ما هي المعرفة ؟ وما الفرق بينها وبين العلم ؟ |
بحث عن المعرفة :
(1) مقدمة عن المعرفة .
(2) مفهوم المعرفة والفرق بينها وبين العلم .
(3) أنواع المعرفة .
(4) خاتمة عن المعرفة .
مقدمة عن المعرفة :
منذ أن خلق الله الإنسان علي الأرض وهو يحاول التعرف علي ذاته وعلي من حوله من عناصر ومكونات داخل البيئة ، ولعلنا نتذكر أن سيدنا آدم وسيدتنا حواء كانا أول خلق إنساني ووسوس لهما الشيطان ليقتربا من الشجرة التي حرمها الله عليمها في الجنة وأباح لهما - سبحانه وتعالى - كل شئ في الجنة ما عدا أن يأكلا من هذه الشجرة ، ولكنهما أطاعا الشيطان في هذه الجزئية ، فلما بدت لهما سوءاتهما كان أمر الله قد نفذ ، فتقبل الحق استغفارهما ، وأنزلهما إلى الدار الدنيا .
ولعلنا نتذكر أيضا قابيل عندما قتل أخاه هابيل لأن الثاني قدم قرباناً إلى الله طيباً خالصاً ، والأول قدم قرباناً ولكن ليس طيبا وليس خالصا ، فتقبل الله - عز وجل - قربان هابيل ، فغار قابيل وقام بقتل أخيه ولم يعرف كيف يدفنه حتى أرسل الله - سبحانه وتعالى - غراباً يدفن غراباً في التراب ليعلمه كيف يكون الدفن وليخبر نفسه بأنه عجز أن يكون مثل هذا الغراب ، لأن المعرفة لديه كانت ناقصة .
وفي ضوء ذلك فلقد حاول الإنسان منذ القدم التعرف علي البيئة والظواهر المحيطة به والعمل علي تسخيرها لصالحه .
مفهوم المعرفة والفرق يبنها وبين العلم :
تعرف المعرفة علي أنها :
مجموعة المعاني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التي تتكون لدي الإنسان نتيجة لمحاولاته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به .
والمعرفة علي هذا النحو تتضمن العمومية والاتساع والشمولية والتنوع ، وهي تتضمن المعارف الشخصية والفلسفية والتجريبية العلمية والدينية ، وعلي ذلك فالمعرفة أشمل من العلم ، لأنها تتضمن معارف علمية ومعارف غير علمية .
أما العلم هو :
المعرفة المصنعة التي تم التواصل إليها بإتباع قواعد المنهج العلمي الصحيح ، مصاغة في قوانين عامة كالظواهر الفردية المتفرقة .
وعلي ذلك فإن التفرقة بين المعرفة والعلم تخضع لإتباع الباحث لقواعد المنهج العلمي الدقيق من ملاحظة ووضع فروض واختبار الفروض والوصول إلى نتائج دقيقة ، فإذا اتبع الباحث قواعد المنهج العلمي الصحيح كان ما توصل إليه معرفة علمية أي علم ، أما إذا لم يراعي قواعد المنهج العلمي في ما توصل إليه فهي معارف وليست علم .
وفيما يلي توضيح لأنواع المعارف :
انواع المعرفة :
أولاً : المعرفة الحسية :
يملك الإنسان حواس خمس هي اللمس والشم والسمع والتذوق والبصر ، ويستخدم الإنسان عادة في ملاحظاته العادية والعابرة والسريعة جزء أو كل من هذه الحواس ، فمن حاسة الشم يتعرف الإنسان مثلا علي الروائح الطيبة والفاسدة وعلي الغذاء السليم والحامض الفاسد ، ومن حاسة البصر يتعرف الإنسان علي جمال الطبيعة والبشر ومخلوقات الله ، ولعلنا جميعا نستمتع بالمناظر السياحية الجميلة في بلادنا كما نستمتع بالأسماك والشعب المرجانية خلابة الألوان .
وحاسة السمع بالتأكيد مفيدة جداً لنتعرف علي الأصوات وعلي خشونتها أو رقتها أو قوتها وخضوعها ، ولعل بعض الأصوات تكون أكثر تعبيرا وأكثر جاذبية من أصوات أخرى .
أما حاسة التذوق فهي بالتأكيد مفيدة جداً في اختياراتنا لنوعية الأطعمة والمشروبات التي نفضلها والتي نرفض نتاولها ، وكذلك حاسة الإحساس واللمس هامة للتعرف علي ملمس الجسد وقوة البدن وسلامة الجسم من عدمه ، وهكذا كل حاسة من الحواس تقدم معرفة جديدة للإنسان .
