ما هي الثقافة ؟ |
بحث عن الثقافة :
محتويات البحث :
(2) مفهوم الثقافة .
(3) تعريف الثقافة .
(4) نظريات الثقافة .
(5) خصائص الثقافة .
(6) الشكل البنائي للثقافة .
(7) مكونات الثقافة .
(8) الثقافة والمجتمع والفرق بينهما .
(9) الثقافة والنظم الاجتماعية .
(10) الثقافة والتنشئة الاجتماعية .
(11) البعد الثقافي للشخصية .
(12) المحددات الثقافية للشخصية .
مقدمة عن الثقافة :
يعتبر موضوع الثقافة من المواضيع التي احرزت اهتماما بالغا في ميادين عدة كعلم الاجتماع ، والانثروبولوجيا ، وعلم النفس وغيرها ، وذلك لأنها تمثل روح المجتمع وحقيقته ، فهي مدخل أساسي وضروري لفهم الإنسان والحياة الاجتماعية ، فبواسطتها يكتسب الإنسان جانبا هاما من شخصيته وعن طريقها يميز بين مجتمع وآخر .
والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يملك الثقافة ، فقد زوده الله تعالي بالعقل وبجملة من الاستعدادات والملكات التي تؤهله وتساعده علي اكتساب هذه الثقافة ، متغلباً بهذا علي العقبات التي يمكن ان تصادفه في حياته من خلال منظومة التفكير والعادات والتقاليد والأعراف والفنون ، والتشريعات والأخلاق والمعتقدات والأساطير .
فالثقافة إذا ينشئها المجتمع أو يستعيرها في مظاهر اجتماعية نفسية تحتل مكانها في الوجود الاجتماعي وتعبر عن نفسها عن طريق السلوك الاجتماعي للأفراد ضمن نماذج مختلفة كالعادات والتقاليد والأعراف وغيرها .
مفهوم الثقافة :
الثقافة من الثقف في لغة العرب قديما ، يقال في لسان العرب في المجلد العاشر " ثقف الشئ حذقه " .
أما في دائرة معارف القرن العشرين المجلد الثاني فيقول " ثقف ، تثقف ، ثقافة فطن وحذق وثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع أخذه ، وثقفه يثقفه يثقفه ثقفاً غلبه في الحذق والتثقيف هو الحاذق الفطن " ، أما في القوامين الحديثة فتقول : " ثقف ثقافة أي صار حاذقا خفيفاً وثقف الكلام فهمه بسرعة " .
وتعبر الثقافة عند العرب أيضا عن ( الحكمة ) وهي لفظ مشتق من كلمة ( الثقاف) وهي الأداة التي كان المربي يسوي بها الرمح ، فيقال : " إن الرمح أصبح مثقفا " ، وثقف الشئ أي أقام المعوج فيه وسواه ، والإنسان أدبه وهذبه وعلمه ، وعليه يمكن اعتبار الثقافة كلفظ يشير إلى التعلم والتهذيب والفطنة والوعي والتفوق والحذق .
أما في اللغات الاخري غير العربية فإن الإصل الاصطلاحي لكلمة ثقافة مشتق من الفعل اللاتيني ( colar ) ومعناه ( يغرس أو يعلم ) وهنا يصبح الاسم أو المدلول العلمي يختلف عن المعني اللغوي كثيرا .
وعليه يعرف الغربيون الثقافة عموما أنها : " تهذيب العقل والذوق والسلوك بالتربية والتعليم " ، ومع هذا يبقي هناك نوع من الجدل فيما إذا كان مصطلح ( culture ) يترجم باللغة إلى ( ثقافة ) أو ( حضارة ) .
ونجد لدي تايلور ( 1871 ) أن الثقافة بمعناه الاصطلاحي الفني الانثروبولوجي الحديث أقل ارتباطا بمفهوم التقدم في درجاته العالية ، لذا فضل استخدام اصطلاح الثقافة علي اصطلاح الحضارة .
وإذا رجعنا إلى أشهر تعريفات الثقافة علي الإطلاق ، نجد أن تايلور هو من أعطي مفهوم الثقافة معناه الاصطلاحي ، حيث استعاره من الألمانية kutlur متأثراً بالعالمي الألماني جوستاف كليم ( 1802-1867) الذي نشر أول مجلد له يحتوي علي عشر مجلدات بعنوان تاريخ الثقافة متحدثا فيها عن التطور التدريجي للبشرية ككل .
أما تايلور فأشهر أعماله كتابه ( الثقافة البدائية ) والذي عرف الثقافة فيه علي أنها " ذلك المركب المعقد الذي يشمل المعلومات والمعتقدات والفن والأخلاق والعرف والتقاليد والعادات وجميع القدرات الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يكتسبها بوصفه عضواً في مجتمع " .
ويمكننا القول أن العديد من التخصصات تناولت تعاريف مختلفة للثقافة ، اعتمادا علي محكات معينة ندرجها فيما يلي :
التعريفات الوصفية للثقافة :
تتميز بتعداد محتويات الثقافة ، وهي غالبا ما تكون تايلورية متأثرة بتعريف تايلور الشهير للثقافة ، كما سبق ذكره ، ومن بين رواد الاتجاه الوصفي لتعريف الثقافة :
- لنتن linton ( 1936 ) :
عرف الثقافة علي أنها هي ذلك المجموع الكلي للأفكار والاستجابات العاطفية المشروطة ونماذج السلوك المتعود الذي اكتسبه أعضاء المجتمع من خلال التوجيه أو المحاكاة والذي يشتركون فيه بدرجة كبيرة أو قليلة .
- مالنوفسكي Malinowski ( 1944 ) :
الثقافة هي ذلك الكل المتكامل الذي يتكون من الأدوات ، والسلع ، والخصائص البنائية لمختلف المجموعات الاجتماعية من الأفكار الإنسانية والحرف والمعتقدات والأعراف .
نستلخص مما سبق أن التعريفات الوصفية لـ " الثقافة " تعتمد علي مستين أساسييتين هما :
أولا : النظرة إلى الثقافة باعتبارها كل شامل أو وحدة شاملة .
ثانيا : تعداد المظاهر المختلفة لمحتوي الثقافة .
التعريفات التاريخية للثقافة :
تنفرد هذه التعريفات بأنها تجعل التراث الاجتماعي أو التقاليد في بؤرة اهتمامها كما تعبر عن مجموعة العمليات التاريخية المتراكمة خلال السياق أو المترسبة في الزمان التاريخي ، والمنتقلة من جيل إلى جيل ، فاستخدام اصطلاح الثقافة عند المؤرخين للدلالة علي الإنجازات الخاصة في المجالات الفكرية والفنية .
فهي إذن ترتكز علي التراث أو التقليد الاجتماعي بدلا من التركيز علي تعريف الثقافة بشكل موسع ، ومن بين أهم رواد هذا التوجه :
- سابير Sapir ( 1921 ) :
عرف الثقافة علي أنها : هي مجموعة الممارسات والمعتقدات المتوارثة اجتماعياً ، والتي تحدد جوهر حياتنا .
- راد كليف براون Radcliffe-brown ( 1949 ) :
يري أن الحقيقة التي يتضمنها اصطلاح الثقافة من وجهة نظره كسيكولوجي ، تتبلور في عملية اكتساب التقاليد وهي العملية التي تشغل بها اللغة والمعتقدات والافكار والذوق الجمالي والمعرفة والمهارات والاستخدامات في مجموعة اجتماعية معينة أو طبقة اجتماعية ، ومن شخص لآخر ، ومن جيل إلى آخر .
التعريفات المعيارية للثقافة :
ترتكز تعريفات الثقافة المعيارية علي فئتين فرعيتين :
أ- فئة تهتم بالثقافة كقاعدة وطريقة أو أسلوب .
ب- فئة تبرز أهمية المثل والقيم .
ومن بين من يمثل الفئة الأولي نجد :
- هيرسكوفيتس Herskovits ( 1948 ) :
الثقافة هي طريقة حياة الناس بينما المجتمع هو جمع منظم من الأفراد الذين يتبعون طريقاً معيناً للحياة ، وفي تعبير أبسط فإن المجتمع يتكون من أفراد ، أما الطريقة التي يسلكون بها فهي ثقافتهم " .
