالوحدة والعزلة والنبذ. ( الخضري ، 2003 : 33 )
كما يرى ماسلو أن تحقيق الأمن يتم بوسائل كثيرة حسب طبيعة الفرد ومرحلة نموه، ولكن أهم تلك الوسائل تتم عن طريق تجنب الفرد مصادر التهديد والألم والقلق والبحث عن الطمأنينة . (الصنيع، 1995 : 75 ) .
وبذل ماسلو جهود طيبة في تحديد مفهوم شامل للأمن النفسي بإظهار أبعاده الأساسية والثانوية والذي يتضح من خلالها الدور الكبير الملقى على عاتق المجتمع في توفير الشعور بالأمن النفسي لأفراده ( الخضري، 2003 : 36 )
٢. النظرية التحليلية
Psychoanalytic Theory
ويرى سيجموند فرويد Frouid أن الأنا هو المسؤول عن توفير الأمن النفسي بمحافظته على ذات الفرد من التهديدات الداخلية والخارجية، حيث يقول " يقوم الأنا مهمة حفظ الذات ويقوم بهذه المهمة فيما يتعلق بالأحداث الخارجية " . ( الصنيع ، 1999 : 34 )
فمن خلال مكونات الجهاز النفسي عند فرويد والتي تتمثل في الشعور وما قبل الشعور واللاشعور، فيعتقد فرويد أن الطفل يولد مزود بغرائز ودوافع معينة، وأن الحياة عبارة عن سلسلة من الصراعات تعقبها إشباعات أو إحباطات وعليه فإن الفرد إما أن يقبل هذه الاحباطات أو يعيش في صراع بين المجتمع ومطالبه وبين دوافع الفرد الشخصية .
ويذكر فرويد أن الفرد في صراع بين شكلين أساسيين من أشكال الدوافع :
- الأول: تمثله دوافع الحياة والبقاء ويتبلور حول الدوافع الجنسية.
- الثاني: تمثله دوافع الموت ويتبلور حول الدوافع العدوانية، والعلاقات بين هذه الدوافع هي علاقات صدام وصراع وليست علاقات توافق وانسجام، والانسان الذي يكون سويا في عملية التوافق هو الذي يكون باستطاعته أن يحب وأن يعمل (العنزي ، 2005 ، 48 )
ويربط فرويد بين الأمن النفسي والأمن البدني وتحقيق الحاجات المرتبطة به، حين يرى الفرد مدفوعا التحقيق حاجاته للوصول إلى الاستقرار، وعندما لا ينجح يشكل ذلك تهديدا للذات ويسبب الضيق والتوتر والألم النفسي (الطهراوي، 2007 : 988 )
من ذلك يتبين أن محور التوافق النفسي عند أصحاب هذه المدرسة يغفل دور الفرد في الجماعة، كما أنه يبعد الفرد إنسانيته ويجعله عبدا لإشباع حاجاته، ويسلب الفرد إرادته فيجعل سلوكه مقترنا باستجابة تتعدل وفق المتغيرات الخارجية، ويجعل الفرد طوال حياته أسير نفسه الغريزية والعدوانية.
وبالتالي تكون دوافع الحياة ممثلة في الأنا كمكون للشخصية في هذه النظرية وهي المسؤولة عن تحقيق الطمأنينة النفسية. ( بقري، 2009 : 121 )
فتأكيد فرويد لمصادر الخطر الداخلية للانسان التي تقود الى سوء التكيف، وكبت الميول العدوانية والشهوانية التي تولد معه، فهو بهذا المعنى يحمل أسباب عدم أمنه أو نعدامها . ( سعد، 1999 : 28 )
ان العلاقة الآمنة التي يسودها الدفء والحب بين الطفل ووالديه تمثل عاملا واقيا للطفل من الشعور بالخوف ويؤدي إلى شعوره بالكفاية والثقة والقدرة على المواجهة والتحدي،.
