![]() |
ما هو مفهوم الدراما ؟ وما هي خصائصها وأنواعها ؟ |
مفهوم الدراما وتطورها التاريخي :
المحتويات :
(1) مفهوم الدارما وتطورها التاريخي .
(2) تعريف الدراما .
(3) خصائص الدراما .
(4) الدراما : رؤية تاريخية .
(5) أنواع الدراما والبناء الفني لها .
مفهوم الدراما وتطورها التاريخي :
تعد الدراما إعادة تشكيل للواقع بطريقة سردية جمالية ، يتم التركيز فيها علي أحداث معينة يسلط عليها الضوء ، من أجل إحداث أثر مباشر أو غير مباشر علي المتلقي لها ، وإشباع حاجة لدي الممثلين تتلخص في التعبير عن رأيهم تجاه قضايا تشغلهم .
فالدارما كانت علي مر العصور وسيلة تعبيرية وتشكيلية بالدرجة الأولي ، وهي انعكاس للواقع الإنساني وعبرة عنه وعن آماله . لذلك بقيت محافظة علي طبيعتها مهما اختلفت في أشكال تجسيدها ، والأزمنة المعبرة عنها سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، وكذا مهما تعددت الشخصيات التي تجسدها أو اختصرت في الشخصية الواحدة .
فهي وسيلة من وسائل التأثير الجمعي ، تستخدم فيها وسائط عديدة قد تؤدى بالشخص الذي يتعرض لها إلى تغيير مواقفه أو تعديلها أو تعزيزها . كما قد تحول الإنسان العاطفي إلى شخص قاسي القلب غليظ الطباع ، والمسالم السَمحَ إلى عنيف بسبب تعرضه لمشاهد متكررة من هذا السلوك ، فقد أثبتت كثير من الدراسات أن الدراما شكل فني له قدرة علي التأثير في الجماهير بفعل عناصرها الفنية والجمالية ، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية .
تعريف الدراما :
تعني الدراما عملاً مكتوباً يستهدف الوصول إلى تأثير قوي لجماهير محتشدة داخل قاعة مسرح ، أناس ممثلون يلعبون فيما بينهم حدثاُ مما يبعث علي الانتباه والمراجعة . فقد ارتبطت الدراما بالمسرح تاريخياً ، فهو باعتباره وسيلة من وسائل الاتصال الجمعي ، يمكن أن يحدث التأثيرات المرغوبة في المجتمع ويوجه الرأي العام بطريقة هادفة .
كلمة دراما يونانية الأصل Dran ومعناها الحرفي يفعل أو عمل يقام به ، ثم تطورت الكلمة من اللغة اليونانية لتعني الفعل أو الحركة ، ذلك لأنها تحيل القضية الفكرية أو المشكلة الاجتماعية أو المسألة الإنسانية إلى حركة ، فتجسدها من خلال مجموعة من الممثلين الذين يؤدون الأدوار المختلفة ، ويتقمصون الشخصيات المتعددة ، ويديرون بدقة الحوار الذي يعبر عن القضية الإنسانية العامة ، في إطار الصراع بين وجهتى نظر قادرتين علي التحول والتغير .
فالدراما في معناها العام عبارة عن حراك اجتماعي تعالج فيه مختلف القضايا التي تقع علي ضفتي نقيضين ، يمثل أحدهما الحالة الطبيعية والمعتادة في المجتمع ، ويمثل الآخر حالة متحركة وغير مألوفة . ومهما كانت الطبيعة القيمية للمتناقضين ، من حيث الحكم علي أحدهما بالصحة وعلي الآخر بالخطأ ، فإن العمل الدرامي يهدف إلى إبراز هذاالصراع إلى السطح وإثارة انتباه الرأي العام له ، مع محاولة التأثير عليه تبعاً للخلفيات التي ينطلق منها النص الدرامي .
