بحث عن الأسرة :
محتويات البحث :
(2) الأصل التطوري والتاريخي للأسرة .
(3) تعريف الأسرة .
(4) تعقيب علي تعريفات الأسرة .
(5) الأسرة في الأديان السماوية .
(6) الاتجاهات النظرية في دراسة الأسرة .
(7) خصائص الأسرة .
(8) أنماط الأسرة .
(9) وظائف الأسرة .
مقدمة عن الأسرة :
لقد كانت الأسرة وما زالت تعد ميدان بحث واهتمام الكثير من المتخصصين في مختلف مجالات العلوم الإنسان نظراً لأهميتها ، لذلك عكفوا علي دراستها كل منهم حسب اختصاصه ، وإن كانت قد تميزت تحليلات علماء الاجتماع عن غيرهم من علماء العلوم الاجتماعية نظراً لأن مهمة علم الاجتماع تركز علي دراسة المشكلات الاجتماعية عامة ، وما من شك أن تصدي علماء الاجتماع لدراسة مشكلات الأسر محاولين أن يوجهوا إمكاناتهم النظرية والإمبريقية لدراسة الواقع الفعلي الذي يظهر فيه العديد من المشكلات .
ومن هذا المنظور فإن الأسرة تحتل مكانة اجتماعية وتربوية باعتبارها جماعة أولية تشكل منطلقا للحياة الاجتماعية وتعد فضاء يتلقي فيه أفرادها مبادئ وأصول العلاقات الإنسانية والتنشئة الاجتماعية ، ومن هنا يكتسب الأفراد أدوارهم الأولية ، باعتبارهم أعضاء في أسر ، وبالتالي فإن الأسرة تساهم في خلق المراكز الاجتماعية كالجنس ، الاسم ، الدين وغيرها .
وهذا ما أكده العالم الاجماعي " بوجاردوس " Bogardos الذي يقول : " تنشأ الأسرة استجابة لحاجة ضرورية دون أن تفرض علي أحد ، إذ أن الطبيعة قبل ظهور الإنسان هي التي أنشأت الأسرة ، ولقد استمرت الأسرة بصورة أو بأخرى دون انقطاع ، وطوال التاريخ منذ نشأتها حتى الآن ، فهي كخلق عجيب تستحق أن تصلح موضوعا للدراسة والبحث .
وإنطلاقا من هذه النظرة القائلة بصلاح الأسرة للدراسة والبحث ، من حيث نشأتها ، وتنظيمها ، وتركيبها ، ووظائفها ، وتنوعها ، والأماكن التي تتواجد فيها عبر التاريخ ، علي جانب التغيرات والتطورات التي أثرت فيها سواء المتعلقة بتماسكها أو انحلالها .
وتبعاً لكل هذا سوف نستعرض بشكل موجز الأصل التاريخي والتطوري للأسرة .
الأصل التطوري والتاريخي للأسرة :
إن الأسرة تعد أقدم كل المنشآت الاجتماعية ، أقدم حتى من نظم الزواج ذاتها التي هي بداية تكوينها في المجتمع ، ونجدها في المجتمعات أو الجماعات البدائية الأولي ، حينما كان الرجل مركزاً اهتمامه علي الصيد ، كانت المرأة منصرفة إلى تربية أبنائها والاهتمام بشؤون البيت ، طيلة مدة غياب الزوج ، مما جعل نفوذ الأم في البيت يزداد ويكبر وهذا ما جعل الأم والأولاد يشكلون العنصر الثابت للأسرة ، وفضلا عن رعاية الأطفال كانت الأم تقوم أيضا بقطف الثمار والتقاطها ، وزرع الحبوب لذلك كانت الأسرة في ذلك الوقت توسم " بالأسرة الأم " ، حتى أولادها يتكونون ويتوارثون ثرواتها كما هو الشأن بالنسبة للهنود الحمر بأمريكا .
وحينما حل الرعي محل اصيد وسادت الحياة الرعوية ، عرفت الأسرة نوعا من الاستقرار النسبي ، وأصبح الأب هو رب الأسرة ، بسبب المهمات القتالية التي أصبح يضطلع بها للدفاع عن القطيع والأسرة ، خاصة وأن حياة الرعي كانت متميزة بالغزوات التي تقع من طرف علي آخر ، وتتعرض فيها النساء إلى الاختطاف والسبي والأسر ، ولهذه الظروف قويت سلطة الأب وأصبحت معها تعرف " بالأسرة الأب " ، وأصبح الأبناء يرثون عنه ويحملون اسمه .
