ما هو تصنيف القيم حسب المراحل العمرية للطفل ؟ |
تصنيف القيم حسب المراحل العمرية للطفل :
سنقوم فيما يلي بعرض منظومة القيم علي المراحل العمرية للطفل ، واختيار أهم الأنماط القيمية اللازم تعليمها وغرسها في الطفل بناء علي المرحلة العمرية له ، ومن هذه المراحل :
(1) المرحلة الأولي : مرحلة الطفولة المبكرة :
وتمتد مرحلة الطفولة المبكرة من سن 3-6 سنوات ، ويطلق البعض عليها " بمرحلة الروضة " أو " مرحلة ما قبل المدرسة " .
وهذه المرحلة ذات أهمية خاصة ، لأن الطفل أصبح في حال استقبال وغرسال ، فالحالة الجسمية أصبحت أكثر قدرة علي الحركة ، وأكثر قدرة علي الكلام وأكثر قدرة علي التعبير عن النفس ، وأكثر ارتباطاً بالواقع الذي يعيشه .
ومن المنظور التربوي الإسلامي تسمي هذه المرحلة ، مرحلة ما قبل التمييز ، وقد ذهب علماء أصول الفقه إلى أن الطفل من ولادته إلى بلوغه مرحلتين : الأولي : مرحلة ما قبل التمييز ، يكون فيها غير عارف ما يدور حوله في هذه الحياة ، وما يضره وينفعه وأطلقوا عليه " غير مميز أو غير عاقل " .
والثانية : مرحلة التمييز ، وفيها يبدأ الطفل بمعرفة ما حوله ، ويستطيع أن يعرف الضار من النافع ، وتنتهي هذه المرحلة بالبلوغ وأطلقوا عليه مميزاً عاقلاً ، ولكل مرحلة يترتب عليها أحكام .
وبما أن قدرات الطفل السلوكية والوجدانية والمعرفية في بدايات نموها فلابد من غرس بعرض القيم التي تلائم هذه المرحلة في بداية النمو ، ولذلك لابد من التركيز علي الآتي من منظومة القيم :
1- القيم الدينية :
ولا يقصد بالقيم الدينية كل المعتقدات والقضايا الروحية والدينية والغيبية وحقائق الوجود وأسرار الكون ، لا بل انتقاء القيم ما تلائم هذه المرحلة المبكرة من العمر بما فيها من قدرات عقلية ، والاكتفاء بتعريف الطفل بأن لهذا الكون خالقاً هو " الله تعالي " حتى إذا أدرك هذه القضية في أواخر هذه المرحلة العمرية تبين له وجود الجنة التي أعدت لمن يؤمن به ويسلك السلوك السوي ، ووجود النار التي تحرق لمن لا يؤمن به ويسلك السلوك السيئ ، وغير ذلك من القضايا الغيبية العقائدية التي يستطيع الطفل فهمها مع مراعاة الأسلوب الملائم لها ، وهذا ما أشار إليه الرسول صلي الله عليه وسلم في قوله : " ما من مولود إلا يولد علي فطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ينجسانه "
2- القيم الاجتماعية :
وهذه ثاني اهم القيم التي يجب غرسها ، حيث إنه في هذه المرحلة يظهر قدرة من السلوك الاجتماعي ، إلا أن إدراكه ما يزال مرتبطاً بشكل مباشر بالموقف الواقعي أو الموضوع الذي يخبر عنه ، لذلك لابد من انتقاء القيم الاجتماعية التي تلائم هذه المرحلة مثل قيم الحب ، الانتماء والاحترام ، والصدق والأمانة وغير ذلك ، وأن تقدم للطفل عن طريق ربطها بالواقع .
3- القيم الجمالية :
من خلال تعويد الطفل منذ صغره بالاهتمام بنظافته وجماله وشكله ، وهذه القيم لابد من الاهتمام بها منذ الولادة حفاظاً علي صحته من ناحية أولي ، وحفاظاً علي فطرته التي ولد عليها من ناحية ثانية .
4- القيم المعرفية :
ومرحلة الطفولة المبكرة تمثل مرحلة هامة جداً في حياة الفرد في مرحلة السؤال والاستفسار والبحث ، والطفل في هذه المرحلة يكثر من السؤال والاستفسار ، ماذا ، لماذا ، كيف ، ومتي وأين ومن ؟ .