وتعرف الدراما في قاموس ويستر علي أنها تكوين نثري لتصوير الحياة أو الأخبار بقصة معينة تنطوي علي صراعات ومشاعر من خلال الحوار والفعل ، وعادة ما يتم إعدادها للأداء المسرحي . كما يري إبراهيم حمادة أن لفظة الدراما تعني مدلولين :
- النص المستهدف عرضه فوق المسرح أياً كان جنسه أو مدرسته أو نوعية لغتة ، ويتقلد أدوار شخصياته ممثلون يقومون بأداء الفعل أو نطق الكلام .
- المسرحية الجادة ذات النهاية السعيدة أو المؤسفة التي تعالج مشكلة هامة علاجاً مفعماً بالعواطف علي ألا يؤدى إلى خلق إحساس فجيعي مأساوي .
النص الدرامي قضية شائكة ومعقدة تحتمل التأويل والتفسير والتنظير ، حيث أن النص الدرامي يختلف باختلاف وسيلة الاتصال المتاحة ، والتي من خلالها يخرج هذا النص بمكوناته الفكرية وتقنياته النفدية إلى حيز المتلقي في نقطة التقاء بين الإبداع والجمهور .
فعملية التلقي للنص ترتبط ارتباطاً مباشراً بالقدرات الإبداعية للمرسل علي تبسيط الفكرة وإخراجها في شكل يتناسب مع القدرات التأويلية للجمهور ، الأمر الذي يجعل العمل الدرامي قابلاً للبقاء الأبدي في المخيال الجمعي ، ويتم استدعاء قدراته التعبيرية عن الواقع كلما اقتضت الضرورة .
كما يتخلص معني الدراما في كونه فناً من الأفعال الإنسانية القائم علي الصورة والقدرة التعبيرية ، أو محاولة الفنان تصوير الواقع أو الحقيقة باستعمال الرموز كهدف للترفيه عن النفس ليستريح القلب والعقل .
ولطالما كان الترفيه محل جدل بين الباحثين والنقاد ، من حيث كونه هدفاً أساسياً للدراما أم ثانوياً ، باعتبارها تعمل علي تمرير رسائل هادفة إلى إحداث تغييرات محددة علي المجتمع ، ضمن قوالب وخلفيات لا تخلو من الأبعاد الإيديولوجية . فقد يكون موضوع الدراما فكاهياً لكنه يحمل في طياته رسائل سياسية قوية يمكن أن تؤثر علي اتجاهات الرأي العام تجاه السياسات القائمة .
خصائص الدراما :
إن السبب في تمتع الناس برؤية شَبَهٍ ما ، هو أنهم يجدون أنفسهم يقولون : ( نعم ، ذلك هو ) . فالمحاكاة كافية لتحويل الألم الذي نعانيه إلى سرور حين نراه مجسداً أمامنا . فالدراما تحاول " تطهير " الانفعالات ، وتدفع بالمشاهد للتغلب علي الخوف ، من خلال التجارب المختلفة التي تجسدها وتجعله يري نفسه فيها قادراً علي المرور عبرها .
إن الدراما تداركت ومنذ البداية أسلوبها في كسب المتلقي ، فهي تنقله إلى واقع افتراضي مؤثر ، وتمنحه رغبة في البقاء أمامها . فقد استطاعت عبر الحركة التي تمتلكها أن تمتلك خصوصيتها في خلق العواطف ومن ثم التعاطف بين الجمهور وعناصر الدراما ، لذلك نجد أن الكثير من المتلقين يعجبون بالأبطال ويبدون استعدادات قوية لتقليدهم .
إن " الأدرمة " كما يقول بيير بابان Pierre Papin في كتابه لغة وثقافة وسائل الاتصال ، بنيت للانفعال ، فهي تعبيره وتشكيله الأول . أن " تُؤدرمَ " معناه أن تكثف الانفعال في توتهر لتحرره بعد ذلك بغتة . وبهذا يكون المعني ويكون الجنس والمخدرات والعنف أفعالاً درامية .
وتتميز الدراما عن الأدب ، من حيث أن المؤلف في الدراما يجب أن يضع نصب عينيه دوماً الممثلين والجمهور حينما يكتب سطوره . كما يجب تمثلها عند قراءة أي قطعة مسرحية .