تعريف الأسرة :
يمكن القول بأنه مشكلة التعريفات من المشاكل التي تواجه المتخصصين في العلوم الاجتماعية ، والسبب في ذلك يرجع إلى اهتمامات الباحثين ونقطة انطلاقتهم الأساسية التي يركزون عليها بالدراسة والتحليل ، هذا بالإضافة إلى تعدد المفاهيم والمصطلحات التي تتداخل مع بعضها عند تفسير المشكلات والقضايا والظواهر الاجتماعية .
ويمكن عرض تعريفات الأسرة علي النحو التالي :
(1) تعريف أوجبرن ونيمكوف Ogburn / nimkoff :
يعرفان الأسرة بأنها عبارة عن رابطة اجتماعية تتألف من زوج وزوجة وأطفالهما أو بدون أطفال وقد تكون الأسرة أكبر من ذلك بحيث تضم أفراداً آخرين كالأجداد والأحفاد وبعض الأقارب .
(2) تعريف لندبرغ lundberg :
يتصور الأسرة علي أنها النظام الإنساني الأول ، وأهم وظائفها إنجاب الأطفال للمحافظة علي النوع الإنساني ، وتستمد جميع النظم الأخرى أصولها من الحياة الأسرية ، وعلاوة علي ذلك فإن جميع أنماط السلوك سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية ، تربوية ، والضبط الاجتماعي ... فجميعها ظهرت داخل الأسرة .
(3) تعريف بل وفوجل Bell-Vogel :
يعرفان الأسرة علي أنها : " وحدة بنائية تتكون من رجل وإمرأة يرتبطان بطريقة منظمة اجتماعياً مع أطفالهما ارتباطاً بيولوجياً أو عن طريق التبني " .
(4) تعريف بيرجس ولوك Burgess/Locke :
الأسرة : " مجموعة من الأشخاص يرتبطون معا بروابط الزواج أو الدم أو التبني ويعيشون في منزل واحد ويتفاعلون معا وفقا لأدوار اجتماعية محددة ويعملون علي المحافظة علي نمط ثقافي واحد " .
تعقيب علي تعريفات الأسرة :
من التعريفات السابقة يمكن القول أنه توجد عدة تعاريف للأسرة ، وأول ما يلاحظ ان طبيعة الاختلاف حول التعريفات يرجع إلى اختلاف طبيعة المجتمع الذي توجد فيه الأسرة ، علاوة علي ذلك فإن الأسرة قد أخذت أشكالاً متعددة ، فهناك الأسر الممتدة ، وهي الجماعة التي تتكون من عدد من الأسر المترابطة سواء كان هذا النسب فيها إلى الزوج أو الزوجة وانهم يعيشون في سكن واحد ، وهذا لا يختلف كثيرا عن الأسرة المركبة أو ما يعرف في بعض الكتابات بالأسرة المتصلة .
كما نجد أن تحليلات علماء الأنثروبولوجيا والإثنوجرافيا قد ركزت علي اكتشاف الأنماط المختلفة للأسرة ، وهذا ما ادي إلى اختلاف وتنوع مفاهيم الأسرة حسب هذه الأشكال .
ونشير هنا إلى أن استخدام كلمة الاسرة كما حددتها التعريفات السابقة تكشف عن مدى تداخل بين المفهوم والعديد من المفاهيم الأخري ، وإن كانت كتابات الأنثروبولوجيا وعلماء الإثنوجرافيا قد أسهمت كثيرا في الكشف عن التداخل بين هذه المفاهيم وغيرها مثل : القرابة – العشائر – العائلة ... وغيرها من المفاهيم القرابية الأخرى .