فهو يحاول من خلال أسئلته الاستزادة العقلية المعرفية ، ورغبته في معرفة الأشياء التي تثير اهتمامه ، فالطفل هنا يدرك الشئ أو الموضوع الذي يراه ما لم يتغير في المظهر الذي بدا عليه ، فإن تغير فقد يبدأ بالسؤال عنه ، لارتباطه الشديد بأساسيات الموضوع والأشياء مثل مواصفاتها وعلاقات بعضها ببعض وبنفسه ، ويقدر علي إجراء الحلول البسيطة العددية والزمنية والمكانية .
لذلك لا بد للمربي أن يتعامل مع هذه المرحلة بفطنة وذكاء ويمده بالقيم المعرفية التي تلاءم هذه المرحلة العمرية بأسلوب خالٍ من التعقيد فيخاطب علي قدر عقله الصغير .
(2) المرحلة الثانية : مرحلة الطفولة المتوسطة :
وتمتد هذه المرحلة من 7 - 9 سنوات ، ويسميها عدد من الباحثين بالمرحلة الابتدائية الأولي ، حيث يدخل الطفل في هذه المرحلة المدرسة الابتدائية إما قادماً من المنزل مباشرة ، أو منتقلاً من دار حضانة أو رياض الأطفال .
وفي هذه المرحلة تتسع الآفاق العقلية المعرفية للطفل ، ويتعلم بعض المهارات الأكاديمية المختلفة ، كما يتعلم بعض المهارات الجسمية اللازمة للألعاب والوان النشاط العادية .
وتتضح في هذه المرحلة كذلك فردية الطفل وسعيه نحو اكتساب اتجاهات سليمة نحو ذاته ، وتتسع دائرة علاقاته الاجتماعية ، فينضم إلى جماعات جديدة وتطرد عملية التنشئة الاجتماعية ، وتزداد استقلاليته عن والديه وأسرته .
وهذه المرحلة التي تسمي في الفقه الإسلامي بمرحلة التمييز والتي يصير فيها الطفل في وعي وإدراك يفهم فيها الخطاب إجمالاً ، وتبدأ هذه المرحلة منذ قدرته علي التمييز بين الأشياء ويفرق بين النفع والضرر ، وهي من أخطر المراحل ، لأنها تتميز عن غيرها بالعديد من الصفات والخصائص والاستعدادات ، منها أنها مرحلة التأسيس للمراحل اللاحقة في الحياة .
ففيها تتحدد ميول الفرد واتجاهاته نحو الخير أو الشر ، وتتفتق مواهبه ، وتأخذ شخصيته بالتكون لتصبح مميزة عن غيرها من الشخصيات .
وبذلك يلاحظ أنه لابد من أن تقدم القيم التي ذكرت سابقاً بصورة متطورة أكثر من المرحلة السابقة وتكون كالآتي :
1- القيم الدينية :
وهنا يقع علي المربين واجب تعليم أبنائهم أصول الدين وأركانه ومبادئه وأخلاقه عن طريق التلقين ، وتقديم نماذج السلوك القدوة لهم ، وإشراكهم في مختلف الأنشطة الدينية ومساعدتهم علي تنمية الشعور الديني ، لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : " علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً وأضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرقوا بينهم في المضاجع " .
وتتميز هذه المرحلة بنمو ذكائه ، وتبرز قدرات الفهم والتذكر لديه ، ويزداد قدرته علي الحفظ بشكل كبير ، حيث أن الطفل الذي عمره ثمان سنوات يستطيع حفظ ثمانية أبيات من الشعر ، في حين أن الطفل الأكبر سناً يستطيع حفظ عشرة أبيات من الشعر فقط ، لذلك لابد من استغلال هذه المرحلة في حفظ القرآن الكريم وتفسيره لهم بحسب قدراتهم العقلية .
2- القيم الاجتماعية :
وتتأثر عملية غرس القيم الاجتماعية لدي الأطفال بعملية التنشئة الاجتماعية التي تتولي المدرسة الدور الرئيسي فيها من خلال علاقته بالمعملين ومع أقرانه في المدرسة ولذلك لابد من غرس بعض القيم الاجتماعية التي تلائم هذه المرحلة بحيث تغرس فيه الاهتمام بالناس ومحبتهم ومساعدتهم وخدمتهم وتعزيز الصدق والأمانة وغير ذلك .