إن خلود شكسبير في المسرح يرجع إلى مهارته المسرحية ، فجوهر الدراما هي الحركة لا الكلمة وهذا يعتبر خاصية مهمة تجعل الدراما تختلف عن الفنون الأخرى . فلطالما أبهرنا الممثل الكوميدي الإنجليزي شاري شابلين Sir Charles Spencer Chaplin بأعماله التي لم ينطق فيها بأي كلمة ، وكانت قدرتها التعبيرية أفضل من أي أعمال أخرى في تلك الفترة بل الأزمنة بعدها .
فمن أهم خصائص الدراما دون ألوان الأدب الأخرى ، أنها تستدعي منا انتباها تاماً مستديماً ، أما القصيدة والرواية فيمكن أن تترك جانباً أو بالأحرى يجب أن تترك جانباً إذا ما أُحِيل بينها وبيننا أو أعاقنا عنها شئ ، ثم نستأنف قراءتها أو تعيد قراءتها لنذكر ما نكون قد نسيناه . غير أن المسرحية أثناء التمثيل تستدعي انتباهاً مستديماً غير مقطوع . فمهمة الدراما الرئيسية هي الاستحواذ علي الانتباه وإدامته .
لذلك نجد أن المتلقي في المسرح لا يستطيع مغادرة القاعة ، لأن ذلك يقطع عليه - أو علي الأشخاص الذين يقطع عليهم المشاهدة ليمكنوه من المرور عبر الصفوف - ترابط الأحداث وفهم سيرورتها لاحقاً بعد التحاقه . كما أن المتلقي للدراما التلفزيونية يسعي لإعادة الحلاقات التي تفوته بشي الطرق حتى يكمل القصة إلى نهاياتها ، وذلك جزء من جمالية الدراما .
فالقصة تعتبر عنصراً أساسياً في الدراما ، وخاصية لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال ، تدار عن طريق الحوار والحُبَكِ المعدة بشكل دقيق سواء كانت مقتبسة من الواقع ، أو خيالاً معبراً عنه . فارتباط الدراما بالواقع عضوي وذلك يعطيها قيمتها التاريخية .
الدراما : رؤية تاريخية :
ارتبطت الدراما بالحياة الإنسانية منذ القدم ، فالإنسان منذ ولادته يعيش مشاهد درامية يكون أحياناً فاعلاً فيها ، وأحيانا أخرى مشاهداً ومتفرجاً . لذلك فإن الصناعة الدرامية كفن مستقل بذاته اختلف في تاريخ ولادته وهل ، يمكن اعتباره فعلياً منفصلاً عن مجريات الحياة بناء علي قولنا سابقاً ان ارتباط الدراما بالواقع يعتبر عضوياً ، فلا وجود للدراما دون وحي الواقع أو إيحاء له .
ظل التساؤل قائماً حول الحيز الذي كانت تحتله الدراما في العالم المعيش ، ومتى انبثق الوعي بأنها جزء منفصل عن الحياة . مثلما كانت الدراما الإغريقية متأثرة بالأبعاد الدينية الميتافيزيقة ، وحاكي كتابها الآلهة والقوي الغيبية والتي كانت تتسم بتعددها وعظمتها وكثافة رموزها ، بعد أن أعطاها أرسطو Aristotle معني المحاكاة غداة ظهورها الأول في اليونان .
وفي نفس السياق تري كثير من الكتابات أن نشأة الدراما رغم الاختلاف حول ظهورها في اليونان ، له علاقة بعبادة الإله " ديونيسيوس Dionysus " فقد كانت الدراما لا تعرض إلا في الأعياد الخاصة به ، في شكل تراجيديا أو كوميديا علي المسرح ، كشكل من أشكال العبادة .
