![]() |
ما هو مفهوم أخلاقيات العمل ؟ وما هي مصادرها ؟ |
بحث عن أخلاقيات العمل :
محتويات البحث
(1) مفهوم أخلاقيات العمل وتطورها التاريخي .
- مفهوم العمل .
- مفهوم أخلاقيات العمل .
(2) مفهوم أخلاقيات العمل في الإسلام .
(3) أهمية أخلاقيات العمل .
(4) الممارسات الأخلاقية للموظفين .
(5) الممارسات اللاأخلاقية للموظفين .
(6) مصادر أخلاقيات العمل .
(7) أسباب تراجع وفقدان أخلاقيات العمل .
مفهوم أخلاقيات العمل وتطورها التاريخي :
- مفهوم العمل :
إن للعمل مكانة هامة في الحياة البشرية وذللك نسبة لما ينتج عن ممارسة أي نشاط من آثار أو نتائج علي حياة الفرد ، رغبة منه في تحقيق رغبات وحاجات يسعي لتحقيقها من أجل البقاء والعيش كذلك في رفاهيته ، فالعمل ما هو إلا وظيفة يقوم بها أي إنسان سواء كان هذا العمل واجباً أو غير واجب كالأعمال الخيرية مثلاً أو مجال التطوع .
فالعمل قاسم مشترك وشرط لكل حياة اجتماعية ، فما هي إذاً مميزات سلوك الإنسان الجوهرية ؟ يمكننا البحث عنها بادئ ذي بدء في المنفعة ، وهو ما أشار إليه معظم الاقتصاديين الليبراليين ، كولسون مثلاً ، حين أعلن سنة 1024 ما يلي : " العمل هو الوظيفة التي يقوم بها الإنسان بقواه الجسدية والخلقية لإنتاج الثروات والخدمات " .
أما هنري " برغسون " يري بأن العمل الإنساني يرتكز علي خلق المنفعة . أما " ماركس " في كتابه " رأس المال " يري أن العمل هو عقد قائم بين الإنسان والطبيعة ، فالإنسان هو إحدى القوي الطبيعية من سواعد وسيقان وأيدي ورأس التي تحقق له المنفعة بتفاعلها مع الطبيعة .
أما " ماكسي شيلر " ( 1899 ) يصف العمل علي أنه " خلي وأعمي " إذ لا هدف له علي العموم أو بصفة عامة يمكن أن نثنيه بشكل مطلق لأن ذلك يعتبر إضاعة للوقت بالتفلسف حول العمل ، وتجريده من المجموعات الاجتماعية ، الآنية والأطر الثقافية .
وعليه فالعمل ما هو إلا نشاط إنساني يستخدم كوسيلة من أجل تحقيق المنفعة المادية والمعنوية ، ومن ثم فيمكن أن نحدد مفهوم العمل من خلال مفهومين هما :
* مفهوم العمل لغوياً : هو المهنة والفعل وجمعه أعمال ، وأعمله واستعمله غيره ، واعتمل عمل بنفسه وهو المهنة والفعل يقصد .
* مفهوم العمل اصطلاحاً : فينظر إلى العمل علي أنه فعل أو نشاط نفسي وأخلاقي واقتصادي بمعني آخر :
- العمل نفسياً : أي هو نشاط تلقائي أو مكتسب ، ذهني أو جسمي ، ويطلق علي ما يحدثه الفاعل نفسه دون تأثير خارجي أو عمل ما يحدثه هو في غيره .
- العمل أخلاقياً : ما يهدف لغاية ويصدر عن إرادة ، ويخضع لحكم أخلاقي .
- اقتصادياً : كل جهد يبذله الإنسان لتحصيل منفعة ، ومنه الأعمال الهندسية ، والأعمال الصناعية .
إذن العمل ما هو إلا جزء من العملية الإنتاجية إلى الجانب الإنساني من الإنتاج ، أي العمل يهدف إلى تحقيق المنفعة الاقتصادية أو إنتاج الغذاء ، أو العمل الذهني كالتأليف ، أو العمل التوجيهي والقيادي كالإدارة ، أو العمل الأخلاقي كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
كما يشار للعمل في المفهوم الاصطلاحي كذلك علي أنه : " مجموعة من الواجبات والمسؤوليات المحددة التي تلزم للقيام بها مجموعة من الشروط يتسم بها القائم بهذا العمل ، وكذا تتسم هذه الشروط من نوعها وأهميتها وتسمح بتحقيق الهدف من إيجادها " .