الأسرة في الأديان السماوية :
عندما جاءت الأديان السماوية دعمت مركز الأب داخل الأسرة ، من خلال ما جاءت به هذه الأديان من تعاليم ، وهو ما تدل عليه قصة الخلق التي بدأت من آدم ومن أحد أضلعه كانت حواء للدلالة علي أهمية التركيز علي الأسرة الأبوية ، فالتوراة أولت أهمية كبيرة للأب وأعطته مركزاً كبيراً في الأسرة عبر ما ورد فيها من قصص ووقائع حول سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وإسحاق ويعقوب ، ومن خلال ما حمله موسي عليه السلام علي الواحة الحجرية من وصايا " أكرم أباك وأمك ليطول عمرك علي الأرض " ، وذكر الأب هنا قبل الأم ، يعد بمثابة ترتيب تفضيلي وليس تمثيلي ( أي ليس من باب التمثيل بل التفضيل ) .
ولما جاءت المسيحية أكدت هي الأخرى هذا الأمر ، وربطت مفهوم الأب بالأبن المسيح ، ومما يؤكد علي هذا ما يقرأ علي مسامع العريس والعروس في احتفال زواجهما الكنيسي من خلال مخاطبة بولس الرسول الزوجة قائلا " أيتها النساء أطعن رجالكن " .
أما الإسلام فقد ميز الأب عن الأم " الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم " ، وكذلك " للذكر مثل حظ الأنثيين " في الميراث لأنه سيكون رب أسرة وعليه تقع الأعباء المالية للأسرة مما يجعل مسؤوليته إزاء اسرته كبيرة ، واهتم الإسلام بالتربية وفي هذا قول الرسول صلي الله عليه وسلم " لاعب ولدك سبعا ، وأدبه سبعا ، واصحبه سبعا ، ثم اتركه بعد ذلك " كما أوصي الإسلام معاملة الوالدين معاملة حسنة وحث الأولاد علي احترامهم وحسن معاملتهم " وبالوالدين إحسانا " " لا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " .
ولقيت الأسرة التي تعد الخلية واللبنة الأولي في بناء المجتمع ، اهتمام القرآن الكريم بتنظيم احكامها مفصلة ، حيث بين لكل فرد فيها حقوقه وواجباته .
وإذا حاولنا استقراء التاريخ عبر فتراته البعيدة ، قبل ظهور المسيحية والإسلام ، سنجد أن الأسرة في عهد الإمبراطورية الرومانية كانت قائمة علي عبادة وتقديس الأسلاف ، حيث كان الجدود يحتلون مراتب التقديس وتعطي للأب سلطة الإله علي الزوجة والأبناء ، ولعل هذا يعود إلى نمط تفكيرهم القاضي بالمحافظة علي الأسرة واستمرارها .
ومن هنا كانت الأسرة الرومانية تحبذ فكرة بناء منازلها قرب المعابد ، حتى تكون قريبة من مقابر الأجداد ، ويكون بذلك أفراد الأسرة قريبين من أجدادهم وأسلافهم ، وهكذا كان النظام الصارم في الأسرة ، وخضعت المرأة اليونانية لسلطة الرجل طيلة حياتها ، هذا الخضوع حرمها من جميع حقوقها سواء كانت هذه الحقوق مرتبطة بالأم أو الزوج ، ويرجع ذلك إلى افتقادها للأهلية ، ولدي الرومان كانت سلطة رب الأسرة لا حدود لها ، إذ يبيع وينفي ويعذب ويقتل النساء اللائي تحت سلطته ، إلى غاية مجئ جوستينيان الذي أعطي المرأة بعض الحقوق .
وفي المؤتمر التقدمي الذي انعقد في فرنسا سنة 586م بعد مولد الرسول بخمسة عشر سنة طرح السؤال : " هل المرأة إنسان له روح يسري عليه الخلود أم حيوان نجس ليس له روح ؟ وبعد المناقشات قرر المؤتمر أن المرأة إنسان وليس حيوان وإن أبدي المؤتمر تحفظاً هاماً فقال إنها إنسان خلق لخدمة الرجل " .
وعكس ذلك تماما ، نجد الإسلام منح للمرأة الحقوق العامة والخاصة ، وأعطاها الحرية في التصرف في أموالها ، وفي اختيار شريك حياتها ، بإرادتها دون ضغط أو إكراه ، وسوي بينها وبين الرجل في المسؤولية والأجر والثواب والعمل ، وبين أن المرأة والرجل من أصل واحد لا تفاوت بينهما .