فالحضارة اليونانية تمثل متقدمة من الارتقاء والنمو المعرفي ، الذي سمح ببروز الوعي الذي يميز الدراما عن الأنواع والجوانب الأخرى من العوالم التي يتواجد فيها الإنسان خاصة المعنوية منها ، ما أخرج الدارما من طابعها غير الواقعي وأعطي لها حيزاً مكاناً يسمي " المسرح " وأمام الجمهور فكانت أول مسرحية بهذا الشكل حسب بعض الروايات هي مسرحة " الضارعات " لأسخيليوس Aeschylus حوالي 490 ق.م ِ، ويعتبر أب التراجيديا اليونانية .
لا يعدو المسرح أن يكون شكلاً من أشكال عملية اجتماعية متكاملة الأركان ، تتمثل في عملية الاتصال . فالإنسان منذ أصبح كائناً اجتماعياً يعيش ويتعايش داخل قبيلة ، ظهرت لديه بوادر الحس الفني والميل لكل ما هوي مسرحي . وكانت المسرحية في حياة القبيلة هي التجربة الأساسية التي تمثل حياة هذا الجمهور ، وما تنطوي عليه تلك الحياة من أهمية حقيقية في أنظار أفراد القبيلة .
أي أن الحياة المسرحية تعتبر تجسيداً رمزياً للواقع ، لكن دون معايشة حقيقية للآلام والآمال ، بحيث يكون مجرد مشاهدة الآخرين وهميمثلون المعاناة وكافة أشكال الصراع القائم بين البشر ، متنفساً لهم ومخرجاً لاعتبار ذلك تجربة تستحق المحاولة . لهذا فإن الكاتب لدراما المسرح يحاول قوي شئ عن طريق النص الذي يجسده الممثلون ، والمتلقون له يتأولون أشياء من الرمزية التي يعطونها لواقعهم .
كما عرفت الدراما المصرية والفرعونية الدارما من خلال فن المسرحية ، هذه الأخيرة كانت شهرتها من خلال أسطورة " إيزيس وأوزوريس The Osiris Myth " . وفي سوريا مع أسطورة " تموز Tammuz " إله الماء . واختلفت عن الدراما اليونانية في كونها تفتقد للحوار وللبطل البشري .
أما في روما فقد كانت الدراما أدباً يقرأ على المسرح بشكل ارتجالي دون الاعتماد علي نص . وقد يكون هذا ما حمل البعض علي اعتبار الدراما فنا من فنون الأدب ، وجعل المسألة موقع مد وجذب بين من يرون أنها عبارة عن نص أدائي ، ومن يعتبرونها فناً مستقلاً لا علاقة له بالأدب .
فأنواع الشعر حسب أرسطو Aristotle مهما تعددت ، تعتبر طرائق محاكاة ، بل إنه يعتبر أن المحاكاة عامل مشترك بين الشعر والفنون الجميلة ، ففي ذهن الشاعر أو المصور أو الموسيقي أو النّحات تصور لشئ ما ، يسعي إلى تجسيده في عمل ملموس ليستمتع بنفسه ويُمتِّع غيره . وبالتالي تكون الدراما وسيلة للترفيه أكثر مما هي وسيلة للتعبير عن واقع ما ، وهذا الأمر فيه نظر أيضاً باعتبار ما قلناه حول نشأة الدراما وارتباطها بحياة الناس .
ويمكن القول أن العرب أيضاً والشعوب العربية عموماً ، عرفت أشكالاً متعددة من المسرح والدراما ، فقد كانت هناك طقوس اجتماعية ودينية قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية ، لم ترتق إلا الشكل المسرحي . إلا أن العصر العباسي عرف غير نوع من الأشكال المسرحية المعترف بها كمسرح الظل .
رغم أن البعض يري عدم وجود أثر للدراما بشكلها المتعارف عليه في التاريخ الإسلامي ، نظراً لارتباطها بالتزييف وتمثيله في شكل غير حقيقي ، يجعل سلوك الممثل شكلاً من أشكال النفاق والكذب ، وهذه القيم محرمة ومنبوذة في الدين الإسلامي . رغم أن الأدب الجاهلي في إشارات وملامح تدل علي وجوده كفن عند العرب .