- مفهوم أخلاقيات العمل :
إن أخلاقيات العمل هي المعيار الثقافي الذي يصنع قيمة أخلاقية للعمل الجيد ، فالتزام أي شخص بأخلاقيات العمل دليل علي تأثره بخبرات التنشئة الاجتماعية في مرحلتي الطفولة والمراهقة ، من خلال التفاعل مع الأسرة والأقران ، فيتعلم كيف يجدد قيمة العمل والسلوك الذي يجب علي الآخرين الاقتراب منه إذا أردنا زيادة الإنتاجية .
ومن ثم فإنه يجدر بنا أن نسرد بعض التعاريف المشهورة حول أخلاقيات العمل كل حسب نظرته لهذا المصطلح علي النحو الآتي :
تعريف 1 : إن أخلاقيات العمل كما يري إيفانسيفج وزملائه علي أنها : " تمثيلاً أو تمثل خطوطاً توجيهية للمديرين في صنع القرار ، وأن أهميتها تزداد وتتناسب مع آثار ونتائج القرار " .
تعريف 2 : أما " بيتر دروكر " فيري أن الأخلاقيات في العمل علي أنها : العلم الذي يعالج الاختبارات العقلانية علي أساس التقييم بين الوسائل المؤدية إلى الأهداف .
تعريف 3 : أما " فلكس " ( 1984 ) : هي مجموعة مبادئ مدونة أو غير مدونة تأمر أو تنهي عن سلوكيات معينة تحت ظروف معينة وهي انعكاس للقيم التي يتخذها الفرد معايير تحكم سلوكه .
أما عن جملة من المؤلفين والباحثين المشارقة ، فقد عرفوا أخلاقيات العمل علي عدة أشكال كما يلي :
تعريف 1 : عرف " الرفاعي " و " عارضة " ( 2006 ) أخلاقيات العمل علي أنها : مجموعة المبادئ والمعايير التي تحمك سلوك الفرد أو الجماعة في وظيفة أو عمل ما يقوم به .
تعريف 2 : يشير " فائق " ( 1996 ) إلى المعايير الأخلاقية علي أنها : تعبير عن الاحتياجات المطلوبة لغرض الوصول لهدف معين بأفضل شكل ممكن ، لذلك توضع هذه المعايير لخدمة كافة أوجه النشاطات التي تمارسها المنشأة بنوعيها الفني والإداري .
تعريف 3 : أما " مصطفي أبو بكر " فقد عرف أخلاقيات وقيم العمل علي أنها : مجموعة الأسس والقواعد والضوابط التي تتشكل من مصادر محددة وتصبح إطاراً مرجعياً من المعايير ، تحكم منهج تفكير وتصرف وسلوك الأشخاص في المؤسسة للتمييز بين ما هو مقبول وغير مقبول ، وما هو صحيح وغير صحيح ، وما هو مشروع وغير مشروع بما يترتب عليه السلوك الوظيفي والإداري والقيادي والمؤسسي المنضبط أخلاقياً وقيمياً من وجهة نظر المؤسسة والمجتمع .
من خلال التعاريف السابقة التي مرت معناً نلاحظ أنها تنوعت في تحديد المصطلحات المحدد لمفهوم أخلاقيات العمل ، حيث وصفت أخلاقيات العمل علي أنها توجيه ، مدونة ، اختبار ، ومعايير ومبادئ ، ولكن علي الرغم من تعدد المصطلحات المعبرة أو الموضحة لمفهوم أخلاقيات العمل إلا أن هذه المصطلحات لها توجه واحد ومشترك وهو التحكم في سلوك وتصرفات الأفراد في مكان العمل ، وهذا من منظور الفكر الإداري .
وعليه من خلال التعاريف السابقة يمكن أن نلخص تعريف أخلاقيات العمل في صورة موجزة تحدد المعني أو المفهوم العام لأخلاقيات العمل في المؤسسة ، وعليه فإن أخلاقيات العمل هي المرجعية القيمية التي يستند عليها أي موظف في أي مؤسسة في تحديد سلوكياته أو أفعاله وانتهاج منهجاً أخلاقياً أثناء مزاولة مهامه ، مما يساعد علي أداء مهامه بالشكل المطلوب الذي يحقق أهداف المؤسسة .