بينما عدم وجود علاقة حميمة يمكن الوثوق بها تمثل مفتاحا للتنبؤ بالقلق والاكتئاب واضطرابات الشخصية.
ان الشعور بعدم الأمن ناتج عن تعرض الطفل للإساءة النفسية والانفعالية من رفضه وتهديده بسحب الحب ومقارنته بأقرانه وإهماله يؤدي إلى شعوره بعدم الأمن والتقليل من حريته وتلقائيته في استكشاف العالم، ويعوق إمكانياته للتعلم وفرص النمو السليم . ( 214- 1990:181 ,Rutter).
3. نظرية التعلق
Attachment Theory
يعرف بولبي (1980 Bowlby) الشعور بالطمأنينة النفسية المعرفية، حيث يشير إلى أن كل موقف نقابله أو نتعرض له في حياتنا يفسر تحت ما يطلق عليه النماذج التصورية أو المعرفية. ( مخيمر ، 2003 : 14 )
أن هذه النماذج تشكل صيغة نستقبل بها المعلومات الواردة الينا من البيئة المحيطة عبر أعضاء الحس، كما تحدد تصوراتنا عن أنفسنا والعالم والآخرين، وتتكون هذه النماذج من خلال التفاعل مع الوالدين والاخرين، وتعمل بطريقة لاشعورية تلقائية، ويتم إدماج كل خبرة جديدة فيها، كما تعمل تلك النماذج كقواعد السلوك وتنظيم الذات والعلاقات الاجتماعية والانفعالات، وتحدد وتنظم الاستراتيجيات المختلفة لمواجهة الضغوط والمواقف المختلفة .
فإذا كانت النماذج المعرفية ايجابية، فإنها تجعل نظرة الطفل عن ذاته وللآخرين وللمستقبل نظرة إيجابية، فالطفل الذي يدرك استجابة الوالدين لحاجاته وتقديرهما وحبهما له، وعدم تحكمهما فيه كثيرة يكون لديه نموذج تصوري عن ذاته أنه محبوب وذو قيمة ويستحق الثقة، وكذلك تصوره عن الآخرين بأنهم يقدرونه ويحبونه ويحترمونه ويمكن الوثوق به، وأنهم سيكونون بجانبه عندما يحتاجهم، وعن المستقبل فيشعر بالتفاؤل والأمل .
بينما إدراك الطفل لعدم حب الوالدين له أو عدم احترامهما له أو إهمالهما له، فإنه يتكون لديه نموذج معرفي سلبي عن ذاته ومستقبله والأخرين، ويكون تصوره عن ذاته أنه غير محبوب ومهدد بالخطر ولا يستحق الرعاية، كما يتوجس من الآخرين ويشعر بالتهديد والقلق ، وتمتد هذه النظرة الى المستقبل فيشعر بفقدان الأمن والتشاؤم. ( بقري، 2009 : 120 )
وقد رأت ماري انزورث (1973 ,Ainsworth) وهي أول من استخدم مصطلح القاعدة الآمنة Securety Attached، بناء على التجارب والمواقف التي أجرتها لقياس شدة الأمن ونوعيته، وكذلك درجة حدة الإنفصال عن الأم واستجابة الطفل في السنة الأولى لهذه المواقف، أن دور الأم في التعلق مع الطفل لا يقتصر فقط على مجرد الاستجابة لحاجاته، وإنما تأخذ أيضا المبادأة في استثارته اجتماعية وانفعالية ومعرفية، وذلك بالبقاء على الاتصال به، وتحتضنه وتعانقه وتتحدث معه وتلاعبه وتشجعه على الاستطلاع الحسي والحركي والاجتماعي للبيئة . (مخيمر، 2003 : 22 )
كما أن للأم دورة كبيرة في تشكيل قاعدة أمن للطفل، حيث عندما تخرج الأم مع طفلها الصغير الى أحد المنتزهات وتجلس على المقعد يظل الطفل في البداية قريبة منها، ثم يبدأ في التحول بعيدا عنها رويدا رويدة، لكنه في كل مرة قد يعود الى موقع أمه لكي يطمئن أنها مازالت مكانها جالسة وبعد أن يتاح له الاطمئنان، فانه ينطلق ليستكشف بيئته ومجاله أكثر فأكثر، فوجود الأم يمثل القاعدة التي تمنحه الأمان لكي يتجول ويستطلع البيئة (كفافي،۲۰۰۹: ۱۳۷).