أما في الجزائر ، فقد بدأت الدراما والكتابة الدرامية باللغة العربية الفصحي ، لكنها لم ترق إلى المستوي المطلوب من التجاوب الجماهيري ، لرؤية البعض أن هذه اللغة قد تعجز عن نقل النكتة وروح الفكاهة التي ترتكز عليها المسرحية الكوميدية . فانتظر الجمهور أو الشعب الذي لا يفهم اللغة الفصحي أصلاً إلى غاية 1926 حين كتب علالو ( سلالي علي ) مسرحية جحا بالعامية ، والمستوحاة من مسرحية " طبيب رغم أنفه " لموليير Moliere وهي تعتبر سنة تغير جذري في شكل ومضمون دراما المسرح في الجزائر .
وقد تطورت الدراما والصناعة الدرامية علي مر الأزمنة والعصور ، خاصة بعد ظهور وسائل الاتصال الجماهيرية ، ليصبح المسرح وسيلة اتصال لها دورها في بناء العلاقات الاجتماعية ، وتشكيل الاتجاهات نحو القضايا والمشكلات التي يعيشها المجتمع بمعالجتها بشكل آني ومعمق . ثم يتعزز الفن الدرامي بالصناعة السينمائية والقنوات الإذاعية والتلفزيونية ، ثم تكنولوجيات الاعلام والاتصال وتطبيقهاتها الحديثة ، التي أفرزت تجارب درامية فريدة من نوعها .
بل إن الدراما أصبحت تدل في المعني الضيق لها كنوع معين من التمثيل منذ نهايات القرن التاسع عشر ، بعيداً عن التراجيديا والكوميديا ، بل هي صناعة سنيمائية وتلفزيونية وإذاعية .
أنواع الدراما والبناء الفني لها :
ارتكزت الدراما منذ ظهورها علي نوعين رئيسيين ، مثلاً العنوان لكل الأعمال الدرامية مهما اختلفت طرق عرضها ، وهي المأساة أو التراجيديا Tragedie بالفرنسية Tragedy بالإنجليزية ، والملهاة أو الكوميديا Comedie بالفرنسية Comedy بالإنجليزية . وقد انبثقت عن هذين النوعين أنواع درامسية أخرى كالميلودراما والمونودراما . لكن التراجيدا والكوميديا هما الأكثر شيوعاً أدبياً ودرامياً لتلازمها ، فذكر أحدهما يستدعي ذكر الآخر إضافة إلى أن أعلى درجات التعبير الدرامي هي التي تمزج بينهما معاً ، وهذا له إثباتاته في الإنتاج الدرامسي حالياً سواء المسرحي أو التلفزيوني ، فنجد أن التراجيديا والكوميديا لعبا دوراً مهماً في صناعة وتشكيل الرأي العام تجاه كثير من القضايا خاصة السياسية منها .
ترجع الآثار الأولي للتراجيديا إلى القن الخامس قبل الميلاد ، وربما تكون مصر هي التي قدمت أول نموذج خلال الألف عام الثانية أو الثالثة قبل الميلاد . ولكن النصوص الأولي أتت من آثينا من خلال أغنية كانت تنشدها جماعة الكورس بديونيسوس Dionysos .
وينسب الباحثون كلمة تراجيديا Tragodia إلى المصادر اليوانية الكلاسيكية ، وهي مركبة من لفظ Tragos أي " جّديْ " أو " ماعز " ، ومن Odia أي " نشيد " أو " أغنية " . واتساق الكلمتين معاً أخذ معني " أغنية الماعز " التي ترجع إلى الأناشيد الديثيرامبية Dithyrambe ، كأغنية مسرحية كانت تنتمي إلى التراجيديا ثم استقلت عنها .