مفهوم أخلاقيات العمل في الإسلام :
إن ديننا الحنيف ديناً متكاملاً منزه عن كل نقص اتسمت به جميع الكتب المؤلفة ، فالإسلام لم يدع مجالاً من مجالات الحياة إلا وتطرق إليها ، من خلال الدستور القرآني والسنة النبوية ، ولذلك نجد أن الله عز وجل حثنا في كتابه علي العمل والالتزام بأخلاقه وكذلك في السنة النبوية علي العمل الجيد والالتزام بأخلاقه ، ومن هنا نجد أن للعمل مكانة مرموقة في الإسلام ، ولكن ليس كل عمل ، وإنما العمل الذي يتسم بالأخلاق التي من شأنها أن تنعكس إيجابياً علي الفرد والمجتمع .
ولذا فإن لأخلاقيات العمل في الإسلام الدور الكبير في إنقاذ المجتمع من عثراته التي خلفها الفساد بمختلف صوره وأشكاله . فقد حظيت أخلاق العمل بالاهتمام الكبير من قبل العديد من علماء الأمة الإسلامية عبر العصور اهتماماً يتناسب مع طبيعة الدولة وحجمها ووظائفها ، ومنهم :
تعريف 1 : عرف " أبو نصر الفارابي " الذي ذكر أنه بالإضافة إلى الصفات الطبيعية في الأشخاص الممارسين لأعمالهم أو مهامهم ، لابد من توفر الصفات المكتسبة اللازمة التي تساعد علي أداء مهامهم بشكل جيد .
تعريف 2 : عرف " الإمام الغزالي " وقد ذكر في كتابه " التبر المسبوك " عشرة وصايا لمن يتولي أمر المسلمين ، ومنها الحذر من استغلال السلطة والبعد عن الظلم ، وأهمية قضاء حوائج الناس .
تعريف 3 : عرف " ابن تيمية " وأكد علي أهمية الأخلاق في العديد من رسائله وخاصة في مجال اختيار الموظفين ومتطلبات العمل .
وأما من منظور الفكر الإسلامي نجد أن أخلاقيات العمل أعطيت الأهمية القصور وذلك لما لها من أهمية في الحياة العامة والوظيفية لأي شخص ، وذلك من خلال ما مر معنا من تعاريف حول أخلاقيات العمل من قبل مختلف المفكرين وعلماء الأمة الإسلامية .
حيث تم التركيز في هاته التعاريف علي الصفات التي يجب توفرها في كل من يتقلد وظيفة معينة أو من يولي أمر المسلمين . وهذا دليل علي أن للعمل مكانة مرموقة في الإسلام ولا يكون هذا العمل مقبول إلا من خلال ما يتصف به القائم بهذا العمل من صفات حددتها الشريعة الإسلامية ، أي لا يكون أي عمل أخلاقي إلا وفق الأطر الأخلاقية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية .
وبالتالي فإن مفهوم أخلاقيات العمل في الفكر الإسلامي : ما هي إلا مختلف القيم الإسلامية التي حث عليها ديننا الحنيف من خلال الكتاب والسنة النبوية ، والتي تترجم فيما بعد في الأخلاق التي يتحلي بها أي فرد والتي تحكم تصرفاته وسلوكياته أثناء تأدية مهامه كموظف في أي مؤسسة .
أهمية أخلاقيات العمل :
إن لأخلاقيات العمل الدور الكفيل في تحسين الخدمة العمومية أو الارتقاء بأي عمل إلى مستوي معين من الجودة ، بحيث يسمح بتحقيق ما هو مطلوب من ممارسة ذلك العمل ، ولذا تجدر بنا الإشارة إلى الأهمية التي تعكسها الممارسة الأخلاقية من قبل أي موظف أو عامل في أداء مهامه .
حيث قدر كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن إساءة الموظفين لمنصبهم ، كاستخدام السلطة لمصالحه الشخصية ، تقصيره في تحمل المسؤولية ، واستعماله للصلاحيات والسلطات في خدمة أغراضه الشخصية .
ونتيجة كذلك للمارسات اللاأخلاقية التي يمارسها الموظفين في أداء مهامهم أو في مناصبهم مثل " فضيحة ووترجيت " المشهورة ، و " فضيحة لوكهيد " التي تورط فيها العديد من السياسيين والإداريين في أعلى قمة الهرم السلطوي ، كانت بعض هذه الأمثلة دوراً كبيراً في بروز ما يعرف بأخلاقيات العمل ، وذلك من خلال اهتمام الكثير من الأكاديميين والممارسين بهذا الجانب ، وذلك من أجل ضبط العمل الإداري وتحقيق فاعلية أداء الموظفين العموميين .
