ما هي الدورة الاقتصادية ؟ وما هي مراحلها وأنواعها ؟ |
بحث عن الدورة الاقتصادية :
محتويات البحث :
(1) مفهوم الدورة الاقتصادية .
(2) تعريف الدورة الاقتصادية .
(3) مراحل الدورة الاقتصادية .
(4) أنواع الدورات الاقتصادية .
مفهوم الدورة الاقتصادية :
في عالمنا يسعي الجميع إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، من أجل رفع النمو وتحقيق مستوي مرتفع من توظيف عناصر الإنتاج ، وبالرغم من أن السواد الأعظم من منظري علم الاقتصاد يقرون بأن هذا المطمح معياري ، لا يتأتي بالجملة لأي كان ، فإنهم يختلفون في تقدير أسباب التقلبات الاقتصادية ومددها .
ومنذ القرن التاسع عشر كان علم الاقتصاد يحاول الوصول إلى قاعدة نظرية تُقَنّن لتطور الاقتصاد وتحقيبه بين مراحل محددة ، ومن الأسماء اللامعة في هذا الشأن نجد الاقتصادي الفرني كيلمنت جوغلار Clement Juglar ( 1819 - 1905) ، والإحصائي الإنجليزي جوزيف كيتشين Joseph Kitchin ( 1861 - 1932) ، والاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر Joseph Schumpeter ( 1883 - 1950 ) ، وكذا الاقتصادي الروسي نيكولاي كوندراتيف Niolai Kondratieff ( 1892-1938) ، وكل من هؤلاء حدد مدة الدورة وتجلياتها ومراحلها ، ولنا عودة إليهم .
وبعد الحرب العالمية الثانية انصب الاهتمام أكثر بتحديد أسباب التوسع وكيفية الحفاظ عليه ، وأسباب الركود وكيفية الخلاص منه ، وقد أدت النظرية الكينزية دوراً مهماً في بناء النظرية المعاصرة للتقلبات الاقتصادية ، وفسرتها انطلاقاً من الاختلالات الحادثة في الأسواق ، وتم التفريق بين الدورات الخارجية والداخلية .
والحقيقة أن الجهد العلمي في هذا الموضوع كبيراً جداً ، خاصة بعد سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم ، حين تعقدت الأمور الاقتصادية وعجزت بعض الأطر التقليدية عن تفسير التقلبات التي تزداد تعقداً مع التشابك والتغير المتسارع .
ومع الحجج القوية التي ساقها الاقتصاديون الذين يعتبرون أن الاقتصاد يتحرك في دورة منتظمة أو شبه منتظمة ، أي أن هذه الحركة يتعاقب فيها التوسع والركود ، فقد لاقت معارضة من اقتصاديين آخرين يعتبرون أن هذه التقلبات ما هي إلا صدمات عشوائية ، أي أنها ليست إلا حالة عارضة ، سببها أخطاء السياسات المالية والنقدية أو الأهواء والنزوات السياسية ، فلا يلبث أن يعود بعدها النظام إلى مساره الطبيعي ، فلا يمكن الركون إلى فترة اقتصادية واعتبارها قاعدة لفترة تتغير فيها المعطيات ، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بها .
وإذا انطلقنا من فرضية أن الدورات الاقتصادية واقع موجود وظاهرة صحية ملازمة للاقتصاد الرأسمالي ، وهو ما نجد عليه أغلب المدارس الاقتصادية ، فإننا سنصطدم أيضاً باختلاف المفكرين الاقتصاديين في تحديد عواملها ومسبباتها ، فهناك من يرجعها إلى الظروف المناخية ، والبعض ينسبها إلى النقص في الاستهلاك ، والآخرون يرجعونها إلى تداعيات الابتكارات التكنولوجية ، كما ينقسم أصحاب المدرسة الحديثة بين فرضية الإفراط في الاستثمار، وفرضية التقلبات النقدية .
تعريف الدورة الاقتصادية :
الدورة الاقتصادية Economic cycle أو دورة الأعمال Business cycle أو الدورة التجارية Trade cycle ككل مفهوم أو ظاهرة تتعدد تعريفاتها ، ذلك لاختلاف المدارس الفكرية الاقتصادية ، واختلاف النظر إلى آثار الدورة علي متغيرات الاقتصاد الكلي ومدى شدتها ، وقد اخترنا مجموعة تعريفات منها :
التعريف الأول :
" هي التغيرات المتواترة في مستوي الأعمال والنشاط الاقتصادي " .