فالمعرفة الحسية هي المعرفة البسيطة البدائية التي تعرف الإنسان من خلالها علي الكون والظواهر المحيطة به ، وبمرور الوقت وتراكم المعارف الحسية ظهرت مفاهيم وآراء وخبرات مشتركة بين البشر يطلق عليها الأمريكان " الرأي العام " common sense أو الحس العام أو الأولي المشترك ، لأنه يأتي بداهةً دون منطق أو تحليل وتفسير وعلم ، فهو يعتمد علي حكم الناس علي الأمور في ضوء إحساسهم خبراتهم البسيطة .
والآراء المشتركة في الواقع لأنها بدائية وساذجة متداولة بين البشر فهي قد تختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر في مكان آخر أو في نفس المكان ، وقد تختلف من موقف لآخر ، ولهذا نجد في الأمثال والحكم الشعبية بعض لأقوال وعكسها فمثلا هذا مثل إلى البعد عن أي شئ ليس لك فيه دخل حيث يقول المثل : " أردب ما هو لك ما تحضر كيله " ، وعلي ذلك بالمعرفة الحسية تخضع للتجربة الشخصية وتخلو من الموضوعية ولم يتم التوصل إليها بإتباع قواعد المنهجي العلمي الصحيح .
ثانياً : المعرفة الفلسفية :
الأمر الطبيعي بعد استخدام الحواس في ملاحظة الظواهر أن يستخدم الإنسان العقل للتفكير فيما تقدمه الحواس من معلومات ومعارف .
فالمعرفة الفلسفية أرقي من المعرفة الحسية ، ولكنها أقل دقة من المعرفة التجريبية ، لأن المعرفة الحسية إذا كانت تعالج الأمور بالمحسوسات فإن المعرفة الفلسفية تعالج الأمور بالتفسير العقلي سواء كانت هذه الأمور حقيقية أو مفترضة .
والمعرفة الفلسفية تستخدم قواعد المنطق والقياس والاستدلال وليس الاستقراء فهي تركز علي المبادئ الكلية ولا تهتم بالجزيئات وتحاول تفسير الأشياء في ضوء الأسباب والمبادئ لهذه الأشياء .
وتخضع المعرفة الفلسفية لمنهج أرسطو ويطلق عليه " المنهج الأرسططاليس " ، ويعتمد علي القياس الصوري الذي يعتمد علي حقائق معروفة لا يقبل الشك فيها وينتقل من الكليات إلى الجزئيات ومن التسليم بالمقومات إلى الوصول حتماً إلى نتائج جزئية يوثق فيها .
مثال1 :
ما ضاع حق وراءه مطالب ................ حسن يطالب بحقه
إذن : حسن لن يضيع حقه
مثال2 :
المنزل الواسع يحقق السعادة ................. أحمد يملك منزل واسع
إذن : أحمد سيحقق السعادة .
مثال3 :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
الشعب المصري يريد الحياة
إذن : لا بد ان يستجيب القدر لإرادة الشعب المصري
ومن الملاحظ أن التفكير الفلسفي لم يقدم جديدا في النتائج السابقة فنحن نعرف من مقدمات القضايا الثلاث أن حسن لن يضيع حقه طالما طالب به ، وأن أحدم سيحقق السعادة طالما كان يملك منزلاً واسعاً ، وأن الشعب المصري سينتصر وستعلو إرادته طالما كان راغباً في الحياة وتحقق الأمل والغد الأفضل .
ورغم ذلك فإن الأسلوب القياسي وإن كان لا يقدم جديدا إلا إنه يؤدى إلى نتائج جديدة في صورها وأشكالها وألوانها وأحجامها وأطوالها فهو مثل الصانع الذي يشكل من الأدوات والمعادن والأخشاب ما يريد من إشكال جديدة .
وقد يفيد القياس الصوري في تنمية القدرة علي الحوار المناقشة والجدل وتفيد الأمور والنظر من زوايا مختلفة ، وقد يفيد أيضا في ربط الأفكار ببعضها وإظهار جوانب الاتساق والتساند العضوي والوظيفي بين مكونات وعناصر الشئ .
ولكن القياس الصوري لا يقدم نفعاً جديداً عن العلاقة بين المتغيرات وبعضها ولا عن العلاقات والأسباب ولا يستطيع إثبات المبادئ العلمية ولذلك فهو وإن كان مرحة هامة من مراحل تفكير الإنسان ومرحلة هامة في المعرفة البشرية إلا أنه لا يفيد في تنمية القدرة على الإبداع والابتكار والتجديد فهو يفسر لنا ما نعلمه ويخفي عنا ما نجهله ، فضلا عن كون المعارف المتضمنة داخلi لم يتم التوصل إليها بإتباع قواعد المنهج العلمي فهي ليست معرفة علمية ولكن معرفة فلسفية تخضع للمنطق والقياس العقلي ، وكما أشرنا تعرف النتائج في ضوء المقدمات ولعل المثل الشعبي يعبر عن ذلك بالقول " يعرف الجواب من عنوانه " .