كما أن ديننا الحنيف فقد أكد علي أهمية أخلاقيات العمل ، حيث أن الدين الإسلامي هو دين علم وتدبر في الأساس ، ولاشك في ذلك ، فالإسلام أمرنا بالعلم ، وذلك لقوته من جهة : فهو لا يخشي الاكتشافات العلمية لأنه دين حق ، ومن جهة أخرى تأتي الاكتشافات المثبتة كأدلة عقلية تضاف إلى كثير من الأدلة والبراهين التي تؤكد علي أن الدين الإسلامي حق من عند الله ، وأن ما جاء في السيرة النبوية حق وهذا ما جاء به علماء النفس والاجتماع أن النفس السوية هي نفس قادرة علي الحياة ، يتسع وعيها بحيث يسمح بالتفرقة ما بين ما هو قبيح وما هو جميل ، نفس قادرة غير عاجزة عن أداء واجباتها .
وعليه يمكن القول من خلال ما سبق أن أخلاقيات العمل مدخل مهم في حياة الأمم بصفة عامة وحياة المؤسسات بمختلف أشكالها بصفة خاصة ، وهذا لما لأخلاقيات العمل من أهمية بالغة في حياة المؤسسة تتمثل في الآتي :
1- لأخلاقيات العمل دور مهم في بقاء واستمرارية أي مؤسسة .
2- أخلاقيات العمل منطلق نحو بناء أخلاقيات الأعمال ، وبالتالي بناء مؤسسات أخلاقية .
3- أخلاقيات العمل خطوة نحو تحقق أو إنجاز المهام بشكل أخلاقي .
4- لأخلاقيات العمل دور في غرس ثقافة أخلاقية داخل أي مؤسسة .
5- أخلاقات العمل تحدد ما هو جيد أو غير جيد ، ما هو صواب أو خطأ .
6- أخلاقيات العمل لها أهمية في حياة الموظف والمؤسسة والمجتمع والأمة ككل .
الممارسات الأخلاقية للموظفين :
إن أي موظف يجب أن يتحلي بالعديد من التصرفات الأخلاقية التي يمكن فيما بعد تترجم في سلوكياتهم أثناء تأدية مهامهم مما ينعكس فيما بعد علي الأداء الوظيفي في المؤسسة . ومنه يمكن أن نبرز الأبعاد الأخلاقية للموظفين من خلال الآتي :
1- النزاهة والشرف :
النزاهة حسب ( Aulich , 2011 ) في الإدارة العامة ترتبط بالوسائل والآليات التي تكافح الفساد وسوء إدارة الموارد والشؤون العامة وسوء استغلال السلطة ، مع تعزيز ثقافة أخلاقيات العمل والسلوك علي مختلف المستويات الإدارة في النظام الحكومي .
علي جميع مستويات الدولة يتخذ عدد لا يحصي من القرارات التي تهم المواطن ولها علاقة مباشرة بنوعية حياته ومصالحه ، بواسطة مسؤولين وموظفين عموميين مؤتمنين ولديهم الصلاحيات اللازمة للقيام بهذه الأعمال .
أما الشفافية تعني الوضوح والنقاء والصفاء ، وهي ظاهرة تشير إلى تقاسم المعلومات والتصرف بطريقة مكشوفة وواضحة لكيفية صنع القرار علي الصعيد العام .
إذن فالشفافية كما يراها ( حماد 2007 ) علي أنها : " مبدأ خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة لكل المشاركين في السوق . كما تعرف الشفافية علي أنها : " الوضوح والعقلانية والالتزام بالمتطلبات أو الشروط المرجعية للعمل وتكافؤ الفرص للجميع ، وسهولة الإجراءات التنفيذية وبساطتها وسهولة فهمها واستقرارها وانسجماها مع بعضها وموضعيتها ، ووضوح لغتها ومرونتها وتطورها وفقاً للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية بما يتناسب مع روح العصر . وكذلك تبسيط الإجراءات ونشر المعلومات والإفصاح عنها وسهولة الوصول إليها . إذن فالشفافية هي دعامة لضمان النزاهة والثقة في إجراءات إدارة المؤسسة ، واتخاذ القرارات فيها ، وتؤمن هذه الدعامة إلى توصيل معلومات صحيحة وواضحة وكاملة إلى كل الأطراف ذات المصلحة .
