ما هي الأزمة المالية ؟ وما هي أنواعها ؟ |
بحث عن الأزمة المالية :
محتويات البحث :
(1) ما هي الأزمة المالية ؟ .
(2) تعريف الأزمة المالية .
(3) مؤشرات الأزمة المالية .
(4) أنواع الأزمات المالية .
(5) أسباب حدوث الأزمات المالية .
ما هي الأزمة المالية :
يتزامن الركود الاقتصادي غالباً مع أزمة النظام المصرفي والمالي ، فإما تشح عروض التمويل ، وإما أن تنهار أصول الأسعار المالية وأحياناً يفلس القطاع البنكي ، فيزيد الأزمة الاقتصادية حدة ، إضافة أن عدم الاستقرار المالي لفترة كافية يؤدى في الغالب إلى الانهيار في وظائف الأسواق المالية ، مما يجر إلى آثار مضرة بالاقتصاد العيني الحقيقي ، من خلال تضييق الائتمان وانخفاض الاستثمار فتظهر الأزمة الاقتصادية والركود .
هذا ، وقد شهد الاقتصاد العالمي منذ القديم العديد من الأزمات المالية التي أعاقت النمو الاقتصادي ، حيث بلغ عدد تلك الأزمات المالية 400 أزمة بين عامي 1970 و 2013 ، وقد خلفت هذه الأزمات آثاراً بالغة على جميع الجوانب والقطاعات ، وإن القرن الواحد والعشرين منذ مطلعه يشهد اضطرابات مالية متبوعة بأزمات مالية كبيرة بدأت بأزمة فقاعات شركات الإنترنت بالولايات المتحدة ، لتعقبها أزمة الفقاعة العقارية منذ 2007 ، وأزمة الديون السيادية بأوروبا ، وعلاوة على آثار هذه الاضطرابات فقد أصبحت تشهد تكثفاً زمنياً ، فلم تعد المدة بالطويلة بينها .
وانطلاقاً من هذه العلاقة المهمة بين الأزمة المالية والاقتصادية كان لابد من الوقوف مع الأزمات المالية ، وضبط مفهومها وأنواعها وأسباب حدوثها ، وهذا ما سنتناوله في هذا البحث .
تعريف الأزمة المالية :
تتضمن الأزمات المالية توليفات مختلفة من المشاكل النقدية والمصرفية ومشاكل الديون ، وقد أدت هذه التوليفات والأشكال إلى تعدد تعريفات وأنواع الأزمة المالية .
كان مصطلح الأزمة المالية يطلق للتعبير عن الأزمات المصرفية ، لذا جاء تعريف الأزمة المالية يكتسي طابعاً ضيقاً ينحصر في وصف الخلل في القطاع المصرفي ، ومن التعريفات في هذا الاتجاه : " فقدان الثقة في العملة المتداولة في البلاد أو في الأصول المالية الأخرى مما يدفع بالمستثمرين الأجانب إلى سحب مدخراتهم " .
ثم تطورت التعريفات تماشياً مع التغير في الأوراق وشؤون المصارف والبورصات ، وتعرف الأزمة المالية عن طريق مظاهرها بأنها : " تدهور حاد لمجموعة من المؤشرات المالية مصحوب بفشل المؤسسات المالية ، التي تفقد جزءاً كبيراً من قيمتها أو قيمة الأصول المملوكة لها " .
وتعرف كذلك الأزمة المالية بأنها : " اضطراب مفاجئ وحاد في بعض التوازنات الاقتصادية يتبعه انهيار بعض المؤسسات المالية تمتد آثاره إلى القطاعات الأخرى " . وتعرف أيضاً بـ : " تدهور حاد في الأسواق المالية لدولة أو لمجموعة من الدول ، والتي من أبرز سماتها فشل النظام المصرفي المحلي في أداء مهامه الرئيسية ، والذي ينعكس في تدهور كبير في قيمة العملة وفي أسعار الأسهم لأهم الشركات الصناعية في السوق ، وما لها من آثار سلبية علي قطاع الإنتاج والعمالة وما ينجم عنها من إعادة توزيع الدخول والثروات فيما بين الأسواق الدولية " .
وانطلاقاً من هذه التعريفات يمكننا تعريف الأزمة المالية بأنها : " اضطرابات تصيب السوق المالية ، وتتسبب في الانهيار الجزئ أو الكلي للنظام المالي والنقدي ، وتؤثر في المتغيرات المالية من أسهم وسندات ومعدل صرف وقروض وودائع " .
