الدين العام في الفكر الاقتصادي وفي نظر الاسلام |
الدين العام في الفكر الاقتصادي وفي نظر الإسلام :
محتويات البحث :
(1) الدين العام في الفكر الاقتصادي .
(2) الدين العام في نظر التقليديين .
(3)الدين العام في ظل الفكر الحديث .
(4) الدين العام في نظر الإسلام .
الدين العام في الفكر الاقتصادي :
ارتبطت نظرة الفكر الاقتصادي للدين العام من خلال دور المالية العامة للدولة والسياسة المالية بصفة عامة ، وبالتالي فإننا سنتناول في هذا البحث تطور الدين العام في الفكر الاقتصادي التقليدي ثم في ظل الفكرالحديث .
أولاً : الدين العام في نظر التقليديين :
لم يتعرض الفكر الاقتصادي الذي ساد في الفترة ما قبل المدرسة الكلاسيكية لمناقشة موضوع الدين العام سواء أكان ذلك لدى التجاريين أو لدى كتاب المالية العامة الأوائل ، ونفس الشئ يقال علي الطبيعيين ( القيزوقراط ) الذين أكتفوا بإبراز أهمية النشاط الزراعي في الاقتصادي القومي عما عداه من موضوعات .
ومع بداية القرن الثامن عشر ظهرت آراء جديدة تبناها عدد من الاقتصاديين أطلق عليهم مفكرو المدرسة الكلاسيكية ( التقليديين ) وقد كانت المبادئ التي يؤمن بها أغلب هؤلاء تدعو إلى ضرورة المحافظة علي توازن الميزانية نتيجة إيمانهم بأن الاقتصاد دائما في حالة تشغيل كامل أو يسير تلقائياً نحو التشغيل الكامل .
وبالتالي لم تلق سياسة التمويل بالعجز قبولاً لدي هؤلاء الاقتصاديين لأن أي اقتراض حكومي بنظرهم إنما يكون علي حساب سحب الموارد من القطاع الخاص إلى القطاع العام ، ويعتقدون أن القطاع العام أقل كفاءة وإنتاجية في استخدام الموارد ، من القطاع الخاص ، سواء كان مصدر تلك الموارد هو الضرائب أو القروض العامة .
بينما يري عدد محدد من الاقتصاديين الكلاسيك ، أنه إذا كان لابد من اللجوء إلى القروض العامة ، فيجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود ولتمويل نفقات ذات طبيعة إنتاجية تمول نفسها ذاتياً .
إضافة إلى ما ذكر أعلاه ، فإن هناك اعتراضات أخرى من جانب الاقتصاديين الكلاسيك موجهة ضد القروض العامة ، يتمثل أبرزها بالآتي :
1- بما أن اللجوء إلى الدين العام لتمويل عجز الموازنة يعتبر وسيلة سهلة فإن ذلك قد يدفع الحكومة إلى استغلال تلك الوسيلة للتوسع في الإنفاق العام ، دون اعتبار للأعباء الكبيرة التي يخلفها الدين العام علي الاقتصاد القومي .
2- قد يؤدى غلدين العام إلى زيادة عرض النقود ، وبالتالي ارتفاع المعدل العام للأسعار وانخفاض قيمة العملة الوطنية وتدني الدخول الفردية للمجتمع .
3- يؤدى الدين العام ، إلى زيادة العبء الضريبي ، للوفاء بالأعباء المترتبة علي خدمة ذلك الدين ( أقساط وفوائد ) مما يجعل تمويل النفقات العامة في المستقبل أكثر صعوبة .
4- تؤدى القروض العامة إلى سوء توزيع الدخل القومي بين أفراد المجتمع ، باعتبار أن أغلب المكتتبين في السندات هم من ذوي الدخل المرتفع .
5- تؤدى منافسة الدولة للقطاع الخاص في الحصول علي القروض العامة إلى ارتفاع سعر الفائدة ، ويقود ذلك إلى عرقلة النشاط الاقتصادي وإلى سوء توزيع الموارد الاقتصادية وبالتالي إعاقة التطور الاقتصادي .
6- إن تمويل خطط وبرامج التنمية الاقتصادية عن طريق القروض العامة ، يضاعف تكاليف التنفيذ ، حيث تدفع القيمة مرتين ، الأولي علي صورة فوائد للقرض ، والثانية عند سداد أصل القرض .