ثالثاً : المعرفة العلمية :
تقوم المعرفة العلمية علي المنهج العلمي الذي يعتمد علي خطوات أهمها الملاحظة ثم وضع الفروض واختيارها من خلال تجارب محددة وجمع البيانات وتعريفها وتفسيرها وتحليلها واستخلاص النتائج للوصول إلى القوانين والنظريات والقواعد العلمية التي تمكننا من فهم الواقع والتنبؤ أو التوقع لما يمكن أن يحدث مستقبلاً في نطاق هذه الظروف .
ويعتمد المنهج العلمي علي الاستقراء induction أي الاعتماد علي دراسة الجزئيات ( مفردات الظاهرة ) حتى نصل إلي العموميات ( كليات الظاهرة ) ، والاستقراء نوعان :
1- استقراء كامل ( تام ) :
أي دراسة جميع مفردات الظاهرة وهذا أمر غاية في الصعوبة ، فمثلا إذا أردنا اختبار قوة لهب الكبريت فهل من العقل أن نشعل جميع علب الكبريت ؟ وكذلك إذا أردنا تذوق طعم التونة فهل من المنطقي فتح جميع علب التونة وتذوقها ؟
فالاستقراء التام أو الكامل غير عملي ومكلف ويحتاج وقت طويل وليس بالضرورة أن نصل منه إلى كامل الحقيقة .
2- استقراء ناقص ( غير تام ) :
يعتمد علي دراسة بعض مفردات الظاهرة وليس كل المفردات ، وهذا هو الأمر العملي والموفر للوقت والجهد والمحقق للهدف .
وفي الاستقراء الناقص يكتفي الباحث بدراسة بعض النماذج ثم يحاول الكشف عن القوانين العامة التي تخضع لها جميع الحالات المشابهة والتي لم تدخل في نطاق بحثه .
وعلي ذلك فالاستقراء الناقص يكشف عن الحقائق المجهولة ويفيد في الوصول إلى تعميمات علمية هامة ومختصر في الجهد والوقت والمال ويحقق الهدف .
ويمكن القول أن الاستقراء الناقص ( غير التام ) أفضل من الاستقراء الكامل ( التام ) حيث أن الاستقراء غير التام هو أساس العلم .
فليس من المتصور عن دراسة ظاهرة ما مثل الطلاق مثلا أن أدرس جميع حالات الطلاق في المجتمع ، وإذا افترضنا رغم صعوبة ذلك أنني درست بالفعل كل الحالات ولكن سقطت مني حالة فهل من المنطقي ألا تنتهي الدراسة لحالات الطلاق ؟!
لذلك من الأفضل هو دراسة بعض الحالات الممثلة للمجتمع واستخلاص النظريات التي تحكم هذه السلوكيات وتلك المظاهر .
رابعاً : المعرفة الدينية :
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وخلق له الحواس المختلفة والعقل وأمره بالعلم والسعي والبحث وفضل العلماء علي سائر خلقه ، ولكن الحق جل جلاله يعلم أن معرفة الإنسان قاصرة وعلمه محدود وأن فوق كل ذي علم عليم ، لذلك أرسل الله الرسل للبشر وأنزل عليهم الوحي ليخبرهم بالمعارف اليقينية المثلي التي تنظم لهم حياتهم وعلاقاتهم حتي لا يضلوا .
وإذا كان معيار الصدق للحواس هو مطابقة الواقع ومعيار الصدق للعقل القياس والاستلدلال والاتساق ، ومعيار الصدق في العلم هو التجربة واختبار الفروض والوصول إلى نتائج يمكن التأكد منها بإعادة إجراء التجارب في الظروف المشابهة ، فإن معيار الصدق في المعرفة الدينية هو الكتاب والسنة فكتاب الله القرآن الكريم لا يأتيه الباطل ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .
وكلما تقدم العلم كلما زادت اكتشافاتنا لجوهر وعظمة وإعجاز القرآن الكريم ، والرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لم يعرف عنه الكذب أبداً فهو الذي أسماه أعداؤه الكفار بالصادق الأمين ، والذي لم يغدر بهم حين هاجر وهم يناصبونه العداء بل ترك لهم ودائعهم مع سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فمعيار الصدق لدي الرسول أنه لا يتكلم إلا بما يعلمه الله له وبما يوحي إليه .
خاتمة عن المعرفة :
إن التوجه العلمي الجديد لم يعد يفصل بين ما هو حسي وما هو عقلي وما هو تجريبي وما هو ديني ، ولكن فلسفة العلم الحديث الآن لم تعد تعطي الوزن الأكبر للظواهر المادية فقط التي قامت عليها فلسفة العلوم في القرن التاسع عشر بل أصبحت فلسفة العلم الحديث تنظر إلى الإنسان كبدن وروح معاً ، فالمعارف العلمية إذن هي نسيج متكامل من المعارف الدينية والعلمية معاً دون فصل أحدهما عن الأخرى .
تعليقات