مؤشرات الأزمة المالية :
كان المعتمد منذ العصر الحديث في اكتشاف الأزمات المالية علي مجموعة من المؤشرات ، منها ارتفاع معدل التضخم والعجز المالي وارتفاع الديون الخارجية والانخفاض في معدل الصادرات ، وهي مؤشرات تزعزع ثقة المستثمرين ، مما يدفع بهم إلى سحب أسهمهم أو أنشطتهم فيزداد الوضع سوءاً .
وقد زيد إلى جانب ذلك مؤشرات مهمة ، من بينها :
1- رصيد الديون المتعثرة ، إذ تلتقي كل المصارف بمسألة تعثر الديون المستحقة من العملاء ، علي أن هذا التعثر يبقى في دائرة المخاطرة المقبولة ما لم تتجاوز نسبة الديون المتعثرة 10% من إجمالى القروض المصرفية ، فإن تجاوزها تبدأ الأزمة المصرفية وتكبر دائرة تأثيرها شيئاً فشيئاً .
2- تدهور رأس المال نتيجة لانخفاض موجودات المصرف علي طلباته .
3- تضخيم العملاء المقترضين لأصولهم العقارية خاصة بغرض الحصول على قروض أكبر ، بما يجعل النظام المصرفي غير قادر على تقدير القيمة الحقيقية لتلك الأصول فتزداد مخاطرة المصرف خاصة إن عجز المقترضون عن الإيفاء بالتزاماتهم ، وهو ما يفتح باب الأزمة المالية أيضاً .
4- الإعصار المصرفي ، والذي يجر غالباً إلى الإفلاس ، ويحدث حين لا تكفي مداخيل المصرف لتغطية نفقاته ، وهو أمر متصل بتعثر ديونه وتدهور رأسماله وانخفاض معدل التغطية .
أنواع الأزمات المالية :
تتخذ الأزمات المالية أشكالاً مختلفة ، من أهمها :
1- الأزمة المصرفية :
ويطلق عليها أيضاً أزمة الذعر المالي ، وتحدث حين يواجه المصرف ارتفاعاً مفاجئاً وتزايداً في الطلب علي سحب الودائع ، ويأتي هذا السحب من البنوك ومن المؤسسات والأشخاص ، وغالباً يقع حين تنهار إحدى المصارف أو تشرف علي ذلك فتسحب من المصارف ودائعها .
وحيث أن المصارف تستخدم النسبة الأكبر من الودائع في عمليات الإقراض ، وفي طلبات السحب اليومية ، فإن تزايد سحب الودائع يوقع المصرف في أزمة سيولة تتوزع علي المصارف المرتبطة بها ، بما يزيد من أزمة الائتمان إذا امتنعت المصارف من منح القروض خوفاً من عدم القدرة علي تلبية طلبات السحب .
ولم تكن الأزمات المصرفية تحدث إلا نادراً حين كانت الحكومات قادرة علي فرض القيود علي رأس المال وعلي التحويلات ، ولكن مع تقدم العولمة المالية خاصة منذ سبعينيات القرن الماضي أصبحت هذه الأزمة تظهر بشكل كبير .
ويمكن التمييز بين نوعين من الأزمة المصرفية حسب حدتها ، فإذا كانت آثارها مطوقة بحدود مصرف أو بعض المصارف سميت أزمة مصرفية عادية ، يترتب عنها تآكل القاعدة الرأسمالية لتلك المصارف الموبوءة وتتأثر ملاءتها نتيجة لزيادة الأصول المتعثرة ، أما إذا تفشت الآثار إما بفعل الارتباط المالي بين المصارف أو بالذعر الذي يصيب المودعين أمام نقص المعلومات فيسحبون ودائعهم من المصارف السليمة والمصابة ، فإن ذلك يؤدى إلى أزمة مصرفية منظومية .
2- أزمة العملة :
تحدث أزمة العملة حين تنخفض قيمة عملة ما انخفاضاً حاداً بسبب هجوم مضاربي شديد عليها ، بما يجبر السلطات النقدية علي خفض قيمتها أو بيع مقادير ضخمة من الاحتياطات ورفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة ، وهو ما يمهد لأزمة انهيار سعر صرف العملة .