التعريف الثاني :
" هي تلك المراحل المختلفة التي تجمع بين تقلبات الأعمال فيما بين أزمتين ، وتنطلق من الأزمة إلى الركود إلى الانتعاش إلى الأزمة من جديد ، معبرة بذلك عن التطور الدوري للاقتصاد الرأسمالي " .
التعريف الثالث :
" هي نوع من التقلبات المتواجدة في النشاط الاقتصادي الكلي للبلدان التي يتم تنظيم العمل فيها أساساً في إطار المؤسسات ، وتتألف من توسعات تظهر في نفس الوقت في عديد من النشاطات الاقتصادية ، تتبعها حالات عامة من الركود والانكماش والانتعاش ، والتي تندمج في مرحلة التوسع القادمة ، وهذه السلسلة من التغييرات تكون متكررة وليست دورية " .
التعريف الرابع :
" هي تقلبات تصيب النشاط الاقتصادي القائم علي آليات السوق بصفة خاصة ، وهي تحدث في حجم الإنتاج ومستوي التشغيل والمستوي العام للأسعار ، وتختلف عن بعضها من حيث المدة والحدة في التقلبات .
وتعليقاً علي هذه التعريفات وغيرها ، يتجلي بوضوح أن هناك أركانا أساسية في تعريف هذا المصطلح تتمثل في :
- أن الدورة الاقتصادية تقلبات تحدث في متغيرات الاقتصاد الكلي .
- أن لهذه التقلبات صفة التعاقب والترابط .
- أن أثرها هو التوسع والانكماش ، ففي التوسع تغلب مؤشرات التعافي في النمو والاستثمار وتوازن السوق ، وفي الانكماش يتجه الاقتصاد إلى الضيق والتأزم ، وتسود مؤشرات الكساد واختلال العرض ويتراجع الاستثمار .
- أنها نمط سلوك منتظم أو شبه منتظم ، بمعني أنها تتكرر ويمكن التنبؤ بها .
ومن التعريفات السابقة يمكننا تعريف الدورة الاقتصادية علي أنها " هي تقلبات من التوسع والانكماش ، تتكرر بشكل شبه منتظم ، وتصيب الاقتصاد الكلي لنظام ما ، وتظهر آثارها في حجم الإنتاج والتشغيل ومختلف عناصر السوق " .
مراحل الدورة الاقتصادية :
مع اختلاف الدورات الاقتصادية في المدة والحدة ، فقد تكون إحداها طويلة وذات أزمة حادة ، وتكون الأخرى أقصر وأخف ، فإنها تتماثل في مرحلتيها ، فكل الدورات الاقتصادية تتكون من مرحلتين أساسيتين هما التوسع والانكماش ، لكن يغلب بين الاقتصاديين أن يقسموها إلى أربع مراحل هي : التوسع ، الرواج ، الركود ، الكساد .
1- مرحلة التوسع :
تعقب مرحلة الكساد ، وتبدأ عندما تتغلب قوي العرض ( المنتجون ) علي العوائق التي تواجه تصريف منتجاتهم ، مما يساهم في تحريك الإنتاج ، وتخفيض كميات مخزونها بشكل تدريجي حتى يصل إلى التوازن بينها وبين حاجات الاستهلاك ، ومن ثم يرتفع الطلب تدريجياً ، وينبعث النشاط الاقتصادي من جديد .
كما يتصل بهذه الخصائص ارتفاع متواصل للناتج الإجمالي العام ، وتراجع البطالة إلى المعدل الطبيعي للاقتصاد ، وارتفاع الأرباح لدي قطاع الأعمال ، مع حركية في الدائرة المالية .
2- مرحلة الرواج ( القمة ) :
تتميز بالاقتراب من التشغيل الكامل للموارد ( الأرض ، العمل ، رأس المال ، التنظيم ) وبارتفاع في المستوي العام للأسعار ، وتزايد حجم الإنتاج الكلي بمعدل سريع ، وتزايد حجم الدخل ، كما يزداد في هذه المرحلة حجم الاستثمار ، وترتفع نسبياً أرباح الفائدة في البنوك ، وتسعي بعض الحكومات إلى سحب الفائض النقدي في هذه المرحلة ، وبالعموم هي مرحلة مريحة ترغب كل الاقتصادات في المكوث فيها طويلاً .