ومن بين من يمثل الفئة الثانية نجد :
- توماس Thomas ( 1937 ) :
الثقافة هي القيم المادية والاجتماعية لأي جماعة من الناس ، سواء كانت متوحشة أو متمرنة ( وهي نظمهم ، وأعرافهم ، واتجاهاتهم ، وردود أفعالهم ) ، فهو يمثل أهمية مفهومي المثل والقيم في التعريفات المعيارية للثقافة .
التعريفات السيكولوجية للثقافة :
تضع تعريفات الثقافة السيكولوجية في بؤرة اهتمامها الثقافة كعملية تكيف وتوافق إلى جانب كونها أداة لحل المشكلات ، وكذا تبرز عنصر التعلم الإنساني فيها ، فنجد مثلا :
- يونج Young ( 1934 ) :
يري أن الثقافة هي : الأساليب الشعبية folk ways وهذه الأساليب المستمرة كمعالجة المشكلات والنظم الاجتماعية ، فالثقافة تتكون من ذلك الكل من السلوك المتعلم أو نماذج سلوك أي جماعة ، التي تتسلمها من جماعة سابقة أو جيل سابق عليها ثم تسلمها بدورها بعد ان تضيف إليها جماعات لاحقة أو جيل لاحق .
أما بالنسبة لتعريف الثقافة كمركبات من السلوك المكتسب من قبل الجماعات الإنسانية فنجد أن :
- بندكت Benedict ( 1947 ) :
تري أن الثقافة هي الاصطلاح السوسيولوجي للسلوك المكتسب ، ذلك السلوك الذي لا يكتسبه الإنسان بالميلاد والذي لا تحدده خلاياه الوراثية مثلما الحال عند الدبابير أو النمل ، لكنه سلوك لا بد أن يتعلمه من جديد ، الجيل الصغير من الأجيال الأكبر منه .
وتبدو في هذه التعريفات تأثير نظرية التعلم السيكولوجي ومحاولات للتقريب بين الأنثروبولوجيا وعلم النفس لكن يؤخذ عليها أنها تؤكد فقط أن الثقافة هي وسيلة لحل المشكلات أو للتوافق ، مع أن الثقافة أحيانا ما تخلق مشكلات لأنها كثيرا ما تخلق حاجات تتطلب الإشباع وليس دائما تمد الأفراد بوسائل إشباع الحاجات .
التعريفات البنيوية للثقافة :
تتميز تعريفات الثقافة البنيوية بمستين أساسيتين هما :
أ- وجود تأكيد علي العلاقات التنظيمية المتبادلة بين مظاهر الثقافة المختلفة .
ب- إبراز الصفة التجريدية للثقافة بمعني الحديث عنها كتجريد .
فنجد مثلا :
- دولارد Dollard ( 1939 ) :
ان الثقافة اسم يطلق علي العادات المجردة ( عن حامليها ) والمرتبطة بعضها ببعض ، لمجموعة اجتماعية ، وهو بهذا التعريف يعبر عن الثقافة كخطة عمل للحياة أو نسق من برامج العمل للحياة ، لكنها ليست الحياة نفسها ، إنها تحدد ردود أفعال الناس لكنها ليست في ذاتها ردود أفعالهم فهو يحرر الثقافة كثقافة من السلوك ويجردها من النشاط الإنساني .
وقد أثار هذا المفهوم التجريدي للثقافة جدلا بين الأنثروبولوجيين .
- هوايت :
الذي فسر الاسباب الكامنة وراء ظهور الاتجاه التجريدي في تعريف الثقافة ير ي أن تعريفها كسلوك إنساني سيجعلها المادة الأولي لعلم النفس أو علي الأقل كموضوع من موضوعات المدرسة السلوكية في علم النفس ، فهي بهذا تصبح ملكاً للسيكولوجيين وحدهم وبالتالي تصبح الانثروبولجيا ليست لها مادة للدراسة وعليه يجب الاتفاق علي أن السلوك هو موضوع السيكولوجيين بينما يحتفظ الانثروبولوجيين بالتجريدات التي يستخلصونها من هذا السلوك .
وقد بحث ( هوايت ) عن ماهية التجريدات غير المحسوسة المرتبطة بسلوك معين فصاغ ( النظرية الرمزية ) في تعريف الثقافة ، أين يمكن أن نميز بين ما هو سلوكي وما هو ثقافي فمثلا نجد ان تدخين سيجارة أو أداء شعائر الصلاة افعال تعتمد علي الرمزية فتقع هذه الأفعال تحت ما يعرف بالسلوك الإنساني بينما العلاقة الرمزية بعيدا عن جسد الكائن الإنساني كعادات الزواج أو تقسيم العمل بين الجنسين أو أشكال التنظيمات السياسية مثل القبيلة والدولة ، فهي سمات ثقافة تخضع لعلم الثقافة .
التعريفات التطورية للثقافة :
تنطوي تحت تعريفات الثقافة التطورية ثلاث اتجاهات هامة :
- اتجاه ينظر إلى الثقافة باعتبارها نتائج product مثل جروفز groves ( 1928 ) " الثقافة هي نتائج التفاعل الإنساني " .
- اتجاه ينظر إلى الثقافة علي كونها أفكار ideas مثل تايلور : " أقصد بالثقافة كمفهوم وصفي تلك الأبنية العقلية أو الأفكار التي يكتسبها الفرد أو يخلقها بعد مولده وتشمل الأفكار كل من الاتجاهات والمعاني والعواطف والمشاعر والقيم والأهداف والاهتمامات والمعارف والعلاقات والارتباطات والمعتقدات " .
- اتجاه ينظر إلى الثقافة بوصفها رموز symbols مثل بين bain ( 1942 ) : " الثقافة هي كل أنواع السلوك التي تنتقل بواسطة الرموز " .
وبالاعتماد علي ما سبق من اتجاهات نجد أن الاتجاه الأول يلتقي علي نحو ما مع التعريفات التاريخية التي تؤكد علي جانب التقاليد والتراث .
أما الاتجاه الثاني فيحاول إبراز الجانب غير المادي للثقافة ، فالثقافة حسبهم هي فكرة وراء شئ مادي أو مصنوع وما الصلاة والاحتفالات في ثقافة من الثقافات إلا تعبير خارجي مرئي عن فكرة ثقافة معينة .
التعريفات الشمولية للثقافة :
تتميز تعريفات الثقافة الشمولية بأنها لا ترتكز علي جانب واحد فقط من جوانب الثقافة كما رأينا فيما سبق من تعريفات ، بل تحاول قدر الإمكان أن تتناول الثقافة من أكثر من زاوية فهي تتتميز بسمات أساسية هي :
- أنها تحاول تناول الثقافة من أكثر من جانب فنجد أنها تجمع مثلا بين النظرة الوصفية والتاريخية والمعيارية والتطورية .
- أنها تحاول أن تحلل الثقافة فتبين مكوناتها وماهيتها .
- أنها تحاول تفسير نشأة الثقافة كل من وجهة نظرها.
فنجد أن التعريف " الماركسي " للثقافة يري أنها ظاهرة تاريخية ، كما أنه يربط بين الثقافة والمجتمع الذي تنشأ فيه ويعطي تفسيراً لنشأة الثقافة وهو التفسير المادي التاريخي .
أما تعريف كرويبر وكلاكون : فيمتاز بشمولية أكثر من التعريف الماركسي إذ يضم أيضا النظرة السيكولوجية للثقافة باعتبار أن الثقافة مكتسبة كسلوك ينتقل بواسطة الرموز أما قلب الثقافة فيتكون من الأفكار التقليدية ( المكونة والمنتقاة تاريخياً ) ، خاصة ما كان منها متصلا بالقيم فهو بهذا يبرز الصلة الوثيقة بين الثقافة والشخصية .
تعقيب علي تعريفات الثقافة :
مما سبق من تعريفات للثقافة يمكن ان نخلص في الأخير إلى أن التعريف الجيد للثقافة هو الذي يكون إجابة علي ثلاثة أسئلة تتعلق بـ :
- ما هي الثقافة ؟
- وكيف ؟
- ولماذا ؟
فإجابة الأول عن ماهية الثقافة ستصف محتوياتها ومكوناتها أما الإجابة الثانية فمتعلقة بدينامية الثقافة تحليل وظائفها وعوامل تغييرها وانتقالها من جيل إلى جيل أما الأخير فمتعلق بتفسير نشأة الثقافة وعوامل وجودها واستمرارها وبقائها وتغييرها وفنائها .