يعرف أرسطو التراجيديا بأنها محاكاة لفعل جاد تام في ذاته ، له طول معين ، لغته ممتعة لأنها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزين الفني . كل نوع منها يمكن أن يرد علي انفراد في أجزاء المسرحية ، وتتم هذه المحاكاة في شكل درامي ، لا في شكل سردي ، وبأحداث تثير الشفقة والخوف ، وهو ما أطلق عليه أرسطو " عملية التطهير " أي تطهير المتلقي من هذين الشعورين .
يعتبر الكثير من الباحثين أن المصطلح الذي استخدمه أرسطو " التطهير " ، يمثل رداً علي أفلاطون الذي أورد في كتابه الجمهورية ، أن كثيراً من حالات اللاوعي المجتمعي يلعب فيها الشعراء دوراً كبيراً ، بإثارتهم لعواطف الناس ما يجعل ذلك عائقاً أمام استخدامهم لعقولهم ، لهذا وجب نفيهم . لكن أرسطو يعتبر أن إثارة الشفقة والخوف لدي الناس هو بمثابة التطهير لهم من هذه المشاعر ، فحاول أن يستخدم الموسيقى لعلاج المرضي النفسانيين . كما ذهب جون ميلتون إلى هذا الرأي بقوله أن إثارة التراجيديا لمشاعر الشفقة والخوف والرعب يساهم في تطهير النفس منها ، بتلطيفها من حدتها وعودتها بها إلى المسار الصحيح .
وقد حظيت التراجيديا باهتمام منطقع النظير علي مر السنين ، بالرغم من احتمال كونها أبسط الأنواع الدرامسية للفهم والأداء . كما أنها انفتحت علي الدراما العاطفية والميلودراما لما توفره من مساحة للمشاعر ، لكن ذلك يحدث عندما يصمد المبدع أما حدود التفكير والإيمان ، ويتمكن من إيجاد تصورات للبشرية خارج الحدود الطبيعية لها .
ولما كانت المحاكاة التراجيدية يقوم بها أناس يفعلون ، فإنه يجب أن يأتي عنصر " المسرحيات المرئية " في المقام الأول كجزء من جسم التراجيديا الكلي ، ثم يتلوه في المقام الثاني عنصرا " الغناء " و " اللغة " ، وهما وسيلتا المحاكاة . ويعني أرطو بـ " اللغة " في هذا المقام : التنظيم العروضي للكلام أي الشعر ، وبالغناء الشكل الفني المتعارف عليه عند جميع الناس .
تشتمل المسرحية باعتبارها جسم التراجيديا الكلي علي حدث رئيسي ، وعادة ما يكون مستمداً من الواقع المعيشي بمختلف مظاهره اليومية ، تنبع مواقفها وشخصياته الهامة ويعرض المؤلف من خلاله ما يريد أن ينقل للمشاهدين من مشاعر وأفكار يضاف إلى الحديث أحداث ثانوية فرعية تضفي حياة علي المسرحية حتى لا يشعر المشاهد بالملل وبأن الوقائع تأخذ خطاً مستقيماً لا معني له ، دون تشعب أو استغراق .
كما يقسم أرسطو التراجيديا كبنية درامية إلى ستة (6) أجزاء ، تشكل مجتمع الوحدة الكلية لها ، وهي الحبكة والشخصية وهما مادة المحاكاة ، باعتبارهما أهم العناصر في التراجيديا ، فالمحاكاة أساسها " الفعل " والشخصية هي التقوم به ، اللغة ، الفكر ، المرئيات المسرحية والغناء .
وقد شهد التمييز بين التراجيديا كنمطين أساسيين في الدراما ،سجالاً واسعاً ، منهم من كان فيه متطرفاً جداً فيضع المأساة في طرف مناقض تماماً للكوميديا ، ومنهم من يجعلهما وجهين لعملة واحدة . فقد يكون المشهد التراجيدي عند شخص ما كوميديا عن آخر بحسب طريقة إدراكه للحياة وللأشياء . فالفقر مثلاً هو مشهد مأساوي لمن يعتبر المال أساس الحياة الإنسانية ، وهو مشهد كوميدي لمن يعتبر الفقر وسيلة للتحرر من الحياة المادية .