2- الأمانة :
هي خلق أوجبه الإسلام وقد أكد القرآن في الكثير من آياته علي خلق الأمانة فقد قال الله تعالى " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " ( الأية 32 : سورة المعارج ) . فالواقع أن أمور الناس لا تستقيم إلا بالأمانة ، ومنها أن يخلق في عبادته ، وأن يحسن الانتفاع بوقته ، وأن يحسن الموظف والتاجر عمله وأن يجتهد فيه ، ومن الأمانة أن يحسن الموظف عمله وأن يؤدى ما عليه من مسؤولية . فالأمانة تعني : طمأنينة النفس وزوال الخوف ، وهي واحدة من الركائز الأساسية للأخلاق ، حيث أن التحلي بالأمانة والالتزام بها يتم من خلال المحافظة علي الوعود الصريحة والضمنية ، وقول الحقيقة .
3- العدالة :
لغة هي الاستقامة وفي الشريعة عبارة عن الاستقامة علي طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينياً ، وقيل العدل : مصدر بمعني العدالة ، وهو الاعتدال والاستقامة ، وهو الميل إلى الحق . أما اصطلاحاً : ببساطة تشير إلى عدم الظلم وعدم التحيز وعدم التمييز والاتجاهات السلبية تجاه بعض الموظفين . وذلك مصداقاً لقوله تعالى : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون " . كما أن للعدالة عدة تعريفات يمكن صياغتها علي النحو التالي :
- حسب ( Byars and Rue . 1997) هي محصلة إدراك الأفراد أو الموظفين أنها محصلة الاتفاق بين الجهود المبذولة والعوائد المحققة عنها ، بشكل يسهم في تحقيق الأهداف المطلوبة للمؤسسة .
- حسب ( Cropanzano and Greeberg , 1997 ) هي إدراك الأفراد أو الموظفين لحالة الإنصاف في المعاملة التي يعملون بها من قبل المؤسسات .
4- الصدق :
الصدق لغة يعني هو مطابقة الحكم للواقع ، أما في الاصطلاح أهل الحقيقة : هو قول الحق في مواطن الهلاك ، وقال القشري : الصدق ألا يكون في أحوالك شوب ، ولا في اعتقادك ريب ، ولا في أعمالك عيب . فالصدق اساس الفضائل النفسية ، وضرورة من ضرورات الاجتماع وقد خلق الله السماوات والأرض بالحق ، وطلب من الناس ألا يقولوا إلا الحق ... ولعلي أصدق ميزان لرقي الأمم هو صدق الأمة . ويقول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " .
بالإضافة إلى ما سبق فهناك العديد من الأخلاقيات المرغوب فيها هي الأخرى ، والتي يجب أن يتصف بها كل موظف علي مستوي وظيفته ، والتي سوف نذكرها باختصار ، وهي :
- تحمل المسؤولية الكاملة تجاه المهام الموكلة لأي موظف .
- الاحترام المتبادل في مختلف الاتجاهات سواء مع الزملاء أو مع المشرفين والمدراء أو مع المشرف عليهم .
- التشارك في رسم خطط وأهداف المؤسسة من خلال ما يسمي في ديننا الحنيف المشورة أو الشوري ، والتي تعني عدم الانفراد باتخاذ القرارات من قبل صناع القرار في المؤسسة .
الرحمة وهي الرفق بكل الأطراف المتعامل معها بالتسامح والتجاوز عن هفواتهم .
- الحياء ، وهو شعبة من شعب الإيمان والمقصود به هنا مثلاً الحياء من الله أثناء تأدية المهام وعدم القيام ببعض التصرفات الدنيئة ، كالكلام الفاحش ، التحرش ، السرقة ... إلخ .
- القوة والمقصود بها قوة الجسم ، أي تعبر عن القدرة علي أداء المهام كما ينبغي .
- الصبر ، وهو العفو وكظم الغيظ واحتساب الأجر عند الله ، مهما كانت الأخطاء أو التجاوزات من قبل كل الأطراف المتعامل معها .
- التواضع وهو عكس التكبر والتباهي ، وخفض جناح الرحمة أي يجب أن يكون الموظف إنسان متواضع مع كل الفئات وخدمتهم وتواصل معهم ، ومعاملتهم علي قدر عقولهم من خلال المعاملة الحسنة .
الممارسات اللاأخلاقية للموظفين :
نفس الأمر كما أنه توجد بعض التصرفات الأخلاقية فإنه توجد بالمقابل العديد من التصرفات أو الممارسات اللاأخلاقية التي يمكن أن يتصف بها الموظفين الغير منضبطين أثناء تأدية مهامهم ، والتي تتجلي في الآتي :
- قبول الهدايا والرشاوي .