7- إن السياسة الائتمانية المناسبة ، تتمثل في الامتناع عن الاقتراض ، والتعجيل بسداد القروض القائمة .
إن خلاصة آراء اقتصادي المدرسة الكلاسيكية تتمثل في أن السياسة المثلي للدين العام تكون في تدنيه قدر الإمكان ، والعمل علي التخلص من الديون القائمة بأسرع وقت ممكن .
وسنتطرق بإيجاز إلى آراء أبرز الاقتصاديين التقليديين في موضوع الدين العام :
آدم سميث :
يري آدم سميث أن قيام الحكومة بالاقتراض لتمويل عجز الموازنة من شأنه تضييق فرص اقتراض القطاع الخاص ، الذي يقوم بالأنشطة الصناعية والتجارية ، بينما الحكومة تقترض للإنفاق علي الترف والفساد والحروب .
بمعني أن توسع الدولة في الإنفاق غير المنتج من الدين العام ، سيقابله انخفاض مماثل في رأس المال الخاص المنتج ، وبالتالي يجب أن يقتصر دور الدولة علي حماية المزايا الصناعية والتجارية للقطاع الخاص ، وقصر آدم سميث لجوء الدولة إلى القروض العامة ، علي وقت الحروب مشترطاً توقف الدولة عن الاقتراض فور انتهاء تلك الحرب ، حتى لو كان الاقتراض سيتم لمواجهة سداد قروض حل أجل استحقاقها .
ديفيد ريكاردو :
لا تختلف آراء ريكاردو عن آراء زميله سميث ، فهو يري أن الأموال التي تقترضها الدولة ، تسحب من رأس المال الخاص ، المنتج واللازم لتمويل النشاط الاقتصادي ، وبما أن الدولة تنفق تلك الأموال في جوانب غير منتجة ، فإن الدين العام يجعل الاقتصاد أقل إنتاجية وأكثر تبذيراً . إن ريكاردو فضل الضرائب علي القروض ، وبني تفضيله علي اعتبارين :
الأول : إن الشعور بالكراهية تجاه الضرائب الثقيلة ، يمنع استمرار الحكومة في إنفاق الأموال علي الجوانب غير المجدية .
الثاني : أن الضرائب مصدرها إيرادات الأفراد ، بينما القروض عادة ما تكون مصدرها رأس مال الأفراد ، وهو رأس مال منتج ، بعكس النفقات العامة التي تمولها القروض ، والتي تكون غير منتجة .
جون ستيوارت ميل :
يؤكد ميل علي الخسائر الناتجة عن تحويل رأس المال من القطاع الخاص إلى الحكومة . بينما لا يعارض القروض الحكومية إذا كانت من المدخرات العاطلة ، أو إذا كان رأس المال المحول للحكومة غير منتج ، مستخدماً سعر الفائدة كمقياس لمدى إنتاجية تلك الأمول ، فإذا ارتفع سعر الفائدة مع زيادة الاقتراض الحكومي ، دل ذلك على أن مصدر تلك الأموال المقترضة ، هو رأس المال المنتج ، أما إذا لم يطرأ أي تغيير في سعر الفائدة ، دل ذلك على أن مصدر الأموال المقترضة ، هو المدخرات العاطلة .
ديفيد هيوم :
يؤكد ديفيد هيوم علي أن الدين العام من أسباب تدمير الدولة ، وأن الدولة التي تبدأ بالاقتراض ، سينتهي بها الحال إلى الإفلاس ، نظراً للأعباء الثقيلة للدين العام علي أفراد المجتمع ، بالإضافة إلى ذلك فإنه يشجع على الاستهلاك ، ويكون ذلك علي حساب الإنتاج ، علي اعتبار أن حملة سندات الدين ، يعتمدون في معيشتهم علي دخلهم الثابت الناتج من فوائد الدين .
جان باتيست ساي :
من الجانب الآخر يري ( ساي ) إن الإنفاق الحكومي لا يختلف من حيث المبدأ عن الإنفاق الاستهلاكي الخاص ، فكلاهما يعتبر مهدراً للثروة القومية ، إضافة إلى الأعباء الأخرى المترتبة علي القرض ، والمتمثلة بالفوائد المدفوعة علي سندات الدين العام .