فالأسرة في نظر الشريعة الإسلامية أسمي من أن تكون مجرد وسيلة لإنجاب البنين ، بل هي الخلية الاجتماعية الأولي التي تبني المجتمع ، من خلال ما تزرعه وتبثه من بذور الحب والمودة بين الزوجين والأولاد ، بما تسعي إليه من وسائل التعاون والتضامن بين أفرادها وبما تهدف إليه من وحدة متماسكة لبناء المجتمع الكبير علي أسس من الأخوة والتعاطف والتآزر يعرف كل فرد فيها ما عليه من واجبات وما له من حقوق .
ومن كل ما سبق يمكن القول أن الأسرة عبارة عن نظام أساسي وضروري لا بد منه ، حيث يشمل هذا النظام المجتمعات البشرية أينما كانت وحينما وجدت ، وعليه يتوقف بقاء الجنس البشري وبالتالي بقاء المجتمع ، وهذا يعني أن كل أسرة تقوم بمهامها الطبيعية والأساسية في كل مجتمع ، وتكون الأسرة وفق المفاهيم والتصورات والعقائد السائدة في هذه المجتمعات ، من حيث التقاليد والعادات الموروثة ، ولهذا تتعرض أحكام الأسرة للتغيير ، كلما حدث تغيير في مفهوم الأسرة وتصورها في إطار التغيير المذهبي أو العقائدي ، وأيضا كلما تطورت العادات والتقاليد نتيجة عوامل مختلفة ، هذا التطور يرتبط بالعلاقات القائمة بين افراد الأسرة ، كتراجع سلطة رب الأسرة ، أو تراجع التكافل الاجتماعي بين افراد الأسرة .
وأحكام الأسرة في المجتمعات الإسلامية تتصل بمفهوم الإسلام بالأسرة ، وإيمان هذه الشعوب بالدين الإسلامي ومفاهيمه وإيمانهم القوي بأن مصدره الأول إلهي وأن هذه الأحكام هي بالضرورة موضوع مسؤولية أمام الله ومحل للحل والحرمة كما أنه تتصل أيضا بتقاليد وعادات هذه المجتمعات .
الاتجاهات النظرية في دراسة الأسرة :
من خلال تفحص التراث السوسيولوجي يمكن الكشف عن تباين وجهات نظر علماء الاجتماع حول تحليلهم للأسرة وذلك طبقاً للأفكار الأيديولوجية والاتجاهات النظرية والفكرية التي ينطلق منها كل واحد عند دراسته لقضايا وموضوعات ومشكلات المجتمع بصورة عامة ، ويمكن عرض أهم الاتجاهات النظرية في دراسة الأسرة علي النحو التالي :
(1) البنائية الوظيفية :
ربما الحديث عن دراسة الأسرة طبقاً لتصورات البنائية الوظيفية تجعلنا نطرح عدة تساؤلات منها : ما هي طبيعة وظائف الأسرة ؟ وما هي علاقة الأسرة كنسق ببقية الأنساق الاجتماعية ؟ .
ان هدف هذه التساؤلات تجعلنا ننظر إلى الأسرة باعتبارها من البناءات الاجتماعية التي لها وظائف اجتماعية تقوم بها سواء بالنسبة للأعضاء الذين يشكلون نسقا أو بالنسبة للأفراد الآخرين .
بالإضافة غلى ذلك فإن الأسرة كنسق تتداخل من أنساق اجتماعية أخرى ، وهذا ربما يتجلي أكثر عن أصحاب البنائية الوظيفية المحدثة الذين يركزون علي نظرية الأنساق الاجتماعية ، كما جاءت في تصورات عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز T.Persons وحددت الخلل الوظيفي علي بناءات الأسرة كما جاءت في تصورات تلميذه روبرت ميرتون R.Merton .
وتندرج تحت تحليلات البنائية الوظيفية : " تحليلات جورج ميردوك G.Murdock " عندما حلل أكثر من 250 مجتمعا داخل المجتمعات الغربية في جميع أنحاء العالم لمحاولة التعرف علي طبيعة الوظائف الأساسية التي تقوم بها الأسرة ، وتوصل إلى وجود وظائف .... وحاول أن يميز بين الوظائف محللا أنه لا يوجد في المجتمع أي فرد لا يحتاج إلى مثل هذه الوظائف .