3- مرحلة الركود :
وهي حالة تحول مسار النشاط الاقتصادي عن قمة رواجه وعودته إلى التباطؤ ، وإذا كان هذا التحول مفاجئاً يطلق عليه الأزمة ، أما إذا كان خفيفاً فيسمي تراجعاً ، ويشمل هذا التباطؤ مختلف قطاعات الإنتاج ، حيث ينخفض الإنتاج وتقل عروض العمل ، بل تشرف بعض الشركات علي الإفلاس فيتم تسريح العمالة ، ويؤثر ذلك في تراجع الدخول والاستهلاك ، وبالتالي في انخفاض أرباح الشركات ، كما تشهد الدائرة المالية ركوداً حاداً ، حيث تتراجع الاستثمارات والإيداعات المصرفية ، ويتجه الناتج الإجمالى إلى الانخفاض .
4- مرحلة الكساد ( القاع ) :
وهي الفترة الحرجة التي تتسارع الدول إلى الخروج من عنقها الضيق ، وكل خصائصها سلبية من تدني الناتج المحلى الإجمالي أو اتجاهه سلبياً ، إلى كساد التجارة وارتفاع مستوي البطالة إلى أعلى مستوياتها ، وانخفاض الطلب الاستهلاكي عن الطاقة الإنتاجية ، وتقلص أرباح الشركات إلى أدناها ، كما تنقبض حركية الدائرة المالية ، إذ يتسبب الذعر التجاري في توقف الإقراض لدي المصارف ، وأحيانا تخفض البنوك الفائدة إلى أقل مستوياتها .
وغني عن البيان أن المراحل المذكورة مرتبطة ارتباطاً عضوياً ، إذ تتجمع أسباب الدخول إلى مرحلة خلال المرحلة التي تسبقها ، ففي مرحلة التوسع إلى القمة يتزايد الإنتاج ويترافق مع توظيف كامل أو شبه كامل للموارد ، كما يتزايد المعروض النقدي نتيجة التشغيل الكامل ، ومن هنا تنشأ حالة التضخم ، فترتفع الأسعار ثم ينخفض حجم العمالة للمحافظة علي الأرباح ، ويسود الركود حينها ، ثم ينسحب أصحاب رؤوس الأموال من السوق فينخفض الناتج الإجمالى والطلب الكلي ، وتستوي مرحلة الكساد ، وعندما لابد للأسعار أن تنخفض لانخفاض الطلب الكلي ، ويتراجع التضخم ومخزون السلع ، فيشجع المنتجون على زيادة كميات الإنتاج ويرتفع الطلب علي العمالة ، وتظهر مؤشرات التعافي ، وهكذا دواليك .
أنواع الدورات الاقتصادية :
شكلت أعمال الاقتصاديين الأوائل الذين تخصصوا في الدورات الاقتصادية أهمية بالغة في بناء الأسس التنظيرية لهذه الدورات ، ومن أنهم اختلفوا في تقدير مدة الدورة ، لكنهم أثبتوا مجمعين أن هناك تماثلاً بين الدورات في تعاقب مراحلها .
وتنسب الأنواع إلى صاحبها ، وأشهرها ثلاثة ، دورات كيتشن ، دورات جوغلار ، دورات كوندراتيف .
1- دورات كيتشن Kitchin cycle :
وتسمي بالدورات الصغري ، تنسب إلى الإحصائي الإنجليزي جوزيف كيتشين Joseph Kitchin الذي استعمل في 1920 سلاسل مالية ومؤشرات للتميز بين دورات أساسية مدتها 10 سنوات ، تتكون من 3 دورات فرعية مدتها 3 سنوات أو ما يزيد عليها بشهور .
وما يعنينا هنا الدورات الفرعية المسماة بالصغري ، والتي تكفي مدتها لرفع الشركات لإنتاجها حين شعورها بتحسن الوضع ، فتستخدم رأسمالها وعمالتها كاملين ، وبعد وقت معين تغرق السوق بسلعها ، ويقل الطلب أمام العرض ، فتنخفض الأسعار والجودة أيضاً ، وتكدس السلع ، إلى أن تخفض الشركات الإنتاج متربصة لما يطمئنها علي إعادة الكرة .