مالتوس :
رغم المعارضة الشديدة من قبل الاقتصاديين الكلاسيك لموضوع الدين العام ، إلا أن البعض منهم كان أقل حدة مثل ( مالتوس ) الذي يري أن الدين العام يعمل علي زيادة الإنتاج وتنمية النفقات ، وبالتالي زيادة معدل الاستهلاك الذي يعتبر ضرورياً للدفع بعملية الإنتاج ونمو النشاط الاقتصادي .
إضافة إلى ( مالتوس ) فقد ظهر بنهاية القرن التاسعي عشر عندما انفصلت المالية العامة عن الاقتصاد وبدأ الاهتمام بتطوير المالية العامة كعلم مستقل ، عدد من الاقتصاديين الكلاسيك المتخصصين في المالية العامة ، مثل باستيل ، الذي يري أن عملية الاقتراض سواء قامت بها الدولة أو القطاع الخاص ، فإنها لا تخلق ثروة جديدة في المجتمع ، وأن الاقتراض لا يتم إلا لأغراض إنتاجية ، فكما أن هناك حدوداً لقدرة الأفراد علي الاقتراض بناء علي دخولهم ، كذلك تتحدد قدرة الدولة علي الاقتراض بحجم إيرادات الجهاز الحكومي والضرائب .
كما يؤكد باستيل علي ضرورة التفرقة بين القروض العامة التي تعقد لأغراض غير اقتصادية والقروض الإنتاجية .
كما ركز الاقتصادي Alexander Hamilton علي مزايا الدين العام ، وعلي أهمية الدور الذي يلعبه في الحياة الاقتصادية للدولة ، فهو يعتبره نعمة قومية وأساس قوي للأمة خاصة إذا لم يكن مفرطاً فيه ، واستخدمت مكوناته استخداماً جيداً وفي أغراض إنتاجية وكانت إدارته سليمة . ووفقاً لموقف هاملتون المتطور من الدين العام ، يمكن أن يدرج ضمن الاقتصاديين المحدثين .
ثانياً : الدين العام في ظل الفكر الحديث :
أدت أزمة الكساد الكبير التي اجتاحت العالم في ثلاثينات القرن الماضي إلى مراجعة آراء المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية ، التي افترضت أن الاقتصاد يتجه تلقائياً نحو التوازن عند مستوي التشغيل الكامل .
وظهرت آراء جديدة تزعمها الاقتصادي جون ميرارد كينز بنظريته الحديثة التي نشرها عام 1936 باسم النظرية العامة في العمالة ، الفائدة ، النقود ، والتي تعتبر نقطة تحول بالنسبة لنظرية الدين العام .
حيث أشار كينز إلى إمكانية حدوث التوازن الاقتصادي تحت مستوي التشغيل الكامل ، وبالتالي يكون الاقتصاد يعاني من وجود موارد عاطلة . ويؤكد كينز علي ضرورة تدخل الحكومة في رفع الاقتصاد نحو التشغيل الكامل عن طريق استحداث عجز في الموازنة العامة تمويله بالقروض العامة ، وبهذه الحالة فإن الإنفاق الحومي سوف يعمل علي سحب الموارد العاطلة من القطاع الخاص ويسمح بتشغيلها مما يؤدى إلى زيادة الناتج والدخل .
وبذلك فإن النظرية الكنزية وجدت في التوسع في الإنفاق العام والخروج علي مبدأ توازن الميزانية العامة ، عاملاً من عوامل التوازن الاقتصادي ، وفتحت بذلك الطريق أمام الأخذ بمبدأ عجز الميزانية ، وبالتالي الالتجاء إلى القروض العامة لتغطية النفقات العامة ، سواء كانت نفقات استثمارية أو نفقات استهلاكية .
وقد أوضح كينز وتبعه كثير من الاقتصاديون خاصة الكنزيين الأمريكيون ، أن تأييد أو معارضة القروض العامة يتوقف علي ما يترتب عليها من آثار ، وفي هذا الجانب يري هانسن أن نجاح أو فشل سياسة الدين العام تتحدد علي أساس الدخل القومي وتوزيعه ، أي أن الحكم علي حجم الدين العام يجب أن يعتمد علي الأضواع القائمة لمستوي الدخل القومي وليس طبقاً لمبادئ الحساب التجاري الخاص .