والوظائف التي طرحها ميردوك هي : الوظيفية الجنسية sexual والإنجاب reproductive ، والاقتصادية economic والتعليمية أو التربوية educational .
كما سعي تالكوت بارسونز لاختبار تصوراته الوظيفية عند دراسته للأسرة الأمريكية علي وجه الخصوص ، مركزا علي دراسة الوظيفة التعليمية وبالخصوص علاقة الأسرة بعملية التنشئة الاجتماعية ولا سيما تركيزه علي دور الأسرة في إعداد الأطفال ، وحدد بارسونز هدف عملية التنشئة الاجتماعية إلى إدماج الفرد داخل الثقافة المجتمعية وكذلك تهدف هذه العملية إلى تكوين الشخصية لهذا يقال أن تحليلات تالكوت بارسونز هي عبارة عن جسر يربط بين علمين هما علم الاجتماع وعلم النفس وتعكس تصورات التداخل بين العلوم والفصل يكون فقط لأغراض تحليلية .
وسعي بارسونز لمناقشة وظائف الأسرة باعتبارها نسف فرعي يرتبط بنسق فرعية أخرى ، وهذا ما اكد عليه بارسونز في عملية الاستقرار والمحافظة علي النسق الأكبر ( المجتمع ) .
ضف إلى ذلك فإنه من الناحية السوسيولوجية الشئ الذي أضافه تلميذه ميرتون هو فكرة الخلل الوظيفي dysfunctional داخل الأسرة ، وتعتبر تحليلات ميرتون القاعدة أو الركيزة التي اعتمد عليها كلا من فوجل vogel و بيل bell في دراستهما حول الخلل في النواحي العاطفية لدي الأطفال نتيجة لوجود نوع من التغيرات البنائية الوظيفية داخل الأسرة ، وهذا ما يعكس عدم تكيف الأطفال سواء مع جماعاتهم الأولية أو جماعات الأصدقاء والجيران .
(2) منظور الصراع :
عند ذكر منظور الصراع يتجه الفكر مباشرة إلى التحليلات الماركسية التي ترتبط بين دراسات الأسرة والوضع الاجتماعي للطبقات الاجتماعية .
ولقد عكست تصورات كلا من ماركس وانجلز عن الأسرة كغيرهم من علماء القرن التاسع عشر ، عندما حاولا دراسة الأسرة من منظور تطوري تاريخي وربطها بأنماط الإنتاج المتغير .
لقد ناقش انجلز خلال دراسته للتاريخ البشري كل من العلاقات الجنسية وعمليات إنجاب الأطفال ، كما حددت أيضا نظم الزواج والحياة الأسرية والسبب يرجع إلى سيطرة الطبقات الحاكمة والمالكة لوسائل الإنتاج ، التي تتحكم في وضع القوانين واللوائح المنظمة للطبقات الاجتماعية الفقيرة ، وتشريع قوانين تحكم علاقاتهم الزواجية والأسرية بل أيضا تتحكم في أعداد وحجم الأسر .
أما في عقد الستينات والسبعينات جاءت تصورات الماركسية المحدثة neomarxists حول دراسة الأسرة مثل تحليلات مارجريت بنستون M.Benston ، فران إنسلي F.Ansely ، وكيبتي ماكيفي K.Mcafee ، وما ريت وود M.Wood ، ودافيد كوبر D.Cooper ، وغيرهم من الذين ناقشوا تصورات البنائية الوظيفية وتوعية المجتمع الرأسمالي ، وكيف تكرس الطبقات الرأسمالية جهودها بامتلاكها جميع مؤسسات الإنتاج المختلفة من أجل التحكم في الحياة الأسرية والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية داخل الطبقات الفقيرة ، كما سعب بعض الدراسات السابقة لدراسة أنواع الإحباط النفسي والاجتماعي بين الطبقات الفقيرة التي تعاني من انخفاض مستويات المعيشة .
(3) المنظور التفاعلي :
إن تصورات هذا المنظور نجدها مجسدة خاصة في أعمال جورج زيمل ووليم جيمس وجارلس هارتن وهربرت ميدو وغيرهم من الذين ركزوا علي فهم وتفسير السلوك البشري الممارس من قبل الإنسان في محيطة الاجتماعي .