وقد أكدت دراسة كيتشين علي اقتصاد بريطانيا والولايات المتحدة خلال الفترة 1890-1922 صحة هذه الدورة ، ونشر عمله في ورقة بحثية بعنوان الدورات والاتجاهات في العوامل الاقتصادية ، وأوضح فيها أن السبب الأساس في هذه التقلبات يرجع إلى تخلف وصول المعلومات إلى الشركات من جانب ، وإلى عوامل سيكولوجية تتعلق بالمخاوف من المخاطرة الإنتاج من جانب آخر ، وبالاختصار فإن دورة كيتشين داخلية تلعب فيها المتغيرات المحيطة بالشركات دورها .
2- دورات جوغلار Juglar cycle :
وتسمي بالدورات الوسطي أو دورات الاستثمار ، وتنسب إلى كيلمنت جوغلار Clement Juglar الاقتصادي الفرني ، الذي قام سنة 1862 بتحليل الأزمات الاقتصادية في كتابه " الأزمات التجارية والعودة الدورية لها في فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة " ليحدد عمر الدورة بـ 7 إلى 10 سنوات ، ويؤكد أن الطلب علي السلع لا يتحكم فيه المتغير التقليدي المتمثل في الحاجة فحسب ، بل إن هناك أيضاً عوامل أساسية مثل أسعار الفائدة ، وأرباح المشاريع وتوقعات المستثمرين في حلقة متواصلة بينها .
وقد ركز جوغلار علي الاستثمار كثيراً في دورته ، وقد جاب بعده جوزيف شومبيتر Joseph schumpeter ليرتب دورة جوغلار في مرالحها الأربعة ( التوسع ، الأزمة ، الكساد ، الانتعاش ) فوجد أن هذه المراحل تتماشي وحالة الاستثمار ، ففي التوسع ينجح المستثمرون في توجيه رأسمالهم في المنتجات الحيوية ، ويرتفع الإنتاج وتنمو القروض ، وفي الأزمة تتخبط البورصة وتعلن الإفلاسات ، أما في الكساد فيتراجع الإنتاج ، ثم تتنفس الاستثمارات في مجالات حيوية في مرحلة الانتعاش .
3- دورات كوندراتيف Kondratieff :
المسماة بالدورات الطويلة ، وتنسب إلى الاقتصادي الروسي Nikolai Kondratiff ، ضمنها في كتابه الذي أصدره سنة 1926 ، بعنوان : دورة الموجة الطويلة Long Wafe Cycle ، والذي يعتبر عملاً متقناً ألهم من بعده تبصرة ثاقبة حول التقلبات الكبري علي مستوي الاقتصادات المحلية والاقتصاد العالمي ، وتمتد دورة كوندراتيف بين 50 و 60 سنة ، وتتكون من ثلاث مراحل ، التوسع والركود والكساد .
تأخذ الأولى والأخيرة مدة 20 سنة لكل منهما ، والثانية مدة 10 سنوات ، وتتسبب في حدوث الكساد الاقتصادي ، إذ أن الطلب الفعال لا يستطيع مجابهة العرض كما حدث إبان الكساد العالمي الكبير في عام ( 1929-1933 ) والذي أصاب المؤسسات الاقتصادية وأسواق المال العالمية سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأمريكية .
وهي ظاهرة ترتبط بالقفزات التكنولوجية ، وتساعد علي توليد دورات من السلوك السياسي ، أو مطابقة بين الدورات السياسية ودورات الركود والانتعاش الاقتصادي .
وتتحرك هذه الدورات بمتغيرات أسعار الفائدة ومعدلات الربح ، ففي التوسع تتوازن المنافسة بما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة جراء الطلب المتزايد على رؤوس الأموال ، وبسبب فائض العرض وانخفاض الطلب تتراجع الأسعار وينخفض الاستهلاك ، ويقل الطلب علي الأموال في مرحلة الركود ، وتنكمش النشاطات الاقتصادية ويقل الإنتاج إلى أن تظهر الإفلاسات في مرحلة الكساد .
هذا ، وجادل كوندراتيف بأن هذه التقلبات تصيب كل قطاعات الاقتصاد ، وقد عمد إلى التاريخ ليحدد معالم زمنية لدورات سابقة في القرن 18 و 19 ، واستخدم لاحقوه معطياته لتحديد دورات القرن العشرين ، وهو من استند إليه إيمانويل فالرشتاين ليستقي من افتراضاته التوجه العام للنظام العالمي .
تعليقات