بمعني آخر ، يري هانسن أنه يجب أن لا يحكم علي السياسة المالية للدولة بنفس المعايير المحاسبية التي تحكم نشاط المشروع الخاص ، إنما علي أساس دورها في السياسة الاقتصادية وأهميتها في علاج مشاكل عدم الاستقرار ، واستشهد هانسن بالتاريخ الحديث للقروض العامة التي ساهمت في نمو الاقتصاديات الرأسمالية ، وتجربة اليابان خلال القرن التاسع عشر ، ودور القروض العامة في تدعيم السوق المالي .
وتطورت أفكار كينز علي سيد ( ABALERNER ) الذي اعتبر القروض العامة إحدى الأدوات المالية الأساسية ، إلى جانب النفقات العامة ، الضرائب ، الوفاء بالدين العام ، الإصدار الجديد ، سحب النقود من التداول ، تخفيض عرض النقود ، وأن هذه الأدوات يجب النظر إليها من حيث نتائجها ، أي أن نجاح تلك الأدوات يتوقف علي الطريقة التي توظف بها في الاقتصاد القومي وفي مواجهة كافة مشاكل عدم الاستقرار .
ففي حالة الكساد الاقتصادي يجب أن لا يثير حجم الدين العام أية مخاوف سواء استمدت الحكومة ذلك الدين من الجمهور أو عن طريق إصدار مزيد من النقود . أما في حالة الرواج أو ارتفاع الأسعار، فإن زيادة الضرائب يمثل حلاً أمثل لكبح القوي التضخمية ، مع إمكان استخدام فائض الميزانية لسداد أصل الدين مع فوائده .
إضافة إلى ذلك فإن ( ABALERNER ) يري أن سداد أعباء الدين العام ليس من الضرورة أن يتم من خلال فرض ضرائب جديدة ، إنما من الممكن مواجهته عن طريق عقد قروض جديدة ، أو إصدار نقدي جديد ، وإن آثار سداد عبء الدين الداخلي تنحصر في الآثار التمويلية ، دون وجود آثار اقتصادية خطيرة .
وتطور الفكر الاقتصادي بعد ذلك بظهور تيار حديث بعد ليرنر ، تبناه ( Jerli cho ) ، أكد علي الدور الإيجابي للدين العام في النشاط الاقتصادي والتأثير الفعال للدين العام علي النظام المالي . وبالتالي لم يعد الدين العام أداة مؤثرة من أدوات السياسة المالية فحسب ، بل تعداه ليصبح عاملاً أساسياً لتطوير النظام المالي والائتماني ، بعد أن وصفه التقليديون بأنه أداء لتدمير الأمة ، ومؤشراً على إفلاسها .
وبعد تفاقم ظاهرة الكساد التضخمي التي برزت في الستينات والسبعينات من القرض العشرين وأضحت تناقض أفكار كينز التي ضمنها نظريته في العمالة والفائدة والنقود ، ظهر تيار جديد في الولايات المتحدة الأمريكية هم أنصار النظرية النقدية بقيادة ميتلون فريدفان واقتصاديو مدرسة تشيكاغو الذين نادو بعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي معتبرين لجوء الدولة إلى القروض العامة ظاهرة سلبية ، مطالبين بوقف القرض العام والتخلص من القروض القائمة ، مؤكدين علي أن الاستخدام السيئ لحصيلة القروض العامة وعدم التحديد الدقيق لمصادر سدادها ، يقود إلى إعادة توزيع الدخل والثروات بين الأجيال وفئات المجتمع بصورة غير عادلة .
علي أساس أن سداد تلك القروض مع فوائدها يتم عن طريق الضرائب التي يدفعها كافة أفراد المجتمع ويكون تأثيرها كبيراً علي الفئات ذات الدخل المحدود في الوقت الذي تحصل فيه المؤسسات المالية الكبيرة كالبنوك والصناديق وشركات التأمين علي أغلبية الفوائد لأنها تمتلك في العادة معظم سندات القروض العامة .
وأخيراً يمكن القول أن تطور دور الدين العام قد نما باضطراد من خلال الفكر الاقتصادي حتى أصبح يمثل أداة هامة من أدوات السياسة المالية والنقدية في الوقت الحاضر .