وتعني المضاربة بهذا الخصوص اتخاذ المضارب قرار تداول عملة ما - بيعاً وشراءً - وفقاً لتوقعات ارتفاع أسعار العملات أو انخفاضها ، بهدف محدد وهو الاستفادة من الفرق بين أسعار العملة يوم التعاقد ويوم الاستحقاق .
وقد توسع مفهوم المضاربة ليعني كل قرار اقتصادي يؤخذ حالياً تبعاً لتوقع القيمة المستقبلية لمتغير أو عدة متغيرات تعتبر هامة بالنسبة للوكيل الاقتصادي المقرر ، وهو المنهج الذي تعمل عليه أسواق الفروكس Forex markers ، وعلي سبيل المثال قد يتوقع المتداول بأن الدولار الأمريكي سيرتفع بعد شهور مقابل الدينار الجزائري ، فإنه سيسعي إلى شراء الدولار بسعره المنخفض ليستفيد من بيعه حين الارتفاع ، أو أنه يتوقع ارتفاعاً في سعر الفائدة بسبب انخفاض قيمة العملة مستقبلاً ، فإنه سيؤجل عملية الشراء ويحفتظ بالنقود السائلة ، علي أن احتمال الربح والخسارة قائم في كل الأحوال حسب الخبرة والمعرفة الدقيقة لأسواق المال والتحكم في طرق التحليل الصائبة ، وبالتالي فإن الطلب علي القنود يتوقف علي المراهنة والتوقعات بما سيحدث مستقبلاً علي المستويين الاقتصاديين المالي والعيني .
ومن الأمثلة الواضحة في أزمة العملة الأزمة المالية في شرق آسيا عام 1997 ، والذي كان منشأها انهيار عملة البات التايلاندية ، فقد تعرض البات لهجوم مضاربي شديد أمام العملات الأجنبية ، ما أدى إلى اختفائها وانهيار البات وعسر من جهود الحكومة في إعادة التوازن المالي ورفع من ديونها الخارجية وجرها إلى الإفلاس لتنتقل الأزمة تبعاً وبدرجات متفاوتة من الضرر إلى دول جنوب آسيا .
3- أزمة الأسواق المالية :
وتسمي أيضاً بالأزمة البورصية أو أزمة الفقاعة المالية ، فقد يحدث أن تنخفض قيمة الأصول المالية من سندات وأسهم وودائع مصرفية انخفاضاً حاداً ، وذلك بعد أن يقوم المضاربون بشراء أصل مالي بسعر يفوق قيمته الأساسية في ظل حالة التفاؤل في ارتفاع قيمتها وتوقع مكاسب عالية ، فيندفعون إلى الاستثمار في هذا الأصل ، لكن ما تلبث أن تنفجر الفقاعة المالية بحدوث صدمة تنقص هذا المسار ، وعادة ما يحدث ذلك الانفجار بتدهور مفاجئ للأسعار ، بما يؤدى إلى انخفاض مستمر في قيمة الأصول المالية ، وإلحاق الأضرار بالمتعاملين ، إذ تتراجع الأسعار والسيولة ، ويجر ذلك إلى أزمة اقتصادية أيضاً .
ويعتبر الاهتمام بسوق الأوراق المالية أمراً بالغ الأهمية في الحفاظ علي الحالة الاقتصادية المستقرة وفي تحقق الكفاءة في تلك السوق ، علي أن للمعلومات الجديدة التي تتوافد إلى المتعاملين دورها البالغ في سلوكاتهم وتداولاتهم ، وبها تتغير أسعار أسهم الشركات حسب طبيعة المعلومات والأنباء السائدة عنها ، وبناء على ذلك فإن مؤشر الكفاءة في سوق الأوراق المالية هو أن تستجيب أسعار الأسهم لكل معلومة تفد إليها ، ومع ذلك فإن هناك هامشاً لأخطاء تقديرات المتعاملين قد تتسبب في الأزمة .
4- أزمة المديونية :
تحدث هذه الأزمة عندما يتوقف المقترض عن السداد ، أو عندما يسود التشاؤم باحتمالية عدم السداد عند المقرضين فيحجمون عن تقديم قروض جديدة ، محاولين تصفية القروض القائمة وتداركها ، ويؤدى ذلك إلى مزيد من تعطيل الحياة الاقتصادية بشكل كبير .