وينطلق هذا النهج من كون الإنسان بأنه شبه اجتماعي وليس بالكامل أو أنه ضد المجتمع ، ومن ثم يتحول إلى كائن اجتماعي بعدمها تخضع لمؤشرات عملية التفاعل الاجتماعي التي تحصل بينه وبين أسرته عبر التنشئة الأسرية والاجتماعية التي بها يتعلم ويكتسب دوره وأدوار الآخرين وتصوراتهم .
ويمكن القول أن عملية التفاعل الاجتماعي حسب أصحاب هذا الاتجاه توضح كيف تحصل بين الطفل وافراد أسرته التي تبدأ من تلقينه موقعه داخل الأسرة من حيث تسلسله فيها وما هو نوع جنسه وما يجب أن يقوم به من تصرفات سلوكية مع الآخرين وذلك بتعليمه رموزاً وإشارات مجتمعه الثقافية وبذلك يتحول هذا الوليد إلى كائن بشري اجتماعي بعد ممارسته لمعظم مستلزمات ومتطلبات دوره آنذاك تتولد ذاته الاجتماعية .
يمكن القول أن المنظور التفاعلي حصر رؤيته داخل الأسرة موضحا تفاعلاتها فيما بينها وتكيفات أعضائها للمواقف والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها عبر معايشتها للواقع الاجتماعي ، وبهذه الكيفية ينظر أصحاب هذار المنظور غلى الأسرة علي انها خلية اجتماعية عند تطبيع سلوك الطفل بالسلوك الإنساني – الاجتماعي .
خصائص الأسرة :
إن النظام الأسري حقيقة تختلف من مجتمع لآخر ، إلا ان هناك عددا من الخصائص تشترك فيها الأنظمة الأسرية ومنها ما يلي :
(1) الأسرة ظاهرة ذات وجود عالمي ، فقد وجدت في جميع المجتمعات وفي كل مراحل النمو الاجتماعي ، لهذا فهي أكثر الظواهر الاجتماعية عموماً وانتشاراً وهي أساس الاستقرار في الحياة الاجتماعية .
(2) تقوم الأسرة علي أوضاع ومصطلحات يقرها المجتمع فهي ليست من صنع الفرد ، ولا هي خاضعة في تطورها لما يريده القادة المشرعون أو يرتضيه لها منطق العقل الفردي ، وتخلقها طبيعة الاجتماع وظروف الحياة ، وما القادة والمشرعون إلا مسجلين لاتجاهات مجتمعاتهم ومترجمين لرغباتها .
(3) الأسرة بالضرورة جماعة محدودة الحجم ومن أصغر هيئات المجتمع ، ونلاحظ أن الإقامة المشتركة والالتزامات القانونية والاقتصادية والاجتماعية المتبادلة بين افرادها هي قواعد أساسية لقيام هذه الوحدة الاجتماعية .
(4) تتصف العلاقات داخل الأسرة بالتماسك والتواكل ، والتوحد في مصير مشترك حيث يصبح الفرد عضوا يقاسم الأعضاء الآخرين .
(5) الأسرة هي الوسط الذي اصطلح عليه المجتمع لتحقيق غرائز الإنسان ، ودوافعه الطبيعية والاجتماعية ، منها بقاء النوع ، وتحقيق الغاية من الوجود الاجتماعي وتحقيق العواطف والانفعالات الاجتماعية ، منها عواطف الأبوة والأمومة والأخوة وهذه كلها عبارة عن قوالب ومصطلحات يحددها المجتمع للأفراد ، لهذا نجد أن الأسرة بوصفها مؤسسة اجتماعية هي ضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري واستمرار الحياة الاجتماعية .
(6) إن نظام الأسرة في أمة من الأمم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعتقدات هذه الأمة ودينها وتقاليدها وتاريخها وعرضها الخلقي ، وما تسير عليه من نظم في شؤون السياسة والاقتصاد والتربية والقضاء .
