العلاقة بين النمو الاقتصادي والطاقة المتجددة |
ما هي علاقة الطاقات المتجددة بالنمو الاقتصادي ؟ :
يعد تعزيز أمن الطاقة والتصدي لتحدي الاضطرابات التي تطرأ على إمداد النفط والغاز من أهم الحلول التي تساهم في دفع النمو الاقتصادي للدول ، لذا فهي تسعي لإيجاد خيارات أخرى في مجال تقنيات الطاقة لضمان الامدادات المستقبلية والتخفيف من أثرها السلبي علي البيئة ، خاصة بعد عقد الاتفاقيات والمؤتمرات الدولة التي تعني بالحد من آثار المناخ ، كاتفاق باريس 2015 الذي يعد من أهم مخرجات مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ .
وفي هذا الإطار ، تعمل دول العالم علي تعزيز سياسات الطاقة المستدامة التي تدفع عجلة النمو الاقتصادي من جهة وتحافظ علي البيئة من جهة أخرى ، وذلك عن طريق استغلال مصادر جديدة للنمو التي تعتمد في تنميتها علي الابتكار والتكنولوجيا ، ويعد النمو الأخضر أحد هذه الابتكارات التي تقوم علي إدماج تكنولوجيات الطاقة المتجددة في قطاعات النقل والبناء والصناعة .
وفيما يلي سنتطرق إلى استراتيجية النمو الأخضر كمصدر رئيسي للنمو طويل الأجل ، والذي يمكن أن يقدم مساهمات حيوية لزيادة الإنتاجية ووسيلة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية .
مفهوم النمو الأخضر :
تعود أصول مفهوم النمو الأخضر إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ ضمن المؤتمر الوزاري الخامص المعني بالبيئة والتنمية الذي عقد في مارس 2005 في سيول ، حيث وافقت 52 حكومة وأصحاب مصلحة آخرين من دول آسيا والمحيط الهادي علي اتباع طريق النمو الأخضر كاستراتيجية رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة وأهدافها الإنمائية ، وفيما يلي سنتطرق لبعض تعريفات النمو الأخضر :
- حسب المنظمة الدولية " معهد النمو الأخضر العالمي " ( GGGI ) التي تم إنشاؤها سنة 2010 لنشر النمو الأخضر كنموذج للنمو الاقتصادي ، فالمنو الأخضر هو نموذج تدفع فيه السياسات الخضراء والابتكار استثمارات التنمية الاقتصادية المستدامة علي نطاق أوسع ، وهو النهج المتبع لتحقيق تنمية مستدامة حقيقية من خلال تجنب والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري واستخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة ، وتحقيق زيادات مستدامة في الناتج المحلي الإجمالي ومستويات المعيشة ، وهو وسيلة لتعزيز الوظائف حيث يمكن للاستثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية منخفضة الكربون أن تخلق فرص عمل جديدة في الصناعات الخضراء الجديدة .
ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، يعتبر النمو الأخضر وسيلة لمتابعة النمو الاقتصادي والتنمية ، مع منع التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي والاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية ، فمن خلال تجنب المخاطر البيئية التي يمكن أن تعرقل التقدم الاجتماعي والاقتصادي ، وتحسين الظروف التنافسية في الاقتصاد ، يمكن لسياسات النمو الأخضر أن تساعد في تحفيز التغيير التحولي وتضمن أن الاستثمار في البيئة يمكن أن يساهم في مصادر جديدة وأكثر استدامة للنمو والتنمية .
فالنمو الأخضر يستهدف في الوقت نفسه الجوانب الرئيسية للأداء الاقتصادي ، مثال زيادة الناتج الإجمالي وخلق فرص العمل والإدماج الاجتماعي والحد من الفقر ، وتلك الجوانب المتعلقة بالاستدامة البيئية ، مثل التخفيف من تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وضمان أمن الوصول إلى الطاقة النظيفة .
أثر الطاقات المتجددة علي النمو الاقتصادي :
كثفت مؤخراً العديد من البلدان جهودها لتعزيز نشر الطاقة المتجددة باعتبارها مصدر طاقة سليم بيئياً ووفير وفعال من حيث التكلفة ، مما ساهم في قيام عدد متزايد من البلدان الصناعية بدعم تمويل مشاريع الطاقات المتجددة وتحديد أهداف وطنية لتطوير الطاقة المتجددة ، فلقد حددت المفوضية الأوروبية هدفاً بنسبة 20% لحصة الكهرباء من المصادر المتجددة بحلول عام 2020 ، والذي لا يهدف فقط إلى تعزيز الامتثال للاتفاقيات الدولية بشأن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ، ولكن أيضاً لتوفير فرص العمل وزيادة النمو الاقتصادي .