- حجب معلومات عن الآخرين للتأثير سلباً علي آرائهم .
- مضايقة الآخرين وسوء معاملتهم .
بالإضافة إلى العديد من التصرفات أو السلوكيات السلبية أو المذمومة وهي :
- الأنانية وحب الذات .
- الظلم أثناء تأدية الوظيفة بمختلف أنواعه .
- الغش وغياب الأمانة أثناء تأدية المهام .
- استخدام المكان الوظيفي للمصالح الشخصية .
- عدم احترام الوظيفة ومختلف الأطراف المتعامل معها سواء داخل المؤسسة أو خارجها .
- إثارة المشاكل والفوضي من أجل مصالح خاصة عن طريق خلق ذميم ألا وهو النميمة .
- عدم احترام مختلف القواعد والإجراءات المعمول بها في المؤسسة .
- الوساطة وما لها من آثار سلبية علي المؤسسة والموظفين .
- كشف أسرار المهنة .
مصادر أخلاقيات العمل :
إن الأخلاق ما هي إلا عبارة عن تراكمات نشأت بعد فترة زمنية معينة ، وذلك نسبة أو نتيجة لاحتكاك أشخاص بفئة معينة ، أو مرورها بمراحل تربوية انطلاقاً من مصادر معينة ، أدت إلى نشوء أخلاق معينة في فئة معينة من الأفراد ، ونسبة إلى هذا يمكن أن نقول أن لأخلاقيات العمل مصادر عدة أدت إلى نشأتها ، ومن أهم هذه المصادر نذكر ما يلي :
1- المصدر الذاتي :
إن أي إنسان لا يمكنه أن يسعي إلى تحقيق غاية ما إلا إذا كان لها غاية في نفسه ، ولذا فإن أي عمل أخلاقي لابد وأن يتجلي ويظهر وهو جميل وجذاب أمام الإنسانية لكي تقبل عليه . وبالتالي فإن هذه الذاتية ستعمل علي إخضاع القواعد الأخلاقية نفسها إلى نظرة الفرد وتقديره الخاص .
2- المصدر الأسري :
إن للأسرة الأثر الكبير في غرس الأخلاق في نشأتها ، بحيث يصبح هذا النشء في المستقبل مرآة لأخلاق الأسرة التي نشأ فيها ، ومن ثم ينقل الإنسان سلوكه الذي ورثه من أسرته إلى الحيز الذي يعمل فيه ، وهذا دليل علي أن الأسرة هي مصدر من مصادر المبادئ والمثل العليا من صدق وأمانة والاحترام الذي ينشأ أبناؤها عليها ، وكذلك مصدر المبادئ والصفات الغير أخلاقية ، وهذا ما ينعكس إما إيجابا علي المؤسسة أو سلباً .
3- المؤسسات التعليمية :
إن لنظام التعليم الدور المهم في المجتمع وفي تكوين قيمه وأخلاقه انطلاقاً من الأفراد . فلسفة الدولة في ميدان التعليم واضحة تتكامل فيها مختلف آليات العمل بجميع المراحل من التحضري إلى الدرارات العليا ، يتم فيها صياغة أو ترسيخ نموذجاً سلوكياً أخلاقياً نابعاً من قيم وعادات ذلك المجتمع .
وهذا ما يساهم في تطوير السلوك الإيجابي وتعزيز المسؤولية والإخلاص في العمل والصدق فيه ، وتفادي جميع الظواهر اللاأخلاقية كالغش والخداع إلى غير ذلك من الصفات الأخرى المشابهة لها .
ويتطلب ذلك تطوير المناهج التربوية بما يتفق مع الأخلاق والانضباطية وإطاعة النظام وتنشئة الطلبة علي الفضيلة قولاً وعملاً وتنمية المجتمع وتوعيته .
4- المجتمع أو البيئة الاجتماعية :
إن للبيئة الاجتماعية هي الأخرى دخلاً في مصادر أخلاقيات العمل ، وذلك انطلاقاً من العادات والتقاليد والأعراف والقيم التي تسود ذلك المجتمع ، حيث تؤثر كل هذه النقاط في مستوي التعامل ما بين الموظفين داخل المؤسسة وما بين الموظفين والجمهور من جهة أخرى . لأن معايير المجتمع الأخلاقية وسطوتها في محاسبتها لأعضائها ، تجعل الموظفين يحرصون علي عدم العبث بهذه القيم ، أو الالتفاف عليها لأنها أقوي من ذواتهم كأفراد .