3- القيم المعرفية :
وحيث إن هذه المرحلة تسمي التفكير الحسي المنطقي ، فإنه يستطيع إنتاج العمليات الفكرية والمنطقية ، إلا أنه يبقي مرتبطاً لدرجة كبيرة بواقع الأشياء دون قدرة واضحة علي التحرر منه ، والتفكير فيما وراءه من موجودات ومفاهيم ، والطفل خلال السبع والثمان سنوات الأولي لا يمتلك القدرة الإدراكية علي تعلم وتكين الأحكام والقواعد والمفاهيم المجردة .
وعندما ينتقل الطفل من البيت إلى المدرسة فإنه يدخل في حياة مليئة بالخبرات الجديدة وهنا دور المدرسة يكون أكثر فاعلية من دور الأسرة في غرس القيم المعرفية لدي الأطفال بطريقة منتظمة تلائم أعمارهم ومستوي القدرات العقلية ويجب خلال هذا السن الابتعاد عن المناهج والخبرات النظرية عموماً ، وفي الإمكان تعليمه أي معرفة من خلال الأنشطة والحركة والعمل والمعالجة النشطة لمواد التعلم بما يتناسب مع الواقع الذي يعيشه .
4- القيم الجمالية :
تظهر عند الطفل في هذه المرحلة من خلال العمل علي تعويد الطفل علي الاعتماد علي نفسه في الاهتمام بمظهره الشكلي والاهتمام بنظافته ونظافة المكان وغير ذلك من القيم الجمالية .
5- القيم الاقتصادية :
ويبدأ الاهتمام ببعض القيم الاقتصادية في هذه المرحلة بحيث يتم غرس القيم الاقتصادية الأولية لدي الأطفال بصورة غير معقدة كتعويد الطفل علي صرف ما يأخذه من مصروف في أشياء مفيدة غير عابثة ، مع مراعاة عدم جعل نظرة الطفل للحياة أثناء تعامله مع هذه القيم نظرة مادية .
6- القيم السياسية :
كحب الوطن والانتماء له ، وللأمة الإسلامية دون الخوض في قضايا سياسية معقدة أمام الطفل ، فيكتفي بتعليمه من القيم ما يلائم عمره في هذه المرحلة ، مثل الحديث عن تأسيس الدولة الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام ، وما ترتب علي تكوينها من مؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وكتابة الوثيقة بينهم وبين يهود المدينة بشكل مبسط .
(3) المرحلة الثالثة : مرحلة الطفولة المتأخرة :
تمتد هذه المرحلة من سن 9 - 12 سنة ، ويطلق عليها مرحلة ما قبل المراهقة ، وتمثل هذه المرحلة ، مرحلة الدراسة الابتدائية العليا ( الصفوف الابتدائية الأخيرة الثلاث ) وتعد أنسب مراحل النمو الخاصة بعملية التطبيع الاجتماعي ، وتتميز بتعلم المهارات اللازمة لشؤون الحياة ، والمعايير الخلقية والقيم وتكوين الاتجاهات والاستعداد لتحمل المسؤولية وضبط الانفعالات .
أما من المنظور الفقهي الإسلامي فهذه المرحلة تندرج تحت سن التمييز الذي يبدأ بسن السابعة وينتهي بالبلوغ ، فتثبت له أهلية ناقصة ، لأن إدراكه ناقص ، تؤهله لممارسات بعض التصرفات ، وتصح منه بعض العبادات كالصلاة والصيام والحج .
وفي هذه المرحلة يتطور الاهتمام بالقيم السابقة بكافة أنواعها ، ولا سيما القيم المعرفية والقيم الاجتماعية لازدياد تعلق الطفل بجماعات الكبار واكتسابه معاييرهم واتجاههم وقيمهم الاجتماعية ، فلابد للمربين مراعاة الحكمة في استخدام الأساليب التربوية اللازمة في غرس القيم لدي هذه المرحلة العمرية بصورة أكثر تطور من السابق ، لأن أطفال هذه المرحلة يمتازون بوعي وإدراك عقلي أكثر من المرحلتين السابقتين .
تعليقات