وفي هذا الصدد يري الشاعر بايرون Lord Byron حين تمييزه بينهما ، أن كل التراجيديا تنتهي بميتة وكل الكوميديا تنتهي بزيجة . في حين يعلق الناقد هوراس والبول Horace Walpole ذلك بالإدراك بمستوي ونوع الإدراك المرتبط بالتجربتين ، فهوي يري بأن الدنيا كوميديا لمن يفكر تراجيديا لمن يحس .
فالكوميديا عند أرسطو محاكاة لأشخاص " أردياء " ، أي أقل منزلة من المستوي العام ، ولا تعني الرداءة هنا كل نوع من السوء . وإنما تعني نوعاً خاصاً فقط وهو المثير للضحك ، والذي يعد نوعاً من أنواع القبح . وهذا المثير للضحك قد يكون فيه قبح أو خطأ لا يسبب ألماً للآخرين .
لكن التجارب أثبتت أن الواقع لا يشوبه قبح ولا خطأ قد يكون مثيراً للضحك ، وهذا هو المنظور الفلسفي الذي سبق وتحدثنا عنه فيما يتعلق بكيفية إدراك الأشياء ، فقد يغضب شخص لتعنت مسؤول في خدمة مصالحه ، وقد يضحك آخر جراء هذا الواقع المزري ، لكن هذا الواقع السئ أو المزري قد يكون متضمناً ضمن قصد أرسطو عندما تحدث عن القبح والخطأ .
وقد أطلق مصطلح كوميديا المشتق من الكلمة اللاتينية ( Comoedia ) علي كل مسرحية مهما كان نوعها بعد أن كانت تعتبر نقيضاً للتراجيديا ، لتصبح فيما بعد مستخدمة للدلالة على كل مسرحية تحمل طابع الضحك ، وهي تنقسم عموماً إلى نمطين أساسيين هما المضحكات الشعورية التي تضم " التندر ، الفكاهة ، اللمز " والمضحكات غير الشعورية وتضم " الضحك التلقائي " . لكن الضحك يكون دوماً له هدف آخر غير التسلية والترفيه ، بالرغم من كونه يميل في كثير من الأحيان إلى الانتقاص من الأشخاص أو التندر بعيوبهم .
فالكوميديا مثل أي فن درامي آخر لابد أن تنبع من موقف ، أي وجود قوي متصارعة تولد التعقيد الذي هو جزء مهم من البناء الدرامي . إلا أن الاختلاف بينهما وبين التراجيديا في حل الموقف بالتوافق الذي يعيد الأشياء إلى مجاريها الطبيعية ، وتجاوز الصراعات دون تصادم أو اقصاء للطرف الآخر . وهو ما يسمي بالنهايات السعيدة . لهذا نجد أن الجمهور عادة ما يميل إلى هذا النوع من الدراما التي تخلق له متنفساً من الضغوط اليومية التي يعيشها .
ولم تشهد الكوميديا نفس التطور المتسارع الذي شهدته التراجيديا ، رغم أن أجزاء الكوميديا هي نفسها أجزاء التراجيديا ، كما أن الغاية واحدة إلى حد ما ، فكلاهما يحقق المتعة والفائدة ، ولم يميز الإغريق في الأهمية بين شخوص الكوميديا وشخوص التراجيديا ، كما لم تكن الغاية في الكوميديا دائما مجردة إثارة الضحك ، تصيداً لمتعة الجماهير أو استعباطاً لهم ، بل تكون ( الكوميديا ) في كثير من الأحيان أكثر تعبيراً عن الواقع من التراجيديا .
كما أن العرب عرفوا الكوميديا بأشكال مختلفة ، رغم أنهم لم يعرفوها بهذا المسمي ، ويمكن أن نذكر في ذلك كتاب البخلاء للجاحظ وكتب الحمقي والمغفلين ونوادر أشعب وجحا وغيرهم ، فهي تحمل خصائص الكوميديا والسمات العامة لها .
تعليقات