5- الدين :
إن الشريعة الإسلامية قدمت للأمة أو الإنسانية جمعاء مختلف الطرق السليمة في التعامل مع الناس ، ومن الأمور التي تعرض لها الدين الإسلامي العمل الوظيفي اليومي وإطاعة ولاة الأمور ، والتنظيم الإداري السليم والتمسك بالأخلاق الحميدة أثر في ممارسة أي عمل . إذ أن كل الأديان السماوية وضعت أخلاق وفضائل سلوكية تنعكس علي المرء في تعامله مع الله والمجتمع والأسرة والموظفين من خلال الاستقامة . فالدين أشمل وأوسع وأهم من المصادر الأخلاقية الأخرى للعمل والقيم الإدارية .
6- القوانين والأنظمة والتشريعات :
هو كل ما يتعلق بدستور الدولة مع القوانين المنبثقة عنه كنظام ، التي تضبط أخلاقيات العمل الإداري سواء الحكومي ( العمومي ) أو الخاص . حيث تعمل هذه القوانين علي التحكم في تسيير الإدارة في الاتجاه المنشود ، بحيث يخدم الأهداف ويحققها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تحديد المسؤوليات والواجبات في الوظيفة المشغولة ، وكذا المحظورات التي لا يجب الاقتراب منها في هذه الوظيفة .
7- نظريات التنظيم والمدارس الفكرية والفلسفية :
إن لعلماء الفلسفة والإدارة والسلوك والتاريخ والسياسة ورجال الفكر علي مختلف مدارسهم دور في صياغة علاقة بين الحاكم والمحكوم .
وعليه من الجدير بالذكر أن أخلاقيات العمل والتعامل دخلت إطار نظريات التنظيم من أقدم العصور ، وأصبحت جزءاً من تاريخ الفكر الإداري ، وكان لمعظم الحضارات المتعاقبة أثر كبير علي قيم بعضها البعض ، كما كان لبعض هذه الحضارات كالحضارة الإسلامية أثر بليغ علي القيم ومسؤولية التشريعات والإدارة في وقتنا الحاضر .
8- المدونة الأخلاقية :
وما هي إلا وثيقة يصدرها التنظيم ، تحتوي علي جملة من القيم والمبادئ ذات العلاقة ، توضح ما هو مرغوب فيه من ممارسات وما هو غير مرغوب فيه .
بالإضافة إلى مصادر أخرى يمكن ذكرها باختصار هي الأخرى لها تأثير في تشكيل أخلاقيات العمل ، والتي تعتمدها المؤسسات في تعزيز أخلاقيات العمل لديها . انطلاقاً من مسؤولية قسم الموارد البشرية علي ذلك ، وهي :
- إعداد لوائح بالسلوكيات الأخلاقية المطلوبة في العمل .
- تشكيل لجان أخلاقية بهدف وضع السياسات الأخلاقية للمؤسسة والتحقيق في المخالفات الأخلاقية من قبل الموظفين .
- توفير نظام الاتصالات الأخلاقية التي من شأنها مساعدة الموارد البشرية في الحصول علي المشورة أو الإبلاغ عن المخالفات الأخلاقية .
- توفير البرامج التدريبية الأخلاقية التي تعمل علي توعية الموارد البشرية بالقضايا الأخلاقية التي يتحمل أن تنشأ في مكان العمل ، وكيفية التعامل معها علي نحو فعال .
- اعداد نظام تأديبي الذي من شأنه ضمان التعامل الفوري والحاسم والنزيه مع الانتهاكات الأخلاقية في العمل .
إذن من خلال ما مر معنا من مصادر أخلاقيات العمل نجد أن المصادر وإن تعددت ما بين ذاتية ، أسرية ، مجتمعية ، قانونية ، تعليمية أو عبارة عن نظريات مدونات إلا أنها تصب في اتجاه واحد ألا وهو بناء وترسيخ الأخلاق في الفرد والمجتمع وبالتالي الأمة ككل .
ولكن يبقى وجه الاختلاف ما بين هذه المصادر التي كانت مسؤولة عن عملية بناء وترسيخ أخلاق معينة تصب في منحي واحد ، أي بمعني أدق هل كلها تبني وترسخ أخلاق جيدة أو غير جيدة أو كلاهما . فمثلاً إذا كان المصدر المعتمد في بناء وترسيخ الأخلاق هو المصدر الذاتي فشخص ما يمكن أن يري الرشوة علي أنها هدية وشخص آخر إذا اعتمد المصدر الديني فهو يعتبرها كما هي علي أنها رشوة ولا يحل محلها أي تصور آخر أو مصطلح آخر .