ثالثاً : الدين العام في نظر الإسلام :
الإسلام لم يحرم التداين أو الاقتراض ، وموقف الإسلام من السياسة الائتمانية يتركز في الربا أو الفائدة المحتسبة علي القروض . حيث حرم الإسلام تحريماً قاطعاً الفائدة ( الربا ) المأخوذة علي القرض نتيجة للضرر الكبير الذي يلحق بالمدين إثر تلك الزيادة علي المبلغ المقروض .
قال تعالى في محكم كتابه في الآية 274 من سورة البقرة : " وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ، وقال سبحانه في الآية 274 من نفس السورة " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " .
ودار جدل فقهي وفكري وما يزال يدور حول المعني المقصود بكلمة ( الربا ) التي وردت في القرآن الكريم . وانقسمت الآراء وتشعبت وتعددت حيث فرق البعض بين فوائد القروض وبين الربا ، وفرق آخرون بين الربا والربا الفاحش معتبرين أن هذا الأخير هو الذي حرم في الإسلام ، لكن وفي كل الأحوال فإن كلمة ( الربا ) تنصب علي أي مبلغ زائد عن أصل القرض سواء أكان المبلغ قليلاً أو كثيراً .
وحرم الإسلام الربا من أجل الإنسان وبالتالي فإن التحريم ينصب علي ما يسمي بالقروض الاستهلاكية ، أي أن القروض التي تعقد بين الأفراد علي أن يقوم المقترض باستخدام مبلغ القرض في جوانب استهلاكية ، أما إذا كان المقترض سيقوم بتوظيف قيمة القرض في مجالات استثمارية ، كان للمقرض الخيار في احتساب فائدة علي ماله أو مشاركة المقترض في النتيجة المحققة للمشروع الاستثماري ربحاً أو خسارة وهذا ما تقوم عليه فكرة البنوك الإسلامية .
والخلاف يزداد تعقيداً عند تحديد موقف الإسلام من القروض العامة التي تعقدها الدولة إما لسد فجوة الموارد المحلية ، أو لتطبيق سياسة نقدية معينة ، فهل يختلف موقف الإسلام عند معالجة هذا النوع من القروض وهل ينطبق حكم الربا علي حاملي السندات الحكومية ورغم صعوبة تطبيق المشاركة في الربح والخسارة في مشروعات الدولة كتبرير لانعدام الربا في هذه الحالة ، لكن الدولة قد تستخدم حصيلة القروض العامة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والصحة والتعليم والدفاع ... إلخ وهي جوانب لا تدر ربحاً وبالتالي لا ينطبق عليها الفكرة التي قامت عليها البنوك الإسلامية ، وطالما أنه يصعب علي الدولة الحصول علي قروض بدون فوائد ، سيبقى الخلاف قائماً حول موقف الشريعة الإسلامية من السياسة الائتمانية العامة .
وخلاصة لما تقدم فإن موقف الفكر الاقتصادي من الدين العام ، ارتبط بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ، فبعد أن كان ينظر إليه التقليديون أنه يتم علي حساب سحب الموارد من القطاع الخاص إلى القطاع العام الأقل كفاءة في استخدام تلك الموارد .
مع إيمانهم بأن الاقتصاد في حالة تشغيل كامل وبالتالي المحافظة علي توازن الميزانية ، جاء الفكر الحديث بإمكانية حدوث التوازن تحت مستوي التشغيل الكامل لوجود موارد عاطلة وبالتالي ضرورة تدخل الدولة بإحداث عجز بالموازنة وتمويله بالقروض العامة وسيعمل ذلك علي سحب الموارد العاطلة من القطاع الخاص وتشغيلها مما سيؤدى إلى زيادة الناتج والدخل .
أما الإسلام فإنه لم يحرم الاقتراض أو التداين وحرم الربا أو الفائدة التي تحتسب علي تلك القروض ، والخلاف قائم حول الموقف من الفائدة المحسوبة علي القروض الاقتصادية أو القروض التي تحصل عليها الدولة وتنفقها في المجالات التي لا تدر ربحاً ، وجاءت البنوك الإسلامية كبديل للبنوك التجارية لمعالجة هذا الموضوع رغم التباين وعدم الاتفاق حول الأنشطة والائتمان المقدم من البنوك الإسلامية .
تعليقات