وترتبط أزمة الديون بكل أنواع الديون التجارية الخاصة والديون السيادية العامة أيضاً ، وتؤدى المخاطر المتوقعة بأن يتوقف القطاع العام عن سداد التزاماته إلى تراجع حاد في تدفقات رأس المال الخاص وإلى أزمة الصرف الأجنبي .
وتعتبر المديونية الخارجية عقبة لاقتصادات العالم الثالث ، ومن الأمثلة البارزة لأزمة المديونية في هذه البلدان أزمة أمريكا اللاتينية بداية من إعلان المكسيك عن عدم قدرته علي الوفاء بالديون عام 1982 ، وذلك بعد أن نمت الديون الموجهة إلى العالم النامي بمعدل كبير في العقدين السابقين لانفجار الأزمة ، ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه الأزمة تهدد الاقتصاد مع تجددها في سنة 2009 حين أعلنت اليونان عدم قدرتها علي تسديد الديون الخارجية تأثراً بتداعيات الأزمة المالية العالمية 2008 والفساد الذي دب في الاقتصاد .
وتعتبر أنواع الأزمات المالية التي تقدمت أشهر الأنواع ، وترتبط بها أنواع أخرى منها علي سبيل المثال :
1- الأزمة المالية المنظومية أو البنيوية :
فحين لا تقتصر الأزمة علي قطاع واحد وتمتد إلى المنظومة ككل تسمي الأزمة المنظومية ، فغالباً تعيش الاقتصادات في نمط يسهل فيه انتقال العدوي من جانب أو نظام فرعي إلى آخر ، وفي ظل عولمة الأسواق المالية أصبحت الأنظمة أكثر مخاطرة مما مضي في تأثرها بما يحدث في أقاصي الأنظمة التي قد تبدو بعيدة عنها ، ومن الناحية القطاعية فإن الضرر الناجم عن فعل ما يتوزع بين المستثمرين والمقرضين والبنوك بل حتى في الشركات ، وأصبح من السهولة أن تأخذ الأزمات بعداً عالمياً .
2- أزمة السيولة الدولية :
وتسمي أزمة اختفاء السيولة ، وتعني عدم الاتساق أو التوافق بين آجال استحقاق كل من الأصول والخصوم الدولية ( الموجودات والمطلوبات ) لهذا النظام ، فإذا عجزت أصول النظام المالي قصيرة المدى والمقومة بالعملة الأجنبية عن تغطية خصومه والتزاماته قصيرة المدى المقومة بالعملة الأجنبية ، فإن النظام المالي يفقد سيولته الدولية ويصبح عاجزاً عن الاستجابة والتصدي لأي صدمة خارجية يترتب عليها النزوح من العملة الوطنية .
3- أزمة المخاطر المعنوية :
وتحدث حين يفشل الطرف المؤمن لصالحه من اتخاذ الاحتياطات الواجبة لمنع حدوث الواقعة أو الحدث المؤمن ضده ، وتثور المخاطر المعنوية إذا اعتقد المستثمرون أو المودعون لدي البنوك أن الحكومة سوف تضمن استثماراتهم وودائعهم في حال انهيار البنوك أو إفلاس المستثمرات ، وينجم عن هذا الاعتقاد تراخي المستثمرين والمودعين في مراقبة ومتابعة نشاط البنوك والشركات ، ويقللون الاهتمام بالاتزان وأخذ الحيطة والحذر في قراراتهم ، أي أن الخطر المعنوي قائم علي ارتياح المقرضين من تدخل هيئة حكومية أو دولية لضمان ودائعهم حال انهيار البنوك ، وهو ما يرفع ثقتهم ويدفعهم إلى المنح أكثر .
وعلي المستوي الدولي كثيراً ما يسود هذا الاعتقاد لدي البنوك العالمية خاصة في منحها القروض للدول النامية ، لأنها تطمئن إلى أن الحكومات في الدول النامية لابد وأن تتدخل لإنقاذ البنوك ومنع انهيارها فلا خيار أمامها ، وهو ما يفسر جانباً من ارتفاع مديونية كثير من دول العالم النامي .