أو مثلاً إذا أجرينا مقارنة ما بين المصدر المجتمعي والمصدر الديني فمثلاً المجتمع ما ينظر للعمولة التي يأخذها موظف ما من شخص معين عندما يقدم له خدمة معينة علي أنها هدية . أما إذا كان الأساس هو المصدر الديني فهو لا يراها هدية بل هي رشوة .
أسباب تراجع وفقدان أخلاقيات العمل :
إن ديننا الحنيف الذي هو متمثل في الإسلام ، هو شريعة ومنهاج للحياة في شتى مجالاتها وخاصة في مجال العمل ، إلا أننا نري في عصرنا هذا ، تراجعاً كبيراً في أخلاقيات العمل مقارنة مع من سبقونا من بني جلدتنا ، وهذا لا شئ إلا لعدة أسباب كانت هي سبب السلوكيات الآنية التي تتنافي مع أخلاقيات العمل . ومنها :
1- التلوث العقدي :
وهو الابتعاد عما جاء في ديننا الإسلامي الحنيف والتخلي عن مبادئه جهلاً وعمداً ، وهذا ما يؤدى إلى تلوث الحياة نتيجة للابتعاد عن المنهج القيم الذي يتضمن المبادئ الأخلاقية السليمة بصفة شاملة ، والمبادئ الأخلاقية والوظيفية أو الخاصة بالعمل بصفة جزئية ، وأن ما ينافي هذه المبادئ الأخلاقية الإسلامية ، فقد خالف المبادئ الأخلاقية المتعلقة بالعمل .
2- التلوث الفكري :
إن الإنسان علي علاقة بالكون وهذا ما وضحته الشريعة الإسلامية ، وكذا علي علاقة بخالق الكون بالغاية التي خلق لأجلها الإنسان ، وذهذا فكر صافي يخرج فكر الإنسان عن التلوث الذي يخرجه عن هدفه وغايته فيضر نفسه ويضر غيره ، فالإنسان إذا استحضر هذا في ذهنه فسيعرف مركزه الحقيقي في الدنيا وعلاقته بها وغايته في الحياة ، وبالتالي سوف يستقبل بنفس راضية جميع الضوابط والتنظيمات التي جاء بها الشرع .
3- التلوث القيمي :
إن التلوث القيمي وكذا الفكري هما نتيجة للتوث العقائدي والعكس صحيح ، أي هما أمران متلازمان ، ولكن ظهور بعض الأفكار الهدامة تسعي إلى غزو هذه القيم الإسلامية بتخليها من مضامينها من جهة ، وقلب معانيها مرة أخرى ساعية لتحطيم القيم الخلقية وقد استجاب لها عينة من المسلمين ، حتى أصبح يقال الرشوة هدية ، والنفاق مجاملة ، وأكل أموال العامة فطنة ، وإيذاء الناس ونهرهم وتأخير مصالحهم قوة في الشخصية ، وهذا ما لا يقبله العقل السليم ولا الفطرة السليمة .
بالنسبة للتراجع الذي مس الأمة الإسلامية في الجانب الأخلاقي من خلال ما مر معنا هو التلوث الديني والذي كان سببه البعد عن الثوابت التي جاء بها الدين الإسلامي التي حثنا عليها كمسلمين ، وذلك من خلال عدم الامتثال لما جاء من أوامر في الكتاب والسنة كالالتزام بكل الفضائل التي أمرنا بها ديننا الحنيف من خلال القرآن الكريم الذي هو كلام الله والسنة النبوية التي هي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم . وأيضاً عدم الامتثال للنواهي التي نهي الله عنها ورسوله .
ومن هنا كان لهذا الابتعاد عن الأخلاق السليمة التي حثنا عليها ديننا الحنيف الأثر البليغ والسلبي علي مختلف القيم التي يتصف بها الفرد المسلم بصفة خاصة والبشرية جمعاء بصفة عامة ، وهذا ما انعكس فيما بعد علي الحياة اليومية للإنسان في حياته اليومية وفي نفس الوقت علي الموظفين في حياتهم الوظيفية ، من خلال غياب ما يعرف بالضمير المهني أي بمعني آخر تراجع وفقدان أخلاقيات العمل علي مستوي مؤسساتنا .
تعليقات