(7) تعتبر الأسرة الإطار العام الذي تحدد تصرفات افرادها فهي التي تشكل حياتهم ، وتضفي عليها خصائصها وطبيعتها ، وفإذا كانت قائمة علي أسس دينية اتسمت حياة أفرادها بالطابع الديني ، وإن كانت قائمة علي اعتبارات قانونية اتسمت حياة أفرادها بالطابع التقديري والتعاقدي ، والأسرة هي التي تنقل التراث القومي والحضارة من جيل إلى جيل ، وهي مصدر العادات والتقاليد وقواعد السلوك والآداب العامة ، وهي دعامة الدين ، وتقوم بأهم وظيفة اجتماعية هي عملية التنشئة الاجتماعية .
(8) الأسرة باعتبارها نظاماً مفتوحاً تؤثر وتتأثر في بقية الأنظمة الأخرى القائمة في المجتمع وتتكامل معها ، فإذا كان النظام الأسري في مجتمع ما منحلا وفاسدا فإن هذا الفساد يتردد صداه في الوضع السياسي وإنتاجه الاقتصادي ومعاييره الخلقية ، وإذا كان النظام الاقتصادي أو السياسي فاسداً فإن الفساد يؤثر في مستوي معيشة الأفراد وفي خلقها وتماسكها .
(9) الأسرة دائمة ومؤقتة في الوقت نفسه ، فهي دائمة من حيث كونها نظاما موجودا في كل مجتمع إنساني ، وفي كل زمان ومكان ، وهي مؤقتة لأنها لا تبقي إذا كنا نشير إلى أسرة معينة ، بل أنها تبلغ درجة معينة في الزمن ثم تنحل ، وتنتهي بموت الزوجين ، وزواج الأبناء وتحل محلها أسر أخرى .
(10) للأسرة طبيعة مزدوجة تتمثل في أن كلا من الزوج والزوجة يرتبط بأسرتين .
أنماط الأسرة :
لقد اختلفت أنماط الأسرة باختلاف المجتمعات البشرية وهذا ما انعكس في التباين والاختلاف بين العلماء لتعريفهم للأسرة ، وعموما توجد عدة تصنيفات لأنماط الأسرة يمكن إيجازها فيما يلي :
(1) تصنيف الأسرة علي أساس الشكل :
توجد عدة أصناف تندرج تحت هذا التصنيف ومن أهمها :
- الأسرة النواة Nuclear Family :
وتعتبر الأسرة الصغيرة التي تسود طبيعة المجتمع البشري الحديث ، وهي تتألف عموماً من الزوج والزوجة وأولادهما ، كما يطلق مصطلح آخر علي هذه الأسرة باسم الأسرة الصغيرة الزواجية conjugal family .
- الأسرة المتعددة الزوجات Polygnoms Familly :
ويحدث هذا النوع في بعض الأحيان عندما تعيش عدة أسر حياة زواجية معا في وحدة اجتماعية ، ويكون أساس الترابط فيها هو وجود زوج مشترك بين عدة زوجات .
- الأسرة متعددة الازواج Erreur Liaison incorrecte :
ويحدث هذا النوع نتيجة وجود زوجة واحدة يشترك في الحياة معها ومعاشرتها مجموعة من الازواج . ( انظر إلى الخاصية السادسة من خصائص الاسرة )
- الأسرة الممتدة extended family :
ويظهر هذا النوع من حيث الشكل طبقاً للنشاط أو الوظيفة الاقتصادية ووجود نوع من التعاون بين أفراد الأسرة ، وأحيانا يطلق علي هذه الأسرة بالأسرة المركبة compound family وقد يشمل هذا النوع ثلاث أو أكثر من الأجيال في اسرة واحدة .
(2) تصنيف الأسرة من حيث الانتساب :
يقصد بهذا التقسيم ، تقسيم أنواع الأسرة حسب انتساب الأفراد إليها ، حيث ينتمي الفرد إلى اسرة بالميلاد يطلق عليها اسم اسرة التوجيه family of orientation وتقوم بعملية إكساب الفرد القيم والعادات والتقاليد والمعايير وعمليات التنشئة الاجتماعية ، أما النوع الثاني من الأسر يطلق عليه أسرة التناسل family of procreation والتي يكون فيها الفرد عن طريق الزواج والإنجاب .
(3) تصنيف الأسرة علي أساس القرابة :
يستند هذا التقسيم إلى درجة النسق القرابي سواء إلى الأب او الأم ، بمعني إذا كان الطفل ذكرا أو أنثي ينتمي إلي اسرة الأب عند الميلاد ، فإنه يلتحق بأسرة الأب أما أمه وأفراد أسرتها يعتبرون أجانب عنه ولا تربطهم صلة قرابة ، أما إذا كانت صلة القرابة تنتمي إلى النظام الأموي ، فالولد يلتحق بأمه وأسرة أمه أما أبوه وأفراد أسرة أبيه يظلون أجانب .
(4) التصنيف علي أساس السلطة :
يندرج تحت هذا التصنيف أربعة أنواع من الأسر هي :
1- الأسرة الأبوية patriarchal وتكون مصدر السلطة للأب .
2- الأسرة الأموية matriarchal وتكون مصدر السلطة للأم .
3- الأسرة الابنائية filiarrchal ويكون فيها مصدر الاسرة إلى أحد الأبناء .
4- الأسرة القائمة علي أساس المساواة equalitarian مصدر السلطة الديمقراطية للجميع .
وظائف الأسرة :
تعدد وظائف الأسرة وتنوعت خاصة في المجتمع الحديث ، وإن كانت تؤكد تحليلات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا علي أن طبيعة وجود الأسرة كنظام اجتماعي له مجموعة من الوظائف التي تؤديها للأفراد حتى تشبع رغباتهم وحاجاتهم الأساسية وهذا ما جعل البعض يطلق علي الأسرة بأنها نظام اجتماعي متعدد الوظائف كما جاء في التحديد في كتابات G.Murdock .
ويمكن إبراز أهم وظائف الأسرة فيما يلي :
(1) الوظيفة الجنسية :
الأسرة هي النظام الرئيسي ، والمجال المشروع اجتماعيا ليشبع الفرد رغباته الجنسية بصورة يقرها المجتمع ويتقبلها أي وفق قواعد تمثل في جملتها تنظيمات اجتماعية تتحكم في العادات والتقاليد .
(2) وظيفة الإنجاب والتكاثر :
تقوم الأسرة بإنجاب الأطفال ، وهم الوحدات البشرية التي يقوم عليها المجتمع ، مما يضمن للمجتمع نموه واستمراره .
(3) الوظيفة التربوية :
تلعب الأسرة دوراً هاما في عملية التنشئة الاجتماعية أو ما يعرف بالتدريب غير الرسمي للأطفال علي تبني أنماط السلوك " والتنشئة الاجتماعية هي عملية إكساب الفرد شخصيته في المجتمع لمساعدته علي تنمية سلوكه الاجتماعي الذي يضمن له القدرة علي استجابات الآخرين وإدراك أهمية المسؤولية الاجتماعية .
(4) الوظيفة الاقتصادية :
يمكن القول ان الأسرة جماعة اجتماعية مسؤولة عن توفير الحاجات المادية لأفرادها ، وكانت الأسرة فيما مضي تمثل وحدة اقتصادية إنتاجية مكتفية بذاتها ، أما في الوقت الراهن ونتيجة للتطور في وسائل الانتاج أصبحت الأسرة تمثل وحدة استهلاكية بسبب التغيير الاجتماعي الذي طرأ علي الأسرة ، الناتج عن التقدم العلمي والتكنولوجي ، بحيث أصبحت الوظيفة الاقتصادية المتمثلة في الإنتاج والتوزيع من وظائف المنظمات المتخصصة ، وكذلك الشأن بالنسبة للميادين الصحية والتربوية والترفيهية ، مما جعل الأسرة تتحول من وحدة إنتاجية إلى وحدة إستهلاكية .
وبالنتيجة فإن معظم الوظائف الاقتصادية انتقلت إلى مسؤولية الدولة ، وبعض المؤسسات الخاصة ، وهكذا يمكن القول أن العلة في هذا التغيير ، يعود إلى التغيير الاقتصادي الذي يعد المسؤول الأول عن هذا التحول ، وهنا يري البعض أن مجتمع الأسرة لن يتجاوز حد كونه رفقة وزمالة في العشرة ، وان البيت هو أحد الأمكنة للترويح وقضاء وقت الفراغ .
تعليقات