أسباب حدوث الأزمات المالية :
علي اختلاف أشكال الأزمات المالية وتفسيراتها فإن هناك مجموعة من الأسباب الأساسية التي توارد ظهورها في مختلف الأزمات المالية التي مر بها الاقتصاد العالمي ، ونورد أهم تلك الأسباب من أجل تعمق أكبر في فهم الأزمة المالية ، ومن تلك الأسباب :
(1) عدم استقرار الاقتصاد الكلي :
كلما توفرت بيئة اقتصادية مستقرة مكن ذلك لاستقرار النظام المالي ، وبالمقابل تؤدى الاهتزازات والاختلالات في الاقتصاد الكلي إلى اختلالات وأزمات مالية ، إذ تنشأ علاقة واضحة بين السياسة الاقتصادية الكلية والنظام المالي ، فمثلما أن السياسة النقدية والمالية التوسعية من خلال زيادة الإنفاق الحكومي والمعروض النقدي تؤدى إلى زيادة الإقراض والاستثمار في القطاعات غير المنتجة وارتفاع أسعار الأسهم والعقارات ، فإن السياسة المالية والنقدية إذا كانت انكماشية فإنها تساهم في تراجع النمو وإزاحة الاستثمارات الخاصة وزيادة نصيب القطاع العام في الاستثمارات وارتفاع الديون وتعسير خدمتها ، وهو تأثير متصل بعلاقة الاقتصاد العيني بالمالي ، وتتمثل أبرز صور هذا التأثير فيما يلي :
- التقلبات في شروط التبادل التجاري :
إذ تنعكس آثارها في تهديد الاستقرار المالي خاصة لدي الدول المقترضة ، فإذا رفعت الدول المصدرة شروط التجارة ألزمت الدول المقترضة التزامات مالية أكبر ، وينجم عن ذلك أيضاً مشاكل خدمة الدين وتراكم القروض غير المنتجة ، بما يجر إلى أزمة مالية مؤكدة .
كما أن خفض شروط التجارة يقود أيضاً إلى مشاكل مالية ، إذ يصعب علي عملاء البنوك المشتغلين بنشاطات ذات علاقة بالتصدير والاستيراد الوفاء بالتزاماتهم خصوصاً خدمة الديون ، وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن حوالي 75% من الدول النامية التي حدثت بها أزمة مالية ، شهدت انخفاضاَ في شروط التبادل التجاري بحوالي 10% قبل حدوث الأزمة ، وفي دولة مثل فنزويلا والإكوادور حيث الاعتماد البالغ على مورد النفط الخام وقلة التنوع كانت آثار انخفاض شروط التبادل فيها أكثر إهلاكاً .
- التقلبات في أسعار الفائدة :
يعتبر سعر الفائدة من الآليات التي تتحكم بها الحكومات عبر بنوكها المركزية في السياسة الاقتصادية ، من خلال رفع هذا السعر وخفضه رجاء علاج بعض التقلبات ، وعموماً يؤدى رفع سعر الفائدة إلى كبح عمليات الاقتراض وتقليل نسبة السيولة في السوق بما يؤدى إلى خفض نسبة التضخم ، ويؤدى خفضه إلى ضخ السيولة بما يشجع علي الإنتاج والاستهلاك في حال ركود النمو .
علي أن التقلب في أسعار الفائدة علي المستوي العالمي يعد من أسباب الأزمات المالية خاصة في الاقتصادات الناشئة والهشة ، إذ يؤثر في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ودرجة جاذبيتها ، ويقدر أن ما بين 50 إلى 67% من تدفقات رؤوس الأموال من وإلى البلدان النامية خلال تسعينيات القرن العشرين كان سببها المباشر التقلبات في أسعار الفائدة العالمية ، بمعني أن استقرار الوضع المالي مرهون في هذه البلدان بما تمليه أوضاع سعر الفائدة العالمية ، وأن الاستثمارات الأجنبية فيها لا تستقر علي حال .
- التقلبات في أسعار الصرف الحقيقية :
منذ نهاية نظام بريتون وودز إلى اليوم ما يزال موضوع أسعار الصرف محل اختلاف وجدل وترجيحات وسياسات لها آثارها البينة في الوضع المالي للدول مجتمعة ومنفردة ، فالتقلبات الكبيرة في سعر صرف العملات الأساسية يمكن أن تكون مكلفة إلى حد كبير على البدان صاحبة تلك العملات وعلي دول كثيرة مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه العملات ، بما يخلفه ذلك التقلب من اضطرابات على الوضع المالي والاقتصادي .