أساليب تحقيق الأمن النفسي
هناك الكثير من الوسائل والأساليب التي من خلالها يتحقق الأمن النفسي للانسان في أسرته ومجتمعه، فالبعض يحققه من خلال تكوين أسرة هادئة وهناك من يطمح بتحسين مستوى معيشته وأوضاع حياته بشكل أفضل من خلال السفر والتجارة، وهناك من يحاول تحقيق أعلى الدرجات العلمية، فإشباع الأمن وتحقيقه يرتبط ارتباطأ كبيرة بالوسيلة والطريقة والهدف التي يسعى الانسان من أجله.
ويلجأ الفرد لتحقيق الطمأنينة النفسية الى ما يسمى بعمليات الأمن النفسي والتي هي أنشطة يستخدمها الجهاز النفسي لخفض الضغط النفسي والكرب والتوتر والاجهاد، أو التخلص منه وتحقيق تقدير الذات والشعور بالأمن، ويجد الفرد أمنه في انضمامه إلى جماعة تشعره بهذا الأمن . (بقري، 2009 : 118 )
والأسرة السعيدة والمناخ الأسري المناسب لنمو أفرادها نموا سليما، وإشباع حاجاتهم يؤدي إلى تحقيق الطمأنينة النفسية والتوافق المهني والمدرسي والإنتماء، فيتعزز الشعور بالأمن النفسي، كما يؤدي هذا الانتماء إلى وطن آمن، كما تدعم جماعات الرفاق الشعور بالأمن النفسي لأفرادها، حيث يعتمد الأفراد بعضهم على بعض بشكل واضح، حتى يشعروا بدرجة أكبر من الطمأنينة النفسية (زهران، 1989 : 34 )
ولا شك أن الشخصية تكون في حاجة إلى التحرر من الخوف أيا كان مصدره، كما أن الشخص يكون آمنا في حالة اطمئنان على صحته وعمله ومستقبله وأولاده وحقوقه ومركزه الاجتماعي، فإذا ما يهدد ذلك أو توقعه فقد شعوره بالأمن .
فالنمط السلوكي الشعوري المتوافق والخاص بتلبية الحاجة إلى الأمن النفسي بالنسبة للطالب أو للمعلم في البيئة التعليمية يعتبر نمط سلوكية مكتسبة يرتبط بتلبية احتياج اجتماعي متعلم من خلال التنشئة، ويهدف إلى تحقيق حاجة الفرد الى أمنه على نفسه وصحته ومستقبله الدراسي .
كما يرتبط تحقيقه في البيئة التعليمية التي فيها يتحرر من الخوف وعدم التهديد من قبل المدرسين، وكذلك الشعور بالرضا عن المادة العلمية والمناهج، فمما لا شك فيه أن سيادة تلك العادات السلوكية المرتبطة بتلبية حاجة الأمن، يتعلق بالابتعاد عن التهديد من قبل الآباء والمدرسين والمسؤولين عن العمل ، وكذلك عمليات النقد والعقاب والاهمال والتذبذب في المعاملة أو فرض واجبات ثقيلة تشكل أعباء غير محتملة. . (أبو شنب، 1996 : 60 )
كما أن جماعة الرفاق تدعم الأمن النفسي لأفرادها، ويتضح ذلك في جماعات العمل في السلم والحرب والانتاج، حيث يعتمد الأفراد بعضهم على بعض بشكل واضح حتى يشعروا بدرجة أكبر من الأمن والاستقرار . ( زهران، 2002 : 89 )
حاجة المراهق للأمن النفسي
Need for Psychological Security
يظهر تأثير الحاجة على الفرد من ناحيتين، فهي من ناحية تدفعه الى الاستمرار في القيام بالنشاط، وهي من ناحية أخرى توجهه إلى الأنشطة ذات الصلة بحاجته والتي تحقق له اشباعها.