ووفقاً للإحصاءات الجديدة للطاقة المتجددة ، تجاوز الاتحاد الأوروبي هدفه في عام 2020 بحصة 22 بالمائة من إجمال استهلاك الطاقة النهائي من مصادر متجددة ، فعل سبيل المثال ، تمكنت ألمانيا من بلوغ نسبة 41.1% لحصة الكهرباء المولدة من الطاقات المتجددة من إجمالي استهلاك الكهرباء بفضل مساهمة طاقة الرياح التي تمثل الحصة الأكبر من إجمالي توليد الكهرباء المتجددة بنسبة تقل قليلاً عن 49% ، وفي قارة آسيا ، زاد الاستخدام التجاري للطاقة المتجددة في الصين من حوالي 4% من إجمالى استهلاك الطاقة الأولية سنة 1980 ، إلى حوالي 12.5% سنة 2020 لتتمكن الصين بذلك من تحقيق هدف زيادة مساهمة الطاقة النظيفة في الطاقة الأولية المحدد للخطة الخماسية الثالثة عشر ( 2016-2020 ) .
وبهدف تصميم سياسة فعالة للطاقة والبيئة التي من شأنها أن تعزز التنمية المستدامة للدول ، يحتاج صانعو السياسات إلى معرفة الرابط بين استهلاك الطاقة ونمو الناتج المحلي الإجمالى والمتغيرات الأخرى بهدف صياغة سياسية للطاقة تركز علي تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتعلقة بقيود بروتوكول كيوتو ، لذا سعت العديد من الدراسات الاقتصادية والأكاديمية لفهم تلك العلاقة ، بحيث أثبتت معظمها الأثر الإيجابي لاستهلاك الطاقة ودورها في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي .
كما أثبت البعض الآخر أن الاستخدام غير الفعال للطاقة يمكن أن يؤدى إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ مما يؤثر سلباً علي نمو الناتج المحلي الإجمالي ويستدعي إلزامية ترشيد الاستهلاك والتحكم في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون .
وفيما يلي سنتطرق لمجموعة من الدراسات البحثية التي بحثت في أثر استخدام مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة علي النمو الاقتصادي وذلك انطلاقاً من أربع فرضيات اعتمدت عليها هذه الدراسات وبحوث أخري لتفسير طبيعة العلاقة بين الطاقة والنمو الاقتصادي ، وتتمثل فيما يلي :
أولاً : فرضية النمو :
تقر هذه الفرضية بأن زيادة استهلاك الطاقة يساهم ويؤثر إيجابياً في النمو باعتباره عاملاً من عوامل الإنتاج الأخرى ، بمعني آخر هناك علاقة سببية أحادية الاتجاه من استهلاك الطاقة ( بنوعيها المتجددة وغير المتجددة ) إلى النمو الاقتصادي ، ففي ظل هذه الفرضية يكون لسياسات توفير الطاقة التي تقلل من استهلاكها تأثير سلبي علي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ، وذلك لأن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير علي الطاقة بمختلف مصادرها لزيادة النمو ، كما هو الحال بالنسبة لاقتصادات البلدان النامية التي تعتمد في نموها الاقتصادي علي استهلاك الطاقة التقليدية .
ثانياً : فرضية الترشيد :
تفيد هذه الفرضية إلى أنه انخفاض استهلاك الطاقة قد لا يكون له بالضرورة تأثير سلبي علي النمو لذلك في مثل هذه الحالة يمكن اتباع تدابير الحد من الاحتباس الحراري دون الإضرار بالنمو لأن السببية لا تمتد من الطاقة إلى النمو .
ثالثاً : فرضية رد الفعل أو فرضية التغذية الراجعة :
تقترح هذه الفرضية أن استهلاك الطاقة والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مترابطان ، لأن هناك علاقة سببية ثائية الاتجاه وبالتالي فهما مكملان لبعضهما البعض .
رابعاً : فرضية الحياد :
تشير فرضية الحياد إلى أن استهلاك الطاقة له تأثير ضئيل أو لا يؤثر علي الناتج المحلي الإجمالي أي أن زيادة استهلاك الطاقة أو انخفاضه ليس له تأثير أو له تأثير غير معنوي علي النمو الاقتصادي ، بمعني أنه هناك غياب للعلاقة السببية الممتدة من استهلاك الطاقة المتجددة إلى النمو الاقتصادي .
تعليقات