وقد أظهرت الدراسات بأن 22 دولة نامية من دول أمريكا الجنوبية عانت من أزمات مالية خانقة بسبب الاضطرابات في أسعار الصرف الحقيقية المرتبطة بارتفاع الأرباح في التجارة الخارجية أو ارتفاع أسعار الفائدة المحلية .
- التقلبات في معدل التضخم :
والتي تؤدى إلى أزمات مالية ، فحين ترتفع الأسعار تسعي السلطات بسياستها المالية والنقدية إلى الحد من ذلك ، واستخدام أدوات الإنفاق الحكومي والضرائب وسعر الفائدة والائتمان ، بما تخلفه هذه الأدوات من آثار علي النمو وما تسببه من أزمات مالية ، وهو ما دلت عليه الأزمات المالية المتكررة في دول أمريكا الجنوبية والعالم النامي .
(2) اضطرابات القطاع المالي :
تشترط الكفاءة في القطاع المالي الاستثمار الأمثل لرؤوس الأموال في تحقيق النمو ومواجهة التقلبات ، وعليه فلا بد من إيجاد بيئة فعالة تستخدم فيها رؤوس الأموال الوافدة في قطاعات إنتاجية مدرة ، والحذر من الآثار السلبية للتوسع في الائتمان والتحرير المالي غير الوقائي خاصة بعد مرور فترات من الانغلاق والكبت المالي ، وهو ما يهيئ لحدوث الأزمات المالية ، ومن أبرز انعكاسات ضعف القطاع المالي :
- تراخي سياسات الإقراض وعدم تلاؤم أصول وخصوم المصارف :
حين يتم التوسع في النشاط الإقراضي تتهدد المصارف بمشكلة عدم التلاؤم بين أصولها وخصومها ، إذ أن توسعها يعني عدم الاحتفاظ بقدر كافٍ من السيولة لمواجهة الالتزامات الحاضرة والآجلة ، أو إذا كانت أسعار الفائدة العالمية مرتفعة أكثر من أسعار الفائدة المحلية ، أو عندما يجتمع ثبات سعر الصرف مع ارتفاع سعر الفائدة المحلي بما يحفز المصارف المحلية علي الاقتراض من الخارج ، ويؤدى كل ذلك إلى ارتفاع الخصوم علي الأصول خاصة إذا اصطدمت بتعثر الديون وفتح باب الأزمة المصرفية .
وفي دراسة لباتريك هونوهان Patrick Honohan الاقتصادي الأيرلندي في سنة 1996 تبين أن نسبة المعروض النقدي إلى إجمالى الناتج المحلي - كنتيجة للتطور التكنولوجي والتحسن في نظام القطاع المصرفي - في عينة من 59 دولة نامية زادت من 25% إلى أكثر من 35% بين سنوات 1980-1993 دون أن تحدث أية زيادة مقابلة في رأسمال المصارف في تلك الدول ، وهو ما خلق فجوة كبيرة بين الالتزمات والاحتياطات ، كما أن دول المكسيك والبرازيل والتشيلي عانت من مشكلة الفجوة بين الخصوم السائلة والاحتياطي من النقد الأجنبي ، وكان ذلك سبباً بارزاً في الأزمات المالية التي حدثت بهذه الدول .
- تحرير مالي غير وقائي :
علاوة علي أن ضعف نظم الرقابة والإشراف علي البيانات المالية في البيئات المالية الأكثر تحرراً يساهم في مشكلة المخاطر المعنوية ، فإن التطور التكنولوجي وتزامنه مع استجابة بلدان ذات اقتصادات ناشئة للدعوات الملحة بالتحرير المالي خلق أزمات مالية عديدة ، فعندما لا يكون النظام المالي المحلي والقطاع المصرفي مهيأً لدخول المصارف الأجنبية إلى السوق المالي المحلي فإن ذلك يعني ضغوطاً تنافسية ومخاطر أعلى .
ويتبين من خلال بعض الدرارات أن أغلب البلدان التي تحررت مالياً واستقبلت تدفقات مالية ضخمة قبل أن تهيئ هياكلها المالية وتحوطاتها حدثت بها أزمات مالية في السنوات الخمسة الأولي من التحرير المالي .