ان الحاجات تكسب خواصها من خلال الاطار الثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد، كما يعتمد نظام الحاجات لدى الأفراد على مستوى النمو لدى كل منهم، فحاجات الطفل الصغير مثلا ينحصر غالبها في الحاجة إلى الشعور بالعطف والحنان والحاجة إلى المساعدة، وبعد فترة أخرى تبدأ حاجته إلى الموافقة على السلوك من الآخرين وخاصة في نطاق الأسرة، ثم تنمو هذه الحاجات لكي تشمل موافقة الرفاق - كما هو واضح في مرحلة المراهقة. ( محمد وسليمان ، 1994 : 80 )
ان المراهق يتعلم كيفية إشباع حاجاته الأساسية عن طريق التعلم الاجتماعي، ويدرك أن قيامه بأدوار الراشدين هو السبيل الوحيد کي يحقق لنفسه مكانة أو نضجا، ومن ثم فإنه يسعى جاهدة كي يحقق هذا النضج، ومن هنا نجد أن المراهق في حاجة إلى أن يرتبط بأخرين يعايشون ما يعایشه من تطورات وتغيرات، ويشعرون بما يشعر به من مشاعر وأحاسيس . ( قشقوش ، 1985 : 265 )
ان كل مرحلة من مراحل النمو الانساني لها خصائصها، فمرحلة المراهقة لها خصائصها الخاصة، وذلك نتيجة لكل التغيرات والتطورات النمائية الهائلة ، وكذلك بعض التعقيدات المختلفة التي قد ترتبط بهذه المرحلة الحساسة والحرجة ، سواء من الناحية الاجتماعية أو الإنفعالية أو الفسيولوجية . ( فرج ، 1993 : 22 )
ان مرحلة المراهقة مرحلة حرجة، فهي فترة انتقالية مؤقتة يعتريها الكثير من التغيرات السريعة، ولهذه التغيرات تأثير على الاستقرار النفسي للمراهق، فيفقد الأمن والطمأنينة حيث يتساءل عما يعتري جسده من تغيرات، وما يطرأ على مشاعره وانفعالاته من تبدل واضح، وما يواجهه من مواقف اجتماعية جديدة عليه، ونتيجة ذلك قد يدرك المراهق الخوف والشعور بعدم الأمن. ( النغيمشي ، 1415 : 45 ) ، ( عقل ، 2009 : 405 ) ، ( زهران ، 1977 : 307 )
كما أن تحقيق وجود المراهق في هذه المرحلة يكون في إحساسه بالأمن النفسي ، وبالانتماء للآخرين وانتماء الأخرين له وحبه للآخرين ، وحب الآخرين له، وأن يكون موضع تقدير الآخرين. وهكذا يبدو أن معنى تحقيق الوجود في هذه المرحلة يختلف عن معناه في حالة الطفل، أي أن معنى الوجود في مرحلة النضج، هو وجود الإنسان في تحقيقه لتلك الصفات التي تميزه عن غيره من المخلوقات، وتصل به إلى المستوى الأعلى والأمثل، وهو مستوى تحقيق الإنسانية . (الأشول ، 1982 : 498 )
مما سبق نجد أن الحاجة السيكولوجية من الحاجات الكامنة في الطفولة، ولهذا يحتاج المراهق الشعور بالأمن من قبل أفراد أسرته حتى يتغلب على كثير من صعوبات هذه المرحلة والتي تبدو في صورة بحث المراهق عن الأمن الجسمي والصحة الجسمية، وبحثه عن الشعور الداخلي بالأمن، والحاجة الى تجنب الخطر، ومصادر الألم، والحاجة الى الحياة الأسرية المتقبلة له والآمنة.
تعليقات