تعريف الثقافة :
من التعريفات السابقة للثقافة يمكننا تعريفها كالتالي :
الثقافة هي كل ما يرثه الفرد عن محيطة الاجتماعي وبيئته المادية واللامادية بواسطة التعليم والتربية وتكسبه كل أساليب السلوك المشتقة من مجالات النشاط البشري التي تتضمن العلوم ، المعتقدات ، الفنون ، القيم ، والقوانين والعادات وكل الأشياء المادية التي يصنعها الإنسان .
نظريات الثقافة :
اختلفت التوجهات النظرية لتوضيح مفهوم الثقافة ولكن وبالاعتماد علي أهم الأسس الخاصة بالثقافة يمكن أن نوجز أهم النظريات والتي من بينها :
(1) نظرية لنتن linton theory :
يري ( لنتن ) أن المجتمع والثقافة يعتمد كل منهما علي الآخر حيث لا يستطيع الواحد منهما أن يشكل كيانا كاملا دون الآخر ، فالثقافة هي التي تمكن أعضاء المجتمع من العيش والعمل معا ، كما لا يمكن للفرد ان يلم بالمجموعة الكلي لمحتوي الثقافة في مجتمعه لأن هذا المحتوي الثقافي أغنى من أن يستطيع عقل واحد بمفرده أن يستوعبه كاملا .
ويقرر لنتن أنه بالإمكان تقسيم ثقافة أي مجتمع إلى ثلاث فئات رئيسية :
- الفئة الأولي : تضم الأفكار والعادات والاستجابات العاطفية المشروطة والتي يخضع ويشترك فيها جميع الأعضاء البالغين العاقلين في المجتمع ، وتسمي هذه العناصر العناصر العامة التي من أمثلتها : اللغة ، نماذج اللباس ، والمساكن ، والنماذج المثالية للعلاقات الاجتماعية ، كما يجب الإشارة إلى أن هذه العناصر العامة تنطبق علي محتوي ثقافة معينة لأن العنصر الثقافي الذي قد ندرجه ضمن الصفات العامة لإحدي الثقافات قد لا يوجد في ثقافة أخرى .
- الفئة الثانية : تضم العناصر الثقافية التي يشترك فيها أعضاء جماعات معينة من الأفراد ولكن لا يشترك فيها مجموعة افراد المجتمع وتسمي بالعناصر التخصصية وتدخل فيها جميع النشاطات المتنوعة والتي يعتمد بعضها علي بعض اعتمادا متبادلا ، ويعني هذا أن المجتمع في نطاق توزيع العمل أسند إلى قطاعات من أفراده نشاطات متنوعة تخص مثلا أصحاب الحرف أو بعض الوظائف الخاصة التي لا يعرفها إلا عدد محدود من أفراد المجتمع كالأطباء ، رجال القضاة ، المعلمون ، وغيرهم من أصحاب المهن المتخصصة .
- الفئة الثالثة : تضم عددا كبيرا من الخاصيات لكنها ليست شائعة بين أفراد المجتمع جميعا وتسمي هذه العناصر بالعناصر الثقافة البديلة والتي تشمل العادات والأفكار ، وكثيرا ما تنفرد بها عائلة معينة دون غيرها أو فئة اجتماعية دون أخرى .
كما نجد أن العناصر البديلة عادة ما تكون قليلة العدد في الثقافات البسيطة بينما تكثر في المجتمعات ذات الثقافات المعقدة ، فمن أجل تحقيق غاية النقل مثلا : نجد كبدائل متنوعة الخيول ، والدراجات ، والخطوط الحديدية والسيارات والطائرات والسفن ... .
وأخيرا يمكن أن نوجز أن كل ثقافة حسب ما يري " لنتن " تتألف من قسمين القسم الأول منها مجموعة مستقرة من العناصر الثقافة " العامة " " والتخصصية " تشكل في مجموعها وحدة متماسكة ذات أجزاء متكيفة بعضها مع بعض ، أما التقسيم الآخر فيمثل مجموعة مائعة من العناصر الثقافية ، التي تتعرض إلى التغير المستمر والتي تمثلها عناصر الثقافة البديلة .
(2) نظرية " مالينفسكي " :
هو من أبرز علماء الانثروبولوجيا الذين أسهموا في مجال تعميق مفهوم ( الثقافة ) فنظرية الثقافة في نظره تقوم علي الحاجات الأساسية والاحتمالات المختلفة لإرضائها ، فهو يحاول بهذا ان يبين ان الحاجات الأساسية للفرد وإشباعها الثقافي يرتبط ارتباطا وثيقاً باشتقاق حاجات ثقافة جديدة ، وأن هذه الاخيرة تفرض علي الفرد والمجتمع نوعا ثانوياً من الجبرية والإلزام ، وأن العلاقة بين أي نشاط ثقافي وأي حاجة إنسانية أساسية هي علاقة وظيفة ، حيث تشبع هذه الوظيفة حاجته بنشاط يتعاون فيه الناس ويستعملون الأدوات ويستهلكون البضائع .
كما يري أيضا أن الثقافة هي الكل المركب والمتكامل الذي يشمل سلع المستهلكين والمواثيق التي تتعاهد عليها الجماعات المختلفة ، والأفكار ، والحرف الإنسانية والمعتقدات والأعراف ، فهي في حقيقة الأمر كل ما يتعلق بعملية تنظيم بني البشر في جماعات دائمة .
(3) نظرية سمنر :
يري سمنر أنه لكي يتم إرضاء الحاجات الضرورية للفرد ، لا بد من قيام الناس أفراداً أو جماعات بأفعال وبطرق وأساليب مختلفة من النشاط الذي يغلب عليها المحاولة والعشوائية ، والتي لا بد وأن تتكرر مرة بعد مرة ، وسنة بعد سنة ، وفي أثناء هذا التكرار وعن طريق التجربة والخطأ يكتشف الناس طرقا ناجحة صائبة ومفيدة ، واخرى فاشلة وضارة ، ومن البديهي أن الناس عندما يتبين لهم صلاحية أسلوب ، قيمة أو طريقة ما من طرق السلوك في إرضاء حاجاتهم يرغبونها ويكررونها في كل مناسبة تتطلبها ويتمسكون بها مع مرور الزمن ، فتصبح بهذا عادة اجتماعية يتعارف عليها الناس ويعلمون علي ترسيخها وتثبيتها في نفس الأفراد ، كما يعلمون أيضا علي نقلها جيلا بعد جيل في شكل أعراف وتقاليد تحترص عليها الجماعة وتحترمها .
وخلاصة لهذا يمكن القول أن الطرق الشعبية بكل فروعها من عادات وأعراف وتقاليد وآداب وسلوك تستمد أصولها من التجربة الاجتماعية للناس ، من تفاعلهم وتعاملهم مع بعضهم في حياتهم الاجتماعية المشتركة ، فهي بهذا تتشكل بصورة غير واعية ، وغير مقصودة .
فالعادات إذن سابقة علي الفرد ، كما أنها ليست من خلق تفكيره الهادف ، بل تنبثق من المحاولة والخطأ وتنمو مع التجربة فيسير وفقها الفرد دون وعي مننه ودون تفكير منطقي فهو مضطر بل ومنساق بشكل يكاد يكون سحرياً إلى أن يصب قوالب سلوكه ، ويشكل أعماله وفقها دون أن يخطر بباله أن يتدخل فيها أو يحاول تعديلها وتطويرها .
واعتمادا علي هذا التحليل نجد أن " سمنر " بنظريته في الطرق الشعبية التي تترادف إلى حد كبير مع الثقافة ألقي الضوء علي نشأة الثقافة وعلي مميزاتها وخصائصها أيضا .
(4) نظرية مالك بن نبي :
يري الفيلسوف الاجتماعي الجزائري مالك بن نبي أن الثقافة لا تضم في مفهومها الأفكار فحسب وإنما تضم أسلوب الحياة في مجتمع معين من ناحية ، وتخص السلوك الاجتماعي الذي يطبع تصرفات الفرد في ذلك المجتمع من ناحية أخرى .
كما يري أن الثقافة في أي مجتمع من المجتمعات هي انعكاس للواقع الموضوعي لذلك المجتمع بكل ما فيه من ماديات ، ومعنويات ، فالثقافة كما عرفها في كتابه " مشكلة الثقافة " هي مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته ، لتصبح لا شعورياً تلك العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه ، فهي بهذا المحيط الذي يشكل فيه الفرد شخصيته ، وحين تتكون ثقافة مجتمع ما بهذا الشكل فإنها تخلق تاريخه حيث تولد العلاقة بين التاريخ والثقافة ، إذ ليس ثمة تاريخ بلا ثقافة ، فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما تاريخه .
خصائص الثقافة :
بما أن الثقافة هي ميزة المجتمع الإنساني ، كما أنها المميز بين أي مجتمع إنساني وآخر ، وذلك لاختلاف ثقافة كل مجتمع عن ثقافات غيره من المجتمعات الأخرى ، ومن بين أهم خصائص هذه الظاهرة الاجتماعية ما يلي :
(1) الثقافة نتاج اجتماعي إنساني :
الإنسان هو الوحيد الذي يملك الثقافة دون غيره من الكائنات الأخرى ، وباعتباره عنصراً في مجتمع إنساني ، فلا وجود للثقافة دون مجتمع إنساني ، ولا وجود للمجتمع الإنساني دون ثقافة ما ، فإذا محونا من أي مجتمع إنساني ثقافته فإننا بذلك نكون قد سلخنا عنه بشريته .
فالثقافة بدأت منذ الفترة التي بدأ فيها الإنسان يستخدم علقه في سبيل الوصول إلى حياة أفضل أي أنها نشأت كنتيجة لصراع العقل الإنساني مع الطبيعية ومحاولة التحكم في الظروف المحيطة ، وكثيرا ما تكون عملية خلق الثقافة غير ملحوظة وتدريجية فلا يمكننا تحديد متى بدأت عادات معينة مثل عادات التحية تحديدا دقيقاً ، فهي بهذا لا تورث بيولوجيا كتوارث نماذج مبسطة من السلوك كتناول الطعام ، والبكاء وطرفة العين التي تشاهد مظاهرها عند صغار الأطفال لأن أساسها الحاجات البيولوجية الموروثة ، لكنها في الأصل تتحد بالثقافة فهي التي تعطيها المعني .
والثقافة اجتماعية بمعني أن الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات معينة يشتركون في ثقافة معينة ، تجعلهم يميلون إلى أداء الأفعال بالطريقة نفسها تقريبا فالعادات الجمعية أو العادات المشتركة في جماعة معينة ( الأسرة أو القرية أو القبيلة ) هي التي تكون الثقافة أو ما تسمي بالثقافة الفرعية .
(2) الثقافة مكتسبة :
يكتسب الإنسان الثقافة من مجتمعه منذ مولده عن طريق الخبرة الشخصية ، وبما أن كل مجتمع إنساني يتميز بثقافة معينة ومحددة بزمان ومكان ، فإن الإنسان يكتسب ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه منذ الصغر ، وبالرجوع إلى كون الثقافة مكتسبة فلا ندخل في نطاقها الدوافع الفطرية وكذلك السلوك الفطري ، والأفعال المنعكسة والحركات الفسيولوجية في جسم الإنسان لإشباع حاجات فطرية ، فمثلا نظام الطعام ، أو نظام الرعي ، أو نظام الصيد اخترعها الإنسان فهي في مجموعها أفكار وأعمال معينة بغرض إشباع الحاجات الفطرية .
فالأنظمة الثقافية إذن هي من اختراع الإنسان ، تنتقل من فرد لآخر ومن جيل إلى جيل ضمن اصطلاح التراث الثقافي والاجتماعي .
ويشير " هويل " إلى اعتبار عامل السلوك المكتسب أو المتعلم عاملا ضرورياً في الثقافة ، إذ من الضروري عند مناقشة مفهوم الثقافة الابتعاد عن كل ما هو غريزي لأنها جوهرها حصيلة النشاط البشري الممثل في العمل والتفاعل والاختراع والابتكار الاجتماعي .
(3) الثقافة مستمرة :
تعتبر استمرارية الثقافة فكرة أساسية عند " تايلور " فالعناصر والملامح الثقافية لها قدرة هائلة علي الانتقال من جيل إلى جيل لعدة قرون ، وأن الكثير من هذه الملامح التي تمثل العادات والأفكار والعقائد والخرافات والأساطير ... تحتفظ بكيانها ووجودها لعدة أجيال وبالرغم من تعرض المجتمع للتغير المفاجئ أو التدريجي ، إلا أن العناصر الثقافة تستمر في البقاء محافظة علي صورتها القديمة الأصلية متحدية بهذا كل تغيير أو تبديل.
كما تؤكد صفة الاستمرار للثقافة علي بقاء الوحدات الثقافية بالرغم من زوال السبب الذي وجدت من أجله فنجد مثلا : الحكم والأمثال الشعبية أو النكت أو الفنون التشكيلية القديمة لا تفقد قيمتها بالرغم من تباين واختلاف الأذواق من عصر لآخر .
(4) الثقافة كل متكامل :
يري أصحاب الاتجاه الوظيفي في الانثروبولوجيا أن الثقافة تحتوي علي خاصية التكامل الثقافي إذ ينظر هؤلاء إلى الثقافة علي اساس أننها تشكل أنساقاً متكاملة ومتجانسة فالتكامل الثقافي هو ظاهرة اجتماعية تساعد النظام الثقافي علي الاحتفاظ بطابعه عندما تحدث له تغيرات ، فهو الانسجام الداخلي والارتباط بين العناصر المختلفة للثقافة ، المادية والمعنوية والمتجسدة في التأثير المتبادل بين المجالات الاقتصادية والدينية ، والسياسية والتربوية ... وعليه فإن التبادل الثقافي يعبر من ناحية الشكل عن المظاهر المختلفة للثقافة الخاصة بكل مجتمع بحيث تتسق من خلاله عناصرها البسيطة أو المعقدة مشكلة وحدة ثقافية متكاملة ، لكن ليس معني هذا أن التكامل الثقافي يبقي الثقافة علي حالها من الجمود والثبات بل هناك درجة معينة من الاتزان بين عناصر الثقافة المختلفة ، فلا هي ثابتة وجامدة ، ولا هي تامة التكامل وهذا ما أوضحته " روث بندكت " التي تري بأن التكامل الثقافي يعني وجود قدر معين من الاتزان بين العناصر التي تكون الثقافة والتي يمكن ان تمر بعملية تغيير وتصوير نتيجة لمرونتها .
(5) الثقافة انتقالية وتراكمية :
تنتقل الثقافة من جيل إلى جيل علي شكل عادات وتقاليد ونظم وأفكار ومعارف يتوارثها الخلف عن السلف ، عن طريق المخلفات المادية والرموز اللغوية ، كما أنها تنتقل من وسط اجتماعي إلى وسط اجتماعي آخر وبهذا المعني فهي تراكمية ، فالإنسان يستطيع ان يبني علي اسس منجزات الجيل السابق ، وتختلف الطريقة التي تتراكم بها خاصية ثقافة معينة كاللغة مثلا ، عن الطريقة التي تتراكم بها خاصية أو سمة ثقافة أخرى كالتكنولوجيا .
واذا اعتبرنا أيضا أن الثقافة مصدراً للكثير من مظاهر السلوك الإنساني المتراكم والمتنامي ، فالشعبيات ، والسنن الاجتماعية والتوقعات الجماعية المعيارية وغيرها من أمثلة للثقافة قد تطورت بدورها نتيجة للتفاعل الاجتماعي وانتقلت من جيل إلى جيل .
(6) الثقافة متنوعة المضمون :
تختلف الثقافات في مضمونها بدرجة كبيرة في معظم الأحيان ، وقد يصل هذا الاختلاف أحيانا إلى حد التناقض ، فقد نجد بعض النظم التي يتبعها مجتمع ما ويعتقد أنها الفضيلة بعينها تعتبر جريمة في مجتمع آخر ، يعاقب عليها القانون ، فمثلا في قبائل " موريا " في وسط الهند تباح العلاقات الجنسية قبل الزواج بحيث تختار الفتاة صديقها في أثناء طقوس معينة منها الرقص وتبقي معه ثلاث ليالي ثم تختار آخر وهكذا ... لكن هذه الحرية الجنسية تعتبر جريمة في معظم المجتمعات المتمدينة ، أيضا نجد أنه إذا لبس أحد الأفراد في المجتمع العربي جلبابا أو ( بيجاما ) ومشي بها في الطريق لا يعتبر سلوكاً شاذاً ، بينما في المجتمع البريطاني فيعد هذا سلوكاً شاذا ويلتفت الناس حول من يرتدي هذه " البيجاما " وكأنه أضحوكة أو بهلواناً ، وعلي أساس هذا الاختلاف في المضامين الثقافية من مجتمع لآخر نجد أنها ترتكز علي عوامل منها :
أ- للعقل البشري قدرة خارقة علي اختراع أعداد لا نهائية من الأفكار التي يحولها بعد ذلك إلى أعمال تدخل ضمن ثقافة معينة .
ب- الطاقة التي تلعب دورا كبيراً في تحديد الصورة العامة للثقافة فبعد ان كانت ثقافة الإنسان بدائية وبسيطة نتيجة لاعتماده علي قدراته الجسمية فقط أصبحت ثقافة متطورة ومتنوعة لاعتماده علي عناصر أخرى كالحيوانات والنباتات كمورد جديد للطاقة .
ج- البيئة الجغرافية وتنوعها حيث لا يمكن أن نتوقع ظهور الزراعة في منطقة صحراوية مثلا ، أو لا يمكن ان تعتمد الصناعة في بريطانيا علي البترول قبل اعتمادها علي الفحم المتوافر في أرضها ، وبالتالي اختلاف البيئة الجغرافية يساهم إلى حد كبير في تنوع الثقافات .
د- حجم الجماعات الإنسانية : حيث ترتبط درجة النمو الثقافي بحجم الجماعة الإنسانية لذلك تتصف المعاشر بالبساطة الشديدة ، أما القري فهي علي درجات متباينة في النمو الثقافي أما المدنيات وهي ثقافة المدن فتمثل ثورة في النمو الثقافي .
هـ- مدي الاتصال والتعاون بين الجماعات الإنسانية ، حيث تنتقل الثقافة إلى مرحلة التمدن والتقدم بالاعتماد علي الاتصال والتعاون الإنساني وتلعب القيم التي يؤمن بها المجتمع الإنساني دوراً كبيراً في تنوع الثقافات لذا نجد فرقاً كبيرا بين ثقافة المجتمعات الوثنية وثقافة المجتمعات التي تنتمي للأديان السماوية .
(7) الثقافة متغيرة :
تمتاز الثقافة بالتغيير طالما كانت جزءاً من ظواهر الكون ، ويخضع الكون بجميع ظواهره للتغير ، فيما ينطبق أيضا علي الجزء ويصيب التغير الثقافي كافة عناصر الثقافة المادية وغير المادية ، ويحدث التغير الثقافي بفضل ما تضيفه الأجيال الجديدة إليها من خبرات وأدوات وقيم ، وأنماط سلوك ، وما تستبعده وتحذفه من أساليب وأفكار وأدوات نتيجة لأنها لم تعد تتفق مع الظروف الجديدة .
الشكل البنائي للثقافة :
يري الباحثون في تصورهم للثقافة في بنائها من حيث الشكل أنها كل مركب ومعقد يقيم مجموعة من السمات الثقافية التي تمثل أصغر وحدة يمكن تحديدها في الثقافة ثم يظهر ما يعرف بالنموذج الثقافي عندما تتخذ هذه السمات اتجاها محدداً وتطبع الثقافة يشكل يميزها ، ومن خهلال توزيع نماذج ثقافية متشابهة وظهورها في منطقة جغرافية معينة يتكون ما يعرف باسم الدائرة الثقافية .
(1) السمة الثقافية :
تمثل السمة الثقافية أصغر وحدة يمكن تحديدها في ثقافة ما وهي أبسط العناصر الثقافية التي تبدو في النواحي المادية أو المعنوية كالفنية أو اللغوية أو الاجتماعية ، فالمسمار والقلم وغطاء الرأس سمات مادية ، أما السمات المعنوية فقد تكون كلمة أو إشارة أو فكرة أو ممارسة دينية .
فمسكن العائلة كجانب من الجوانب الثقافية ينطوي علي سمات مادية كالغرف التي ينقسم إليها المسكن وأنواع المفروشات وأدوات الطعام ، وتشمل السمات اللامادية علي اتجاهات أفراد المسكن اتجاه بعضهم الآخر واتجاه العالم الخارجي وكذلك طرق التفاهم بينهم .
فكل ثقافة تتألف من عديد من النظم الثقافية ، وكل نظام يتألف من عدد من الأنماط الثقافية وكل نمط يتألف من عدد من العناصر ، وكل عدد من العناصر يتألف من عدد كبير من السمات الثقافية وهي أصغر وحدة يمكن تحديدها في الثقافة .
(2) المركب الثقافي :
تتحد مجموعة من السمات الثقافية مشكلة وحدة ثقافية تعرف باسم المركب الثقافي الذي تجمع بين سماته نوع من الوحدة والتكامل فيما بينها حتى إن اختلفت أو افتقدت إلى روابط منطقية بينها .
والمركب الثقافي هو مجموعة من العناصر الثقافية التي تربط فيما بينها ارتباطا عضويا في منطقة ثقافية معينة ، كما تتضح فكرة المركب الثقافي بشكل جلى في القصص الشعبية ، ولعل أشهر هذه القصص في الثقافة الأمريكية " قصة سندريلا " التي تمثل مركباً ثقافيا معروفا في كل مكان برغم وجود روايات عديدة ومختلفة لها ، فالفهم في هذه القصة أنها علي الفتاة الصغيرة صاحبة الحذاء المعروفة .
ويضيف لنتن في كتابه دراسة الإنسان : أن القوس يعتبر كسمة ثقافية في بعض القبائل ، حيث يحتوي علي عدة جزئيات تدخل في تكريبها الخشب والخيوط وأساليب صنعه فلا معني للقوس إذا لم ترتبط ببعض السمات الثقافية كالسهم ، وحقيبة السهام وأسلوب الرمي .
(3) الدائرة الثقافية :
قد لا نجد شعبين متماثلين ثقافياً ، إلا أننا نجد أن عادات الشعوب القريبة من بعضها تميل إلى التشابه فيما تختلف ثقافياً الشعوب البعيدة عن بعضها البعض ، وباعتبار أن الثقافة تكتسب بالتعلم فإن كل فرد يستطيع عندما يتعرض لتأثير أنواع من التفكير والعمل أن يكتسب سمة ثقافية من غير ثقافته ، وتكون الفرصة متاحة للشعوب المتجاورة لتقتبس عن بعضها البعض ، وإذا نظرنا إلى مجموعة من الثقافات علي هذا النحو وبشكل موضوعي نلاحظ أنها تؤلف مجموعات متجانسة إلى حد يساعد علي تحديد وتوزيع مناطق ثقافية مختلفة علي خريطة هذه الشعوب ، بحيث يمكن أن نطلق علي المنطقة التي تضم مجموعة ثقافات متشابهة اسم الدائرة الثقافية .
وقد أسهم تطبيق مفهوم الدائرة الثقافية علي ثقافات الشعوب في مدغشقر والتي ساعد الاعتقاد مدة طويلة بأنها ثقافة واحدة في كل جزيرة ، إلا أنه تبين أن هذه الجزيرة تضم ثلاث دوائر ثقافية واضحة المعالم .
(4) النموذج الثقافي :
تتحد السمات الثقافية مع بعضها البعض بفض ما بينها من علاقات داخلية ، بحيث تشكل كلا وظيفياً ودينامياً يعرف اصطلاحاً باسم النموذج الثقافي ذلك الذي يشكل الوحدة الأساسية في كل ثقافة .
ويساعد هذا المفهوم علي فهم العوامل التي تجعل السلوك الجماعي يتصف بالانتظام ، فلولا ميل الثقافة إلى تكوين نماذج ثقافية لاستحال الانتظام السلوكي الاجتماعي وأصبح سلوك أفراد المجتمع عشوائياً غير مضبوط تعمه الفوضي ، وفقاً لدوافعهم البيولوجية والغريزية .
فالفرد لا يكتسب بهذا التفاعل سمات فردية منعزلة بل أنماط ثقافية وممارسات منظمة تنتقل عبر الأجيال كأسلوب حياة عن طريق عملية التعليم ، ويكتسب الفرد في أثناء عملية التنشئة الاجتماعية والتعليم النماذج الثقافية المناسبة ، والسلوك المتنوع كطعام الإفطار والذهاب إلى المدرسة ولعب الكرة والزواج وغيرها ، كما أن النموذج الثقافي يكتسب طابع العمومية في المجتمع ، وفي هذه الحالة يسمي بالعموميات الثقافية والتي تتمثل في وحدة المشاعر والتقاليد والعادات والممارسات الدينية والمعتقدات واللغة التي يشترك فيها كل أعضاء المجتمع لإعطاء الثقافة طابعاً مميزاً .
مكونات الثقافة :
باعتبار الثقافة ذلك الكل المركب والمعقد من السمات والمركبات والنماذج الثقافية التي تمثل الثقافة من الناحية الشكلية ، نجد أن هناك عناصر أخرى تمثل عناصر بناء الثقافة من حيث المضمون والتي من بينها اللغة ، الفن ، الطرائق الشعبية ، العرف ، النظم الاجتماعية والمعتقدات ، القيم والمعايير والرموز والطقوس .
وسنحاول فيما يلي عرض أهم هذه العناصر أو المكونات :
(1) اللغة :
هي لفظ عام يدل علي الأداة التي يستخدمها الفرد لنقل أفكاره وآرائه ومواقفه إلى الآخرين ، فجوهرها يقوم علي أساس الرموز والمعاني التي تدل معناها ، والتي تكون إشارية تقوم علي الحركات ، أو عن طريق اللسان كلغة منطوقة كلامية عبارة عن حركات صوتية ذات مقاطع مسموعة .
فاللغة إذن كوسيلة لنقل الثقافة ، تتمثل في الكلام الذي يفصح بدقة عن ما يدور في أذهان من يريد نقلها ويعبر عن أفكارهم وهذا ما يفسر توارث المعارف الإنسانية وتطورها .
إضافة إلى كونها وسيلة للاتصال والتعاون بين أفراد المجتمع ، فعن طريقها ينقل الأفراد خبراتهم ومهاراتهم للآخرين بحيث تسهل العمل الاجتماعي وتنظمه ، فهي بهذا تتطلب عدة عناصر مجتمعة لا وجود لها إلا عند الإنسان منها العقل والفكر ، وجهاز الكلام كعناصر للغة .
(2) الطرائق الشعبية :
تمثل الطرائق الشعبية أفعالا اجتماعية متكررة يمارسها أفراد المجتمع ، فهي معتقدات نموذجية وصور للتصرفات الملاحظة داخل المجتمع ، والمتبناة من طرف أعضاء المجتمع وهي بهذا تعتبر ميكانيزمات كبرى تنظم التفاعل الإنساني وكذا التأثرات المتبادلة بين الناس للحفاظ علي خصوصية ثقافة المجتمع .
(3) العرف :
هو ذلك النظام الذي يتبعه أفراد مجتمع ما ، باعتباره طرقا عامة ومشتركة تحدد كل ما هو صواب وخطأ ، وكل ما هو خلقي وغير خلقي ، فهو بهذا لا يتغير بصفة سريعة كما هو الحال بالنسبة للعادات الشعبية .
ومع هذا نجد أنه في المجتمعات الحديثة اليوم ظهر ما يسمي بالقانون إلى جانب العرف والعادات الشعبية والذي يؤدى بدوره وظيفة مزدوجة في الحماية والعقاب في مجتمع معين من المجتمعات الإنسانية .
(4) القيم :
هو موضوع الرغبة الإنسانية والتقدير ، وتمثل الأحكام والاختيار والموضوعات والظروف والبادئ التي اكتسبت معاني اجتماعية خلال التجربة الإنسانية ، فهي بمثابة الموجهات التي تميز المرغوب من المرفوض ، وبالتالي القيم الإيجابية المقبولة اجتماعياً من تلك التي ترفض اجتماعيا باعتبارها سلبية وغير مرغوب فيها ، ولأجل هذا كانت القيم ذات طبيعة نفسية تعسفية لأنها تعبر عن الأفكار التي ترتبط بأهمية الأشياء ، إذ نستطيع أن نميز في كل ثقافة بين قيم غالبة مسيطرة والتي تكون منتشرة بشكل موسع بين أفراد المجتمع وأن من يحظي بهذه القيم تكون له مكانة اجتماعية عالية ، وبين قيم أخرى فرعية لا تتمتع بنفس خاصية القيم الغالبة التي تعد إحدى مقومات التكامل الثقافي .
فالقيم تساهم في إعطاء أساس عقلي يستقر في ذهن أعضاء المجتمع المنتمية إلى ثقافة موحدة ، كما تزودهم بمعني الحياة وبالهدف الذي يجمعهم ويتشاركون فيه حفاظاً علي وحدة المجتمع .
وقد يكون نسق القيم القيم مقدسا في ثقافة ما أو غير مقدس وهذا يقترن بتدخل مبدأ النفعية بين أفراد المجتمع والذي يجعل نسق القيم هذا غير مقدس ، أما إذا تميزت الثقافة بعناصرها الثابتة وحفاظها علي تقاليدها التي تفضي كل منحرف عن السلوك التقليدي إلى العقاب الصارم فهي بهذا تدخل في إطار النسق القيمي المقدس .
(5) المعتقدات :
وتتمثل في بعض الجوانب من المعرفة التي لا تخضع للإثبات أو الرفض عن طريق البحث التجريبي ، فمثلا نجد عند الاسكيمو بعض المعتقدات التي من خلالها تتم ممارسة طقوس معينة بواسطة بعض " العرافين " لإخراج الأرواح الشريرة من أبدان المرضي لكي يتم شفاؤهم ، ويمكن تبرير سلك العرافين هذا مهما كانت نتائجه ، ولو توفي المريض بضرورة الاستمرار في الاعتقاد بوجود الأرواح الشريرة .
(6) الأسطورة والرموز والطقوس :
تعبر الرموز عادة عن مجموعة من القيم والمعتقدات التي تدعم عن طريق الطقوس ، فكل مجتمع يسعي إلى تنمية قيمه ومعتقداته عن طريق شعارات متعددة ، تتنوع بين الكلمة المكتوبة والكلمة المسموعة والصورة ، ولتعميق هذه القيم والمعتقدات تقام الحفلات والطقوص في مناسبات متعددة تمجيداً وإقراراً لها في النفوس وحفاظاً علي النظام الاجتماعي .
الثقافة والمجتمع والفرق بينهما :
إن التمييز بين ما هو ثقافي وما هو اجتماعي في ثقافة مجتمع ما أمر صعب للغاية فمثلا إذا كانت الحاجات الاجتماعية الأساسية للإنسان يمكن أن تفسر تفسيراً اجتماعياً فإن طرق إشباع هذه الحاجات تتم وفق عدد من العناصر الثقافية وعليه نجد أن ( رالف لنتن ) يري أنه من الصعب الفصل بين الثقافة والمجتمع فبالرغم من كونهما مفهومين متلازمين إلا أنهما ظاهرتان مختلفتان تتصلان ببعضهما عن طريق الأفراد الذين يكونون المجتمع ويفصح سلوكهم عن نوع ثقافتهم ، إلا أن كل فرد يمكنه أن يعبر عن جزء من ثقافة وليس كلها ، فلا يمكن له أن يلم بجميع نواحي ثقافة مجتمعه ومع هذا نجد أن أفراد المجتمع ينتظمون في أنمظمة تكفيهم لفهم بعضهم البعض .
ولدراسة الثقافة والمجتمع لابد من التركيز علي نقطتين هامتين تجسدان الاختلاف بينهما :
الأولي : وهي الاهتمام أو الاقتصار علي دراسة ملامح الثقافة في المجتمع أو الثقافة في إطلاقها وعمومها ، يعني الاكتفاء بدراسة العادات والأعراف والتقاليد والظاهرات الثقافية من قانون ولغة وفن ، كما تشاهد وتمارس في الحياة اليومية بينما تقتضي توجيه البحث لدراسة المجتمع والنظم الاجتماعي إلى تحليل العلاقات القائمة في ذلك المجتمع .
الثانية : التي تختلف فيها الثقافة عن دراسة المجتمع فتمثل في الاعتماد علي التفسيرات التاريخية والسيكولوجية ، ومحاولة رد العادات والأفعال والمعتقدات إلى أصولها .
ويمكن أن نستخلص مما سبق أنه بالرغم من التباين النظري بين الثقافة والمجتمع فهما وجهان لعملة واحدة ، لأن كليهما يؤثر في الآخر ويتأثر به فالثقافة لها مظاهر كثيرة تتصل بالمجتمع سببا ونتيجة ، فلها دور في تشكيل نسيج المعاني وعالم الأفكار الذي يوجه سلوك الأفراد في المجتمع ، إذ يستحيل تفسير أفعال الناس وفهم تصرفاتهم من دونها ، وعلي هذا الأساس يقول ( ايفانز بريتشارد ) أن الثقافة والمجتمع تجريدان مختلفان لوجود واقعي واحد .
الثقافة والنظم الاجتماعية :
إن التراث الثقافي وما يلزمه من نشاط متنوع وتعامل بين الأفراد إنما يتم عن طريق أنواع من التنظيم والتنسيق تنشأ تلقائياً أو عن قصد لتأمين الرغبات الأساسية والحاجات الأولية الضرورية ، فضلا عن أنها تمد ألأفراد بأصول وقواعد ومبادئ عامة التي يجب ان تقوم عليها معاملاتهم بعضهم مع بعض ، وهذه القواعد والأصول والمبادئ العامة لا تلبث أن تتبلور وترسخ في كيان المجتمع وتكوينة ، وتثبت ثبوتا نسبياً فتصبح قوانين ، ودساتير وشرائع مدونة أو معتقدات محفوظة في العقول والصدور ، وطقوس مقدسة أو أحكام فرعية ومجمل هذه العناصر في مختلف مظاهر النشاط الاجتماعي تعرف بالنظم الاجتماعية social institutions .
ولعل أبرز تعريف يعبر عن خصائص النظم الاجتماعية ومكانها في محيط الظواهر الاجتماعية هو تعريف J.O.Hertezler ، فهو يري أن النظم الاجتماعية " كليات ثقافية أساسية منظمة وهادفة ، تتكون لا شعورياً أو عن قصد لتشبع رغبات الأفراد وحاجاتهم الاجتماعية وتتكون من قوانين ، وقواعد ومثل عليا مدونة وغير مدونة ، ومن الأدوات اللازمة والوسائل التنظيمية والرمزية والمادية ، وتحقق نفسها اجتماعياً في الممارسات الموحدة المقننة ، وفردياً في الاتجاهات والسلوك التعودي للأفراد ، ويقوم الرأي العام علي دعمها وتنفيذها بصفة رسمية وغير رسمية عن طريق الهيئات الخاصة التي ترعاها " ومن اهم النظم الاجتماعية كمقومات أساسية لثقافة أي مجتمع " .
(1) النظم الأسرية : وهي ما تتصل بالأسرة من حيث تكوينها ونطاقها ووظائفها وعلاقة أفرادها بعضهم ببعض ، وأنواع الحقوق والواجبات بينهم ومحور القرابة وطقوس الزواج والطلاق والحضانة والكفالة ، وشؤون الميراث .
(2) النظم التربوية : وهي ما تتصل بتنشئة الأطفال ونقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل ووضع أساليب ومناهج إعداد الفرد وتنشئته ليمثل نظم المجتمع ويتكيف وفق أساليبه في التفكير والعمل .
(3) النظم الدينية : وهي ما تتصل بالنماذج الدينية والسحرية وما يتعلق بها من فكرة الأفراد عن الخالق ، والمخلوق ، والصلة بين العالم الذي يعيش فيه الإنسان وعالم الغيب وكذا فكرتهم عن الروح والنفس والأساطير الدينية .
(4) النظم الأخلاقية : وهي مجموعة من العادات والتقاليد والمفاهيم الخلقية وتشمل العرف السائد والأساطير والأمثلة السائدة والعادات المتبعة في الأعياد وحفلات الزواج والميلاد والتعميد ، والختان وغيرها من العادات .
(5) النظم الجمالية والفنية : وهي ما تتعلق بمعايير الفن والذوق والجمال عند المجتمع وتتمثل في النقش ، والرسم ، والموسيقى ، والأدب وغيرها من الفنون الجميلة .
(6) النظم اللغوية : وهي ما تتعلق بنماذج الاتصال بين أفراد المجتمع والتعبير عما يجول في خواطرهم كالحركات ، الإشارات ، اللغة والكتابة وغيرها من الوسائل المستخدمة لنقل المعاني والأفكار من شخص لآخر .
(7) النظم الاقتصادية : وهي ما تتصل بالقواعد التي يسير علييها المجتمع في شؤون إنتاجه وتبادل وتوزيع ثرواته واستهلاك منتجاته وتشريعات عمله .
(8) النظم القانونية : وهي ما تتصل بالقواعد والقوانين التي يلتزم بها المجتمع في تحديد معاملات الأفراد بعضهم مع بعض في الأمور المدنية والتجارية وفي توقيع الجزاءات وتفسير المسؤوليات .
(9) النظم السياسية : وهي ما تتصل بتنظيم شؤون الحكم وأسسه وتقسيم السلطات وتنظيم علاقة الهيئة الحاكمة بالفرد والمجتمعات الأخرى ... إلخ .
الثقافة والتنشئة الاجتماعية :
لا يمكن للثقافة أن تشكل الشخصية وتصوغها وتتبلور فيها إلا عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية ، وهي عملية إدماج الطفل في - الإطار الثقافي - العام لمجتمعه عن طريق إدخال التراث الثقافي في تكوينه وتوريثه إياه توريثا معتمداً بتعليمه نماذج السلوك المختلفة في المجتمع ، وغرس المعتقدات الشائعة في نفسه ، فينشأ منذ طفولته في جور من الأفكار والمعتقدات والأساليب التي لا يستطيع التخلص منها رغم مرور الزمن الذي يقتضي تغيير بعض الأنماط الثقافية التي تدخل في إطار المعتقدات والرواسب والمخلفات الثقافية السلبية والمكتسبة قديما ، ونجد أن عملية التنشئة الاجتماعية هذه أو ما يعرف أيضا " بالتطبع الاجتماعي " تبدأ من المهد ويقوم بها الآباء والمربون كممثلين للثقافة في مجتمعهم ، ليستدخل هذا الفرد الثقافة ويتمثلها في شخصيته ، ففي عملية التنشئة الاجتماعية يكتسب الفرد العادات والأفكار والاتجاهات المتفق عليها ثقافيا وهو يسنج في مجموعته الاجتماعية حقوق وواجبات مركزه ودوره ، كما أنه سيدخل أيضا هذه القواعد والقيود الثقافية التي اكتسبها لدرجة أنها تصبح جزءاً من شخصيته ، ومهما حاول مقاومة هذه القيود الثقافية التي اكتسبها لا يستطيع لأنه سيصبح إسناداً في مجتمع متمسك بهذه القيود الثقافية .
وكمثال بسيط لتوضيح ما سبق فيما يخص خصائص الذكورة والأنوثة نجد مثلا أن قبيلة " التشامبولي Tchambuli " تسيطر فيها النساء فنجدهن يعملن بالصيد والتجارة وصنع الحقائب ، عكس الرجال الذين ينهمكون في القيل والقال ، ويزينون شعورهم ويذهبون للتسوق ، وهم من الناحية العاطفية معتمدون كما أنهم أقل تحملاً للمسؤولية من النساء، وعلي هذا الأساس نجد أن الخصائص الذكورية والأنثوية ليست فطرية بل هي ذات أساس بنائي من صنع المجتمع ، فهو الذي يشكل الفرد من حيث تكوينه ذكراً أو أنثي ، وهو الذي يصنع اتجاهاته واهتماماته .
كذلك هو الحال بالنسبة للمجتمعات الشرقية وباقي المجتمعات الأخرى التي تعزو " للمرأة " كجنس الأنثي المكانة المتدنية اجتماعياً علي اعتبار ان جنس الذكورة هو الذي يحق له التمتع بالسلطة من أمر ونهي ، وأن المرأة مهما كانت مواصفاتها هي التي تمثل " العار " بالعائلة وللمجتمع لأنها تملك " غشاء البكارة " الذي يحكم عليها بالإعدام الجماعي لو فقدته وإن كانت مغتصبة .
البعد الثقافي للشخصية :
يستدعي الحديث عن الشخصية كما هائلاً من المعلومات والمتغيرات التي تكاد تكون خارج السيطرة بسبب كثرتها وتشعبها ، ولهذا فإن المدخل البنيوي يعد من أفضل المداخل عند الحديث عن النمط والعلاقات ، والحقيقة أن نظريات الشخصية المتعددة لا تستطيع فصل عنصر آخر وهو الثقافة عن مكونات أي نمط من أنماط الشخصية ، وقد كان الجدل قائما بين الأنثروبولوجيين حول العلاقة ومدي أسبقية ظهور الثقافة وتأثيرها علي تكوين الشخصية أو أسبقية الشخصية وقدرتها علي صياغة الثقافة .
وسنحاول هنا إبراز مدى تأثير الثقافة في الشخصية بشكل عام في مواطن مختلفة منها :
(1) أثر الثقافة في الناحية الجسمية للشخصية :
إن الثقافة في شعب من الشعوب كثيرا ما تجبر الفرد علي الالتزام بالعادات والتقاليد والقيم في شكل أعمال وممارسات قد تضر بالناحية الجسمية للفرد ضررا كبيرا ، فنجد مثلا في بعض الثقافات التي تسود فيها اعتقادات خاصة حول تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية من منطق المعتقد القائل ان كل شخص يحمل في داخله الذكورة والأنوثة ، ولذلك كان ختان البنات كمال يسمي في التراث الشعبي ، حيث تلغي الذكورة عند الأنثي من خلال الإيذاء الجسدي أو الجسمي لها بإزالة البظر الذي يقلل من الحساسية الجنسية للأنثي وبالتالي تصبح أنثي كاملة .
(2) أثر الثقافة في الناحية العقلية للشخصية :
تؤثر الثقافة في الناحية العقلية للشخصية خاصة الناحية المعرفية الفكرية ، فالفرد الذي يعيش في جماعة تسود في ثقافتها العقائد الدينية أو الأفكار السحرية تنشأ عقليته وأفكاره متأثرة بذلك ، فمثلا يعتقد أهل قبيلة ( navaho ) من قبائل الأريزونا الأمريكية أن " القرابة " قد تؤدي تثبيت نظام الكون ، لأن القوي الأخرى إذا سببت للإنسان الشقاء فإن الأقرباء سيعملون علي تخفيفه ، وأن المنطقة البركانية " نافاهو " والتي يعتبرونها وسط العالم تسكن فيها الآلهة ، وهكذا تتدخل ثقافة القوم في مضمون أفكار الأفراد ومعتقداتهم وآمالهم وقيمهم بل وفي طرق تفكيرهم نفسها أيضا .
(3) أثر الثقافة في الناحية المزاجية للشخصية :
يعتبر التكوين المزاجي كالتكوين الجسمي وكالقدرات المعرفية العقلية ، وتتضمن الناحية المزاجية تلك الاستعدادات الثابتة نسبيا علي ما لدي الشخص من الطاقة الانفعالية والدوافع الغريزية التي يزود بها من بداية طفولته ، والتي تعتمد علي التكوين الكيميائي والغددي والدموي وتتصل اتصالا وثيقا بالنواحي الفسيولوجية والعصبية ، فنجد أن الشخص ذو الطاقة الانفعالية الكبيرة يتميز بقوة انفعالاته وعنفها ، ولذلك يصعب عليه كبح جماحها لشدتها فتظهر عليه علامات القلق وعدم الثبات ، وعدم الاستقرار المزاجي ، أما الشخص ذو الطاقة الانفعالية المحدودة فيتصف بالخمول والبلادة المزاجية ، كما نجد انفعالاته بطيئة الاستثارة تتصف بالوهن والضعف ، وفي هذا الإطار أضافت الدراسات الانثروبولوجية إلى هذا النمط من التأثير للثقافة التي تلعب دورا كبيرا في التأثير علي الجانب الانفعالي العاطفي للفرد فكثيرا ما تتفاعل عوامل المحيط الاجتماعي والثقافة مع هذا الجانب الانفعالي ويظهر هذا مثلا في أن الشخص الذي ورث في تكوينه البيولوجي عوامل تدعوه إلى العضب وسرعة الاعتداء ، لكنه ولد في ثقافة لا تحبذ هذه الصفة بين أفرادها وهذا يعني أن الثقافة لا تغير نوع أو طبيعة الانفعالات وإنما تؤثر في كيفية التعبير عنها وتحديد المواقف التي تثيرها وفي اتجاهها ، ودرجاتها وقيمتها .
(4) أثر الثقافة في الناحية الخلقية في الشخصية :
هناك تداخل بين النواحي الخلقية والنواحي العقلية والمزاجية للشخصية ، فالنواحي المزاجية والعقلية هي بمثابة المواد الخام التي تبني عليها الصفات الخلقية ، وبهذا فإن الأخلاق السائدة في المجتمع هي المحصلة الناتجة من تفاعل القوي المزاجية والعقلية مع عوامل البيئة الاجتماعية والثقافية ، فالثقافة مثلا في مجتمع النظام الطبقي تطبع كل شخص بخلق خاص تبعا لطبقته ، فالأشراف مسيطرون متكبرون ، والعبيد أذلاء خاضعون ... إلخ .
ومعني هذا أن الثقافة في كل مجتمع يسري فيها تيار أخلاق خاص ينساق الفرد متأثرا بالمعايير الاخلاقية السائدة من حيث الخير والشر والصواب والخطأ ، وما يجوز وما لا يجوز ، وفي هذا الإطار نجد مثلا أن الشعوب البدائية كانت تعتبر ما يسمي " بالاغتصاب " اليوم أحد الطقوس الوثنية المقبولة اجتماعياً حيث كان الرجل يقدم علي الزواج من المرأة بعد أن " يفتض بكارتها " دون أن يقترن هذا الطقس بمعايير اخلاقية ، أما اليوم فهذا " الطقس " وهو افتضاض بكارة المرأة من غير الزواج بها يدخل في إطار " الاغتصاب " الذي يقترن بمعايير أخلاقية واجتماعية غير متسامحة نظرا لكونه في المجتمعات العربية الإسلاماية من بين المواضيع الجنسية وبالتالي من بين الطابوهات الاجتماعية .
المحددات الثقافية للشخصية :
يري " كلوكهون " أنه إسنادا إلى موضوع " الثقافة والشخصية " يمكن إعطاء أو تحديد بعض العميمات أو المحددات الخاصة بالشخصية في ضوء الثقافة والتي من بينها :
- البواعث ، القيم والدوافع الاجتماعية التي تبرز سمات شخصية الإنسان والتي تعتبر كعناصر ثقافية تتميز بالكلية والشمول في كل زمان ومكان ، فهي سمات عامة وكلية يمكن من خلالها تحديد معالم الشخصية ومعرفة حدودها العامة .
- يميل أعضاء المجتمع الواحد إلى الاشتراك في بعض سمات الشخصية والتي يطلق عليها كلوكهون السمات المشتركة أو المحددات المشتركة .
- يتميز سلوك كل جماعة بخصائص ومميزات ثابتة ، فوراء كل سلوك دافع يصدر عن القيم الاجتماعية ، حيث تتحدد هذه الدوافع والقيم الاجتماعية الكيفية العامة لسلوك الجماعة ويطلق كلوكهون اسم الدور الثقافي الذي تلعبه القيم والدوافع الاجتماعية في تنظيم أنماط السلوك وتكوين سمات الشخصية .
- تنفرد شخصية كل فرد من أفراد الجماعة بما يسمي حسب كلوكهون بالسمات الفطرية وهي السمات المتعلقة بطبيعة الشخصية ، الذي يفسر نويتها وتفردها .
- توجد بعض التشابهات بين أفراد مجتمعات متباينة ثقافياً ، ويرجع كلوكهون هذا التشابه إلى نمط الشخصية رغم اختلاف السمات الثقافية ، والذي يحدد بتشابه المركبات أو الفطرية التي تعتبر كملونات خلقية قائمة في طبيعة الشخصية .
وخلاصة القول أن الثقافة هي المسؤولة عن الشكل الرئيسي للشخصية في أي مجتمع وباختلاف الثقافات تختلف أشكال الشخصيات ، أي تختلف مجموعة السمات الأكثر تكراراً بين افراد المجتمع الواحد ، وأن الشكل الرئيسي للشخصية هنا يتمثل في مجموعة القيم والاتجاهات العامة التي تتمركز في المستويات العميقة للفرد والتي تؤسس في مرحلة الطفولة عن طريق اتصالات الطفل المستمرة والقوية بأعضاء أسرته .
تعليقات