- تدخل الحكومة في تخصيص الائتمان :
لا شك أن الحكومات تنفرد في ظل النظام الرأسمالي بأهمية كبيرة في إعادة ضبط التوازن ومواجهة الأزمات والصدمات المفاجئة ، إلا أن خطواتها تخلف أحياناً أضراراً بالغة ، لعل من أبرزها توسعها الائتماني الذي يعرض القطاع المالي للخطر خاصة إن لم يكن سعر الفائدة الذي تتخذه مستنداً إلى مؤشرات السوق ، بحيث أنها تخفض سعر الفائدة فتلزم البنوك التجارية تباعاً بتخفيض سعر الفائدة بأقل من مؤشرات السوق ، مما يعرض هذه البنوك للإعسار المالي فينجز عن ذلك عرقلة النمو الاقتصادي والأزمات المالية بمختلف صيغها .
- ضعف النظام المحاسبي والرقابي والتنظيمي :
بقدر ما تساهم الرقابة المالية والمحاسبة المحكمة والشفافية والإفصاح عن المعلومات في تهيئة البيئة المحفزة علي الاستثمار وعلي تقليل الصدمات وتفويت فرص الفساد ، فإن غياب هذه الآليات يفتح باب الأزمات المالية ، إذ يجر غياب الرقابة إلى التقييم غير الدقيق وغير الكافي للمخاطر الائتمانية وتركيز المخاطر في مجال واحد كالتوسع في منح القروض العقارية والاستهلاكية ، ويؤدى غياب الإفصاح عن المعلومات إلى اضطرابات اقتصادية ومالية كبيرة .
(3) تشوه نظام الحوافز :
يتمثل فكرة هذا السبب في غياب تفعيل المسؤولية الحقيقية لملاك المصارف وإدارتها العليا المتسببين في حدوث الأزمات ، إذ غالباً لا يتحملون الخسائر المترتبة عن قراراتهم ، بما يشعرهم بالأمان إزاء الخيارات التي قد ينتهجونها دون خبرة ، مع أن آثارها تلحق الاقتصاد الكلي أحياناً بل تتعدي حدود دولهم .
ويبدو أن كثيراً من الأزمات المصرفية كانت امتداداً لقرارات الإدارات العليا لبعض المصارف ، خاصة إن لم يكن تطبيق المعايير فيها يحظي بشفافية وعناية حقيقية . ومما تتسبب به إدارات المصارف في الأزمات إخفاء الديون المعدومة لسنوات متواصلة ، وذلك نتيجة لضعف الرقابة المصرفية وضعف النظم والإجراءات المحاسبية ، ما يعني خلق الاضطرابات ونقل آثارها إلى مختلف القطاعات .
(4) التوسع في حجم المشتقات المالية :
تتمثل المشتقات المالية في عقود مالية تتم بين طرفين وتكتسب قيمتها من الأصول المالية التي يتم التعاقد عليها ، وتحدد بفترة زمنية معينة مع الاتفاق علي بعض الشروط ، ومن بين الأصول المالية التي يتم عقد المشتقات عليها الأسهم والسندات العقارات والذهب والسلع والعملات الأجنبية ومعدل الفائدة ومؤشرات البورصة .
وينطوي التوسع في استخدام المشتقات المالية علي بعض الأخطار المسببة للأزمات المالية ، إذ ترتبط هذه المشتقات المالية ببعض الأصول ، فعندما تنخفض قيمة الأصل فإن الأصول المتولدة عنه تنهار أيضاً ، إضافة إلى أن عقود المشتقات المبرمة في الأسواق غير النظامية - وهي أكبر حجماً من الأسواق النظامية - تتم دون وساطة خارج غرفة المقاصة ، بما يرفع من احتمالية عدم التزام الأطراف بالعقد وما يعقبه من إفلاس وآثار سلبية .
وفي نهاية هذا البحث الذي حاولنا من خلاله البحث عن أهم أسباب حدوث الأزمات المالية نخلص إلى أن تلك الأسباب متعددة المجالات ، منها ما يتصل بالسياسة الاقتصادية والاقتصاد الكلي ، ومنها ما يتعلق بالقطاع المالي ومدى استقراره ، وكذا بالتوسع في حجم المشتقات المالية ، فضلاً عن بعض المؤثرات الخاصة بالبيئة الإدارية والتنظيمية من قبيل نظام نظام الحوافز ومدى مساهمته في الاستقرار